الجزائر
تعد سيدة الشهادات على مر السنين والتجاوزات تُحوّل الأفراح إلى أقراح

الاحتفال بـ “الباك”.. مواكب الموت وصخب الملاعب!

صالح سعودي
  • 5562
  • 12
أرشيف

برهنت شهادة البكالوريا على مكانتها الكبيرة وسط الجزائريين، حيث إن الاحتفال بها يختلف كثيرا عن بقية الانجازات الدراسية، حتى إن إحراز الدكتوراه قد لا يعني الكثير لدى البعض، مقارنة بنيل أبنائهم لشهادة البكالوريا التي تعد في نظرهم سيدة الشهادات العلمية على مر السنين، يحدث هذا رغم بعض التجاوزات التي حوّلت أفراحا إلى أقراح، في ظل طغيان الصخب على طريقة جماهير الملاعب، بشكل قد يخلف جرحى وحتى موتى، مثلما حدث أول أمس في نقاوس وقسنطينة ومناطق أخرى من ربوع الوطن.
تعيش العائلات الجزائرية منذ الخميس على وقع الكشف عن نتائج امتحان شهادة البكالوريا، وسط أجواء من الفرحة وأخرى من الحزن، بحسب نوعية النجاح والإخفاق في هذا الامتحان الذي يراه الكثير بأنه يعد منعرجا مهما في المسيرة الدراسية لأي تلميذ، وبمثابة بوابة نحو دخول الجامعة من أوسع الأبواب، وإذا كانت أخبار نتائج شهادة البكالوريا أصبحت تنتشر بسرعة بين الجزائريين، بفضل تطور تقنيات التكنولوجية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت المهمة، إلا أن الأمر يختلف عن الأجواء السائدة في العشريات السابقة، حيث إن الجميع يعيش على أعصابه طيلة فترة الانتظار، ما يجعل المعنيين وأوليائهم في حالة استنفار وترقب لسماع أي مستجدات بغية الإسراع إلى المؤسسات الثانوية، وعلى ضوء ذلك يتم تداول الأخبار شفويا أو بالتنقل إلى أهالي المعنيين ممن يقطنون بعيدا حتى يزفوا لهم الخبر السعيد، في الوقت الذي يتم الشروع في بث أخبار الناجحين على أمواج الإذاعة الوطنية، على وقع الأغنية المشهورة للمطرب القدير رابح درياسة “جابوها جابو البكالوريا هاذوك الشجعان” التي تصنع الحدث في البيوت السعيدة بالخبر السعيد، على أن يتم نشر قوائم الناجحين أيضا على صفحات الجرائد الوطنية لتسهيل مهمة الاطلاع عليها من طرف الأهل والأقارب.

هذا هو الفرق بين بكالوريا اليوم وبكالوريا أيام زمان

وبخصوص إمكانية إحداث مقارنة بين بكالوريا الأمس واليوم، فقد أجمع الكثير على وجود فروق كثيرة، سواء من حيث نوعية الدراسة والتدريس أو طريقة الاحتفال بهذه المناسبة، حتى إنها ارتقت إلى مرتبة الأعراس، بدليل أن بعض العائلات تلجأ إلى كراء قاعات الحفلات في هذه المناسبة، في الوقت الذي كانت تكتفي العائلات الجزائرية قديما باحتفالات بسيطة في البيوت، من خلال تنظيم حفل غداء أو عشاء وفق الإمكانات المتاحة.
من جانب آخر، يؤكد البعض على توفر كل الإمكانات في الوقت الحالي، من حيث ظروف التمدرس ودروس الدعم ونوعية المراجع، ما يجعل حسبهم الكرة في مرمى التلميذ الذي يوجد أمام خيارين، إما الاجتهاد في طلب العلم أو الكشف آليا عن فشله وعدم رغبته في النجاح، على خلاف الجيل السابق الذي عانى الفقر والعزلة والحرمان، ما يجعل فشل بعضهم له ما يبرره، بدليل أنهم كانوا يعتمدون على الكتب المدرسية وتوجيهات الأساتذة فقط، ولم يكن لهم الحظ لاقتناء كتب خارجية، ناهيك عن استحالة القيام بدروس خصوصية، إضافة إلى قطعهم مسافات طويلة من مقرات سكناهم بغية الوصول إلى المؤسسات التعليمية، ما يُرغم الكثير منهم على الإقامة طيلة فترة الدراسة وفق النظام الداخلي..
ومع ذلك فقد عرف الكثير منهم كيف يحققون نجاحات مميزة في أصعب الظروف، وهو ما يؤكد في نظر البعض أن توفير العوامل المساعدة والمحفزة أمر مهم، لكنها غير كافية لتحقيق النجاح في شهادة البكالوريا أو في أي مسار علمي آخر، بقدر ما يتطلب رفع التحدي والاعتماد على الذات، والمواظبة على مراجعة الدروس لتكريس منطق الرغبة في النجاح.
وبصرف النظر عن ردود فعل الأولياء بعد الإعلان عن النتائج النهائية للبكالوريا، إلا أن العاملين في الحقل التربوي يُجمعون على ضرورة تفادي الضغط على التلاميذ، وضرورة الوقوف إلى جانبهم، من خلال دعوة الراسبين إلى أخذ العبرة من هذا الفشل حتى يكسبوا نجاحات في المستقبل، ومطالبة الناجحين إلى التحلي بالواقعية والاقتناع بأن النجاح في البكالوريا مجرد أول خطوة نحو تعزيز التحدي لكسب نجاحات نوعية في الجامعة، بعيدا عن كل أشكال التراخي والغرور، معتبرين بأن إحراز “الباك” لا يضمن بالضرورة النجاح في المسار الدراسي الجامعي، كما أن الإخفاق في هذه العقبة لا يعني الشعور باليأس، بدليل أن الكثير من الطلبة الذين أخفقوا في اجتياز البكالوريا عدة مرات، قد حققوا مسارا مميزا في الجامعة تُوّج بالحصول على أكبر الشهادات وتولي أعلى المناصب والمراتب.

مقالات ذات صلة