-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
اليوم الثاني للمحاكمة يكشف عن "ورقة بيضاء" لتبديد المال العام

هكذا عشش الفساد في القطاع السياحي العمومي !

نوارة باشوش
  • 4841
  • 0
هكذا عشش الفساد في القطاع السياحي العمومي !

واجه قاضي الفرع الثالث لدى القطب الاقتصادي والمالي المتهمين في ملف الفساد المتعلق بعملية التجهيز وإعادة تأهيل مجموعة من الفنادق بجملة من الخروقات والتجاوزات التي شابت الصفقات المبرمة بين المؤسسات العمومية والخواص، بتواطؤ من مسؤولين بمؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج، من بينهم مديرها العام ورئيس المشروع، إضافة إلى أعضاء لجنة تقييم العروض وفتح الأظرفة وكذا لجنة الصفقات، مما تسبب في تبديد الملايير من الدينارات دون وجه حق، تكبّدتها خزينة الدولة.

وكشف اليوم الثاني من المحاكمة، خلال استجواب هيئة المحكمة للمتهمين من فئة أعضاء لجنة تقييم العروض وفتح الأظرفة، وكذا لجنة الصفقات، إلى جانب مكاتب الدراسات، عن حجم الفساد الذي عشّش في المؤسسات العمومية السياحية، على شاكلة إبرام عقود وملاحق مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها، من خلال  التأشير على دفتر شروط بختم مصلحة الصفقات عوض ختم لجنة الصفقات، انعدام الجدول الخاص بالأسعار الوحدوية، عدم تأشير مؤسسة الإنجاز على وثائق عقد الصفقة، إلى جانب التلاعب بآجال تنفيذ المشروع، حيث إنه تمت الإشارة في دفتر الشروط لآجال تنفيذ المشروع بـ22 شهرا وفي عقد الصفقة 11 شهرا.

ملاحق إضافية وتلاعب بآجال التنفيذ وانعدام الشفافية في منح الصفقات

كما أزال قاضي الفرع الثالث لدى القطب الاقتصادي والمالي الستار عن حقائق تواطؤ كل من أعضاء لجنة تقييم العروض وفتح الأظرفة وكذا لجنة الصفقات في عدم احترام مبدأ الشفافية في منح الصفقات، حيث تم إقصاء مؤسسة “س. إ” التي قدمت مبلغا يقارب المبلغ الذي فاز بالمشروع وآجال تنفيذ بـ8 أشهر، عكس مؤسسة “ش.ع” التي قدمت 22 شهرا وهذا ما يعتبر تلاعبا في التقييم التقني والمالي من طرف لجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض، حيث يعتمدون تارة على أحسن عرض مالي وتارة أخرى على أحسن عرض تقني .

ارتفاع تكلفة تجهيز الفنادق من 35 مليار سنتيم ابتداءً إلى 77 مليار سنتيم

وكشفت هيئة المحكمة أيضا خلال تطرقها إلى تفاصيل الملف إلى التجاوزات المرتبكة من طرف مكتب الدارسات العمومي BEREG بمعية مكتب الدراسات الخاص “ctau” ومدير المركب السياحي لسيدي فرج “خ.م” ورئيس المشروع “س.ج”، عن تبديد أموال عمومية، إساءة استغلال الوظيفة عمدا بغرض منح منافع غير مستحقة للغير على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، إبرام عقود وملاحق خلافا للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري العمل بها بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير تعارض المصالح بمخالفة الإجراءات المعمول بها في مجال الصفقات العمومية المبنية على قواعد الشفافية والمنافسة الشريفة والموضوعية، حيث تم رفع وتضخيم الأسعار الوحدوية للأشغال التكميلية والإضافية للملاحق الـ6، وكذا انعدام بعض التقارير التقنية التي تبرر هذه الزيادات، مع أوامر بداية الأشغال بالنسبة للملاحق، حيث تم إضافة أشغال كان من المفروض إدراجها في الدراسات الأولية أثناء انطلاق المشروع، حيث تم تضخيم هذه المبالغ من طرف مكتب الدراسات، إلى جانب إضافة أشغال تكميلية وإضافية دون إدراج الآجال لتنفيذ هذه الأشغال.

المتهمون يتنصلون من المسؤولية والقاضي يحاصرهم

وقد حاول المتهمون في ملف المتعلق بعملية التجهيز وإعادة تأهيل مجموعة من الفنادق، خلال اليوم الثاني لجلسة المحاكمة، التنصل من مسؤولياتهم الجزائية، من خلال “مسح الموس” فيما بينهم، فأعضاء لجنتي فتح العروض والصفقات حاولوا رمي الخروقات والتجاوزات المرتكبة في إعداد وتعديل دفتر الشروط الخاص بإعادة تأهيل وعصرنة البناية  3H التابعة لمؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج، إلى مكتب الدراسات، وهذا الأخير يشدد على أن مصالحه تتكفل بالجانب التقني لدفتر الشروط لا غير، أما الجانب القانوني فهو من صلاحية مسؤولي ورئيس المشروع ولجنة الصفقات وتقييم العروض وفتح الأظرفة لمؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج .

وفي هذا السياق، أنكر رئيس لجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض بمؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج  المتهم “أ.ب”، التهم الموجهة إليه جملة وتفصيلا، وقال خلال استجوابه من طرف هيئة المحكمة، إن عمل لجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض تقني طبقا لنص المادة 71 ـ 72 من قانون الصفقات العمومية، حيث يبدأ عملها في فتح الأظرفة وينتهي بتقييم العرض، مع تطبيق بنود دفتر الشروط الذي تم إعداده من قبل المصلحة المتعاقدة، ولا علاقة لها بإعداد أو تعديل دفتر الشروط.

القاضي: ماذا تقول عن التهم الموجهة إليك؟

المتهم: أنكرها تماما سيدي الرئيس.

القاضي: ما هو منصبك في مؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج؟

المتهم: أنا رئيس لجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض بالمؤسسة منذ مارس 2018، وكان هذا الملف أول ملف أشرفت عليه.

القاضي: يعني صفقة التأثيث والتجهيز لمؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج؟

المتهم: نعم سيدي الرئيس.

القاضي: من شارك في الصفقة؟

المتهم يذكر أسماء الأعضاء خلال عملية فتح الأظرفة وتقييم العروض، وأن “دفتر الشروط يكون وفقا للقانون الذي نعتمد عليه، يعني أننا مقيدون بدفتر الشروط”.

القاضي: واصل؟

المتهم: قيمة الصفقة كانت بـ350 مليون دينار، لكن مؤسسة ” ش” اقترحت أحسن عرض تقني وأقل عرض مالي وعلى هذا الأساس رست عليها الصفقة.

القاضي: هل لديك تكوين في مجال الصفقات؟

المتهم: نعم تلقينا تكوينا خاصا في هذا المجال.

القاضي: دفتر الشروط يتضمن القيد التجاري للمؤسسة، لكن قيد مؤسسة “ش.ع” الفائزة بالصفقة لا يتطابق ويتلاءم مع طبيعة صفقة التأثيث والتجهيز، كما أن هذه الأخيرة لا تحوز هذا النشاط في السجل التجاري كيف تم ذلك؟

المتهم: سيدي الرئيس، مكتب الدراسات  BEREG  ورئيس المشروع هما من قاما بإعداد دفتر الشروط وعلى هذا الأساس تم الاعتماد عليه.

القاضي: ما هو إذن دور رئيس لجنة الصفقات إذن؟ هل تلقيتم أي تدخل في هذه الصفقة؟

المتهم: لا سيدي الرئيس لم نتلق أي تدخل.

القاضي: كيف تتم عملية التقييم المالي والتقني؟

المتهم: هناك معايير تعتمد عليها .

القاضي: المسؤول الذي يحدد الأرقام أو من هو؟

المتهم: مكتب الدراسات سيدي الرئيس.

بالمقابل، أنكر المتهم “م.ع” الوقائع المنسوبة إليه وصرح أنه التحق بمؤسسة التسيير السياحي بسيدي فرج في نوفمبر 2018 كمسؤول أمن، وبخصوص لجان الصفقات التي كان عضوا فيها، فإنه كان عضوا في لجنة الصفقات منذ ديسمبر 2018 ثم رئيس اللجنة من سنة 2019 إلى غاية انتهاء علاقته بالمؤسسة في مارس 2021 .

وبخصوص الوقائع محل التحقيق الحالي والمتعلقة بالدراسات والأشغال وتجهيز البناية ” H3″، أوضح المتهم أنه بخصوص الدراسات والأشغال، فهو لم يشارك في أي لجنة من اللجان المتعلقة بالصفقات، كونه التحق بعد الدراسات وانطلاق الأشغال، أما بخصوص التجهيز، فإنه كان رئيسا للجنة الصفقات التي درست ووافقت على دفتر الشروط الذي تم إعداده من طرف مكتب الدراسات”BEREG” ، بالتنسيق مع رئيس المشروع، “سيفي. ج”، حيث تم الإشارة في دفتر الشروط إلى 24 رمزا لنشاط تجاري بإمكانهم تقديم عروض .

وتابع المتهم تصريحاته قائلا: “اللجنة قامت بعملها بكل شفافية وبدون تدخل من أي جهة كانت، وحسب علمي، فإن مكتب الدراسات هو من أعدّ دفتر الشروط ولا علم لي إن كان يعتمد على مكتب دراسات آخر في إطار المناولة، كما أن لجنة الصفقات تدرس مشاريع الملاحق أيضا التي تعرض عليها فقط”.

في حين أنكر جميع أعضاء لجنة تقييم العروض وفتح الأظرفة المتابعين في ملف الحال، خلال استجوابهم من طرف هيئة المحكمة، التهم الموجّهة إليهم جملة وتفصيلا، وأجمعوا خلال ردهم على أسئلة القاضي بخصوص إدراج رمز نشاط مؤسسة “ش.ع” في دفتر الشروط المتعلق بإعادة تأهيل وعصرنة البناية “3H” التابعة لمؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج، على أن المسؤولية تقع على عاتق مكتب الدراسات   BEREG  ومن جهتهم، فإن أعضاء لجنة الصفقات شدّدوا على أن عملهم إداري بحت، وأن دراسة دفتر الشروط الخاص بشركة “ش.ع”، تم إعداده من طرف مكتب الدراسات BEREG، كما أن العقد المبرم بين مؤسسة التسيير السياحي بسيدي فرج وشركة “ش.ع” لترميم وعصرنة العمارة “3H “، تم الاعتماد فيه على قانون الصفقات 10/ 236، فيما اعترف جلهم أنهم لم يتلقوا تكوينا في مجال الصفقات العمومية وليس لديهم خبرة في هذا المجال.

ومن جهته، حاول المتهم الموقوف “ط. ي” مستشار بمكتب الدراسات ctau  إقناع هيئة المحكمة، باستعمال كل الأدلة والقرائن التي من شأنها أن تسقط التهم الموجهة إليه والتي أنكرها تماما.

وقال المتهم في رده على أسئلة القاضي: “سيدي الرئيس، أولا، أنا مستشار بمكتب “سيتو” الخاص والذي هو ملك لزوجتي، وهو مختص في متابعة أشغال البناء والهندسة المعمارية، فأنا ليس لديّ أي صلاحيات لإمضاء الملاحق أو غيرها أو اتخاذ قرارات”، وفي هذه الأثناء، يقاطعه القاضي: “ما هي علاقة مكتب الدراسات  (ctau) بمكتب الدراسات (BEREG)؟”، ليرد عليه المتهم: “لا توجد أي علاقة بينهما ما عدا علاقة عمل، كما أن مكتب (بورغ) هو مكتب دراسات عمومي ولديه عدد كبير من العمال وليس خبراء، أما مكتب (سيتو)، فهو مكتب دراسات خاص يضم خبراء ومهندسين معماريين، وما يهم مكتبنا هو النوعية وليس الكمية في عدد الموظفين”.

القاضي يسأله مجدّدا: “مشروع إعادة ترميم وعصرنة العمارة “3H” من أنجز الدراسة؟” ليجيبه المتهم: “سيدي الرئيس، مكتب (بورغ)، لكن هذا الأخير لجأ إلى “استشارة” شاركت فيها 5 مكاتب دراسات وتم اختيار مكتب (سيتو)، وقمنا فعلا بوضع فرقة من الخبراء والمهندسين تحت تصرف مكتب (BEREG) وهذه، سيدي الرئيس، ليست صفقة مناولة بل تم وضع فرقة تحت تصرف مكتب الدراسات فقط، كما أنني قمت فقط بتحيين الدراسات والمتابعة”.

القاضي: “وماذا عن الملاحق؟”

المتهم: “سيدي الرئيس، لا دخل لي في هذا الأمر، بل رئيس المشروع بعد مشاورات مع مسؤوليه من الدرجة الأولى، هم من قرروا إدراج إضافة ملاحق، كما أن هذه الملاحق مبررة وقانونية، ومرت عبر جميع المراحل والإجراءات المعمول بها”.

وهنا القاضي يتدخل قائلا: “لكن القيمة الإجمالية للمشروع ارتفعت من 35 مليار سنتيم إلى 77 مليار سنتيم بسبب الأشغال الإضافية (الملاحق)”.

ويرد المتهم: “ليس نحن من يقرر إضافة الملاحق من غيرها، بل صاحب المشروع هو من يقرر ذلك، سيدي الرئيس، الأشغال فعلا عرفت عدة ملاحق، وهذا سببه طبيعة أشغال الترميم في حد ذاتها التي لا يمكن حصرها منذ البداية إلا بعد تقدّمها مرحلة بمرحلة، وهو ما يقتضي إضافة أشغال إضافية تكميلية”.

وتابع المتهم تصريحاته: “أما فيما يتعلق بمسألة تحديد الأسعار الوحدوية والكمية والنوعية، فتتم من قبل اللجنة صاحبة الأشغال ولا دخل لمكتب الدراسات في ذلك ما عدا تقييم وتحديد النوعية وإعطاء الموافقة عليها، ولا دخل لي في رفع الأسعار وعمل مؤسسة الأشغال إطلاقا”.

القاضي: “وماذا عن دفتر الشروط هل “بورغ” أو “سيتو” هي من قامت بإعداده؟”

المتهم: “قانونيا، مكتب الدراسة يتكفل بإعداد الجانب التقني لدفتر الشروط، أما من الناحية القانونية، فإن مؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج هي التي تتكفل بذلك”.

القاضي: “من هو المسؤول عن إدراج الرقم في قيد السجل التجاري لشركة “ش”؟

المتهم: “ليس مكتب الدراسات بسيدي القاضي، بل رئيس المشروع ولجنة الصفقات هي المسؤولة عن إدخال الرقم في دفتر الشروط”.

القاضي: “هل تلقيتم مستحقاتكم؟”

المتهم : “نعم، سيدي الرئيس”.

ومن جهته، فإن المتهم “ك.ب”، متّار (مهندس مختص في أخذ القياسات) لدى مكتب الدراسات “CTAU” أنكر التهم الموجهة إليه، وصرح أمام هيئة المحكمة أنه تم تعيينه بصفته متّارا محققا لمتابعة أشغال إعادة تهيئة وعصرنة العمارة “h3” وكذا إنجاز الكشوفات التقديرية لكمية الأشغال المنجزة من طرف المقاول والمعدة من طرف المتّار المحقق لدى شركة الإنجاز، كما تم تكليفه بعد استقالة رئيس المشروع بحوالي 6 أشهر قبل انتهاء الأشغال، بمتابعتها مؤقتا، حيث تابع هذه الأعمال حوالي شهر وعشرة أيام إلى غاية تعيين مهندس معماري آخر، حيث تابع المشروع إلى غاية نهايته.

وفي رده على سؤال القاضي المتعلق بإمضائه للملاحق المتعلقة بالصفقة رقم 02 وكذا وضعيات الأشغال، أكد أنه أمضى على البطاقات التقنية بخصوص التجهيزات مع التأشير على بعض الملاحق في الفترة التي كان فيها معينا من طرف الإدارة لمتابعة ومراقبة المشروع، كما أمضى على محضر التسليم.

إلا أن القاضي حاصر المتهم حيث واجهه بحقيقة متابعته ومراقبته لمشروع إعادة ترميم وعصرنة العمارة المذكورة، وقيامه بالإمضاء على مختلف الوثائق المتعلقة بهذا المشروع من بينها محضر التسليم النهائي، بالرغم من أنه ليس من اختصاصه كونه متّارا محققا وليس مهندسا مؤهـلا لمتابعة هذا المشروع وهذا ما يؤكد تواطؤ رئيس المشروع “س.ج” بالتغاضي عن هذه الممارسات اللامسؤولة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!