الرأي

الإدخال بالقوة إلى الديمقراطية

محمد سليم قلالة
  • 1472
  • 7

حديث الغرب عن الحرية وحديث المسلمين عن الحرية لا يحمل نفس المعنى. وحديثهما عن الدين والتطرف والظلم والعدل…لا يحمل نفس المعنى. وقس على ذلك باقي المصطلحات والقيم التي تُصاغ من خلالها الأفكار والسياسات والرؤى.. بل إن الاختلاف وارد حتى داخل المنظومة الفكرية الواحدة، الفراكوفون والأنجلوساكسون والألمان لا يعطون نفس المعنى لنفس القيم…

 وإذا انتقلنا إلى أقصى الشرق نجد قاعدة فكرية أخرى مختلفة تماما تضبط المفاهيم.

يعطي الفرنسيون معنى للائكية، ويحددون لها ركائز، ويتحدثون عن حرية ضميرLiberté de conscience ، الأمر الذي لا يفهمه الأمريكان ويفضلون استخدام عبارة حرية التدين. أما اليابانيون فلا توجد في قاموسهم كلمة مرادفة للائكية، نفس الشيء في اللغة العربية، لا يحمل مصطلح العلمانية المرادف للائكية المعنى الصحيح لهذه الأخيرة بل يحمل إيحاءات أخرى ذات صلة بالعلم، ولا علاقة لها بفصل الدين عن الدولة.

والأمر ذاته بالنسبة لمصطلحي الأصولية، والإنتقريزم (Fondamentalisme et integrisme) حيث يأخذان نفس الترجمة في اللغتين العربية والإنجليزية بكلمةأصوليةعن كليهما، في تناقض تام مع المعاني الإيجابية للأصولية عند المسلمين التي من بينها عودة إلى الأصل وهي فضيلة، ومع علم أصول الدين القائم بذاته كعلم أساسي في ثقافة المسلمين. كما أن مصطلحانتقريزملا يقابله في اللغة العربية أي مصطلح، لأنالإنتقريزمهو نتاج المسيحية واليهودية ولا علاقة للمسلمين به مثل اللائكية بالنسبة لليابانيين..

وإذا عدنا إلى الحرية القيمة التي كانت ومازالت موضوع جدل بين المدارس الفكرية المختلفة، وللمسلمين باع طويل في تحليلها، فالغربيون والفرنسيون بالتحديد اليوم يسعون إلى فرض معنى لها ضمن الإطار الفكري للحضارة الغربية الإغروقوـ مسيحية فقط، ضاربين عرض الحائط بكل تعدد في الفهم ضمن الأطر الحضارية الأخرى وبخاصة الإطار الفكري للحضارة الإسلامية التي لا تفهم الحرية ضمن منظومة قيم متكاملة غير مفصولة عن المسؤولية والتوحيد والحق، الثقافة التي لم يعرفها الغرب إلا في القرنين الآخرين متأثرا أساسا بحضارة المسلمين في قرطبة وصقلية.

 

وعليه فإننا اليوم إذا كنا في جدال سياسي، بيننا والغرب حول مفاهيم الديمقراطية واللائكية والحرية وحقوق الإنسان، فذلك مرده إلى أننا لم نحسم معنى المصطلحات التي نستخدم، وهناك سعي ملح لدى الغربيين بشكل عام لفرض المحتوى الذي يريدون للمصطلح الذي يختارون من خلال سياسة الإدخال بالقوة إلى الديمقراطية، ورفض أو تشويه كل مساهمات عميقة من قبلنا لتوضيح مثل هذه المسائل على الصعيدين الفكري والإعلامي، ولعلها هي جبهة الصراع الفكري التي ينبغي أن ننتبه لها، وتلك مساحة الأمل

مقالات ذات صلة