-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإجماع الإسرائيلي وضرورة الوفاق الفلسطيني

عابد شارف
  • 6029
  • 0
الإجماع الإسرائيلي وضرورة الوفاق الفلسطيني

بدأت القضية باعتداء إسرائيلي على غزة، معقل حركة »حماس«، وانتهت بانهزام حركة »فتح« ومنظمة التحرير الفلسطينية بصفة عامة: هذا هو الاستنتاج الأولي الذي يمكن أن نتوصل إليه بعد ثلاثة أسابيع من العدوان على غزة. وإذا كان انهزام حركة »فتح« واضحا، فإن كلا من قادة حماس والقادة الإسرائيليين يعلنون أنهم انتصروا، لكنه يصعب لحد الآن أن نعرف من نجح ومن فشل في القضية، لأن غموضا كبيرا مازال يغطي الأهداف الحقيقية للهجوم الإسرائيلي.

  • وتقول حركة حماس إن خسائرها كانت ضعيفة، حيث لم تبلغ المائة من الفدائيين. وحتى إن كان هذا الرقم لا يعبر عن الحقيقة، فإن خسارة حماس لم تكن بالحجم الذي يمكن أن يهدد وجودها، إضافة إلى أن كل ما تخسره حماس في الميدان العسكري تربحه في الميدان السياسي. وقد أصبحت حركة حماس تشكل التنظيم الذي لا يمكن تجاوزه في أي حال من الأحوال، كما أنه يستطيع استرجاع ما ضاع منه من قوة عسكرية في فترة أشهر قليلة، مثلما اعترف به قادة المخابرات الإسرائيلية.
  • لكن حماس تعاني من عدد العيوب الخطيرة التي لا يمكن تجاهلها. إنها تتحمل مسئولية، ولو جزئية، في انقسام الصف الفلسطيني. إضافة إلى ذلك، فإن حماس لا تتميز بالمرونة السياسية التي تسمح لها بتجنب بعض الأخطاء البدائية، كما أن نشوة ما تسميه اليوم بالانتصار يمكن أن يدفعها إلى التخلي عن بعض القضايا الأساسية، مما يمكن أن يؤدي بها إلى ارتكاب أخطاء لا تغتفر. وفي الأخير، فإن حماس لم تستطع أن تفرض رزنامتها وتستعمل الوقت لصالحها، حيث أن أغلب ما قامت به لحد الآن جاء على شكل ردود فعل لأوضاع فرضت عليها، لا على شكل مبادرات من حماس، خاصة وأن الحركة تعيش في مناخ عدائي، وتحت حصار دائم، لا يسمح لها بالقيام بتحليل جاد وشامل لمسيرتها النضالية.
  • ومن جهة أخرى، فإن القادة الإسرائيليين يقولون هم كذلك إنهم حققوا كل أهدافهم، بل تجاوزوها من خلال العدوان على غزة. وقال الوزير الأول الإسرائيلي إيهود أولمرت كلاما بهذا المعنى، مما أثار تساؤلات عديدة: ما هي هذه الأهداف التي تم تحقيقها؟ إذا كان الوضع يتعلق بالقضاء على »حماس«، فمن البديهي أن هذا غير صحيح وأن حماس مازالت قوية، بل هي أقوى مما كانت عليه. وإذا كان أولمرت يتكلم عن وضع حد لاستعمال الصواريخ من طرف الفلسطينيين، فهذا كذلك خاطئ لأن الصواريخ مازالت موجودة.
  • رغم ذلك، نلاحظ أن المعارضة الإسرائيلية لم تستغل هذه الأكاذيب في حملتها الانتخابية، وكأن هذه المعارضة تعرف هي كذلك الأهداف الحقيقية للغزو، ووافقت عليها، كما تعرف أن تلك الأهداف قد تم تحقيقها. ونتساءل: ماذا تحقق في الميدان؟ الجواب بسيط: إلى جانب الدمار والموت، فإن أكبر نتيجة أدى إليها العدوان الإسرائيلي على غزة تتمثل في انهيار حركة فتح وتكريس »حماس« كطرف أساسي في المعادلة الفلسطينية. وهذا ما يثير بدوره تساؤلات أخرى: هل من مصلحة إسرائيل أن تتفاوض مع فتح أم أنها تريد القضاء على عهد »فتح« ودخول مرحلة جديدة، مرحلة حماس؟
  • هذا ما يطرح قضية موقف إسرائيل من فكرة السلم. ولو كانت إسرائيل تريد السلم، بالتفاوض أو بفرض شروطها، لكانت استغلت الفرص العديدة التي أتيحت لها منذ أكثر من عشرية، أي منذ اتفاقيات أوسلو. وكان لها خاصة أن تصل إلى السلم في السنوات الأخيرة، لما أبدى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس استعدادا لتقديم كل التنازلات المطلوبة. لكن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة تلاعبتا بالسلطة الفلسطينية، وأعطتا وعودا كاذبة بإقامة دولة فلسطينية قبل نهاية 2005، ثم قبل انتهاء رئاسة جورج بوش، لكن لم يحصل الفلسطينيون على أية نتيجة.
  • أما إذا كانت إسرائيل لا تريد السلم، فليس عليها إلا أن تخلق الشروط التي تمنع المفاوضات، أو أن تدفع المنطقة إلى جو سياسي غير مناسب للسلم. ولا شك أن وجود حماس كممثل للفلسطينيين يسمح لإسرائيل أن تقول لأصدقائها الغربيين وللدول العربية التي يقال عنها معتدلة: لا يمكن التفاوض مع حركة لا تريد التفاوض. وبذلك تبقى إسرائيل على سياستها التوسعية المعتادة.
  • ولا يمكن لحركة حماس أن تتجاهل هذا الواقع، خاصة إذا توصلت إلى وضع ريادي في المقاومة الفلسطينية. وأكثر من ذلك، فإن حماس تجد نفسها أمام مسئوليات جديدة تفرض عليها أن تدرك أن هزيمة »فتح« لا تعني فقط انتصار حماس، بل من الممكن أن تتحول إلى هزيمة فلسطينية شاملة، لأنه لا يمكن مواجهة الإجماع الإسرائيلي بصفوف فلسطينية منقسمة.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!