الرأي

الاستخفاف بالعقول أخطر من الجيوب!

قادة بن عمار
  • 9273
  • 20

وزير التجارة محمد بن مرادي يقول في تصريح جديد قبل يومين، إنه كلّف مصالحه بالتحقيق في السبب المباشر للارتفاع الجنوني للأسعار، مما أثار سخط المواطنين وحرمهم من اقتناء المواد الغذائية واسعة الانتشار؟!

الوزير بن مرادي قال هذا الكلام وهو يدرك تماما (أو ربما لا يدرك) خطورة الوضع وإمكانية تطوره إلى مشاهد وصور مؤسفة لا يحمد عقباها كتلك التي تقع لدى جيراننا في تونس والسودان مثلا، حيث تحوّل غلاء الأسعار وانهيار القدرة الشرائية إلى وقود لاحتجاجات واسعة، ومظاهرات لا تتوقف ومواجهات مفتوحة.

ما يجعلنا نتخوف من عدم إدراك الوزير، وبالتالي الحكومة، للوضع الخطير، قول بن مرادي إنه يثق تماما في مصالح الرقابة؛ فهي تقوم بدورها وأكثر فيما يتعلق بمراقبة الأسعار، وهنا السؤال: إذا كانت مصالح الرقابة تقوم بدورها، فلماذا التحقيق إذن؟ طالما أن الحكومة تعترف بهذا الانفلات الذي يقوم به عدد من التجار، ويحدث في أسواق مفتوحة وبمناطق معروفة ومن طرف أشخاص يمارسون نشاطهم بشكل علني!

الأمر شبيه تماما بما كانت تردده الحكومات السابقة عن ضرورة محاربة التجارة الموازية والأموال المهربة وبارونات الاستيراد المغشوش، لكن بعض المسؤولين شوهدوا في الوقت ذاته، وهم يقومون بالتعامل مع سوق العملة في الشارع، ومع أسواق بيع السيارات والأجهزة الكهرومنزلية والالكترونية الموازية وغير الشرعية، لأنها أرخص وأكثر جودة!

هذا الاستخفاف بالعقول يعدُّ أخطر من الاستخفاف بالجيوب، فالمواطن الجزائري يمكنه تفهُّم الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد، ولعب دور “الساكت” بإرادته، بحثا عن تسلم سكنه الموعود ربما، أو لضمان دراسة أطفاله مجانا، أو حتى للعلاج في مستشفياتٍ مهما قيل عن رداءة خدماتها فهي ما تزال أفضل بكثير من العلاج في عيادات خاصة وبالملايين، لكن من يضمن استمرار “سكوته” طول الوقت؟ وهل تخلي بعض الوزراء في الحكومة عن واجبهم لن يدفع هذا المواطن المغلوب على أمره إلى الدفاع عن حقه بطرق مباشرة وبعيدا عن “الوصاية” و”دولة القانون” المزعومة؟!

قبل فترة، وعند تغيير الحكومة، تم التركيز على الوزارات التي تعني الحياة اليومية للمواطنين، على غرار السكن والتجارة والصناعة، لكن وبعد أسابيع من ذلك التعديل الحكومي، لا يبدو أن تغييرا ملموسا قد حصل، لا بل غرق وزير السكن مثلا في إطلاق الوعود وخلق صيغ مختلفة للاستفادة دون منح ضمانات لإسكان بقية الموعودين والمكتتبين منذ سنوات، في حين تسلم وزير الصناعة ملفا ثقيلا، لا نعلم هل سيساهم في تحقيق خططه بنجاح أم لا؟ وتتمثل أبرزها في إنقاذ المؤسسات والمصانع العمومية مع ضرورة فتحها للخواص والحفاظ على مكاسب العمال، يضاف إلى ذلك، فقدان الجزائريين ثقتهم في الكثير من القوانين التي تعِدّها الحكومة على غرار قانوني الصحة والتقاعد، وهي القوانين التي يتم تمريرها بمنطق الأغلبية على البرلمان مع رفض كل التعديلات المقترحة، في عزف منفرد لا أحد يعرف تداعياته ولا يستطيع أي محلل أو خبير مهما بلغت عبقريته، التكهُّن بخطورته.

مقالات ذات صلة