-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

للمجرم وجهٌ واحد

عمار يزلي
  • 686
  • 0
للمجرم وجهٌ واحد

الاستعمار واحد، والمجرم والأساليب والأسماء والتواريخ والجغرافيا متعددة: هذا ما يمكن أن نخلص إليه ونحن نقارن مجازر 8 ماي 1945، بمجازر غزة خلال سبعة أشهر بعد 7 أكتوبر 2023.
إذا كان في غزة اليوم قد تجاوز عدد الشهداء، خلال سبعة أشهر 34 ألفا، وقد يصل إلى أربعين ألفا أو أكثر، فإن مجازر فرنسا في بضعة أيام وصلت إلى 45 ألف شهيد، رغم محاولات فرنسا التقليل من أعداد الضحايا رسميا، إلى حد يكاد لا يُذكر، لا يتجاوز 1200 قتيل. رفع العدد فيما بعد، عبر المؤرخين الفرنسيين أنفسهم إلى أكثر من 20 ألفا، ثم نحو 30 ألفا. وفي كل الحالات، كان عدد الضحايا فظيعا، وفي عز رئاسة ديغول لرئاسة الحكومة المؤقتة وقتها، كما كان ميتران الاشتراكي، وزير داخلية فرنسا أثناء السنوات الأولى لثورة التحرير: لا فرق لدى الاستعمار بين اليمين واليسار، عندما يتعلق بالأمر بمصالح الاستعمار، تمحى وتُنسى المبادئ النظرية، وتُذاب الخلافات الداخلية مؤقتا، ويلتقي اليمين واليسار على قلب رجل واحد ضد “المتوحش، المتخلف الهمجي” الذي لا يقبل التحضر ولا التطور، وهي المهمة التي قيل عنها، عن كل استعمار قديم وحديث، بمفردات وتعابير مختلفة، لكن بجوهر ومضمون واحد، اليوم كما الأمس، كما الغد.
ونحن نستحضر اليوم المناسبة، مناسبة مجازر 8 ماي 1945، التي حدثت، لا لشيء إلا لخروج الأهالي الجزائريين، فرحين مستبشرين بنهاية الحرب العالمية الثانية التي كانت وبالا عليهم وعلى العالم، ولكنها كانت نافذة أمل لهم، دفعوا لأجل تحقيق هذه الآمال نفوسهم، ودماءهم على مذبح الانعتاق من الاستعمار. تجنَّدوا وحاربوا ألمانيا التي اتهمت فيما بعد بالمحرقة، وصُفِّي الحساب مع قادتها في محكمة نورنبورغ الشهيرة بعد نهاية الحرب.
اليوم، ونحن نرى ما يحدث أمامنا، وأمام هذا العالم الذي حارب النازية واكتوى بنارها وخرج منها منتصرا، وأنصف اليهود الذين نجوا من المحرقة، وحاكم المتسبِّبين في الحرب والمذابح والمحرقة، وتحوّل الهولوكوست إلى رمز لمحاربة الاضطهاد العرقي والديني، باسم القيم الفولتيرية.
ها هي هذه الدول، وعلى رأسها “دولة” الكيان التي زرعتها الدول الراعية للاحتلال الناشرة، المبشِّرة بالاستعمار، عنوانا للتحضير ونقل الإنسان من “التوحُّش إلى الحضارة”، ها هي تقوم وترعى وتساعد وتدعم بالسلاح والمال والسّردية وتبنّي الخطاب الاستعماري الاستبدادي الإجرامي لدولة الكيان: تدعمها، تقف معها في المحافل وضد المحاكمات وتنزع عنها صفة الإجرام والإبادة وتنصفها بلا حكم ولا محاكمة ولا قاض. إنه عنصر الإجرام الساكن في جينات المستعمِرين، أبًا عن جد. “لمبروزو” الإيطالي لم يكن على خطأ حين قال إن الجرم يورَّث، مثله مثل أي مرض أو عاهة. الجريمة تمشي في الدم، في عروق مجرمي العصور القديمة، مما قبل التاريخ إلى حضارات الرومان وتدمير وحرق أريحا، إلى تدمير أسوار عكة، إلى فرنسا الغاصبة، إلى الكيان المحتلّ المجرم بكل المقاييس الإنسانية والقانونية العالمية.
8 ماي 1845، ليس اليوم إلا تذكيرا لربط الماضي بالحاضر، للقول إن الجريمة لا تُمحى بالتقادم وأن الاحتلال زائلٌ لا محالة وأن محكمة التاريخ ستقام يوما لكل محتلّ غاصب مجرم مرتكب الآثام والآفات.
8 ماي أمس بالجزائر، هي 8 ماي اليوم بغزة والضفة وفي كل مكان يعاني من ظلم غزاة أمس، ظلام اليوم، بقناع من قطن: قناع أبيض لوجه أسود، كما يقول “فرانز فانون” في “المعذبون في الأرض”: الأوجه مختلفة والتواريخ تختلف، والمناسبة والفضاء يتبدلان، إنما المجرم واحد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!