الرأي

الانتصار لـ7 و8 بعد انتصار 102

حبيب راشدين
  • 1775
  • 5
ح.م

من المؤكد أن الانتخابات الرئاسية التي كانت مبرمجة ليوم غدٍ لن تكون، وقد شاهدنا بين تاريخ الإعلان عن موعدها وتاريخ إلغائها تطوراتٍ بالغة الأهمية، أنستنا ما كان يُفترض أن يوصف بالإخفاق الأول في مسار الانتقال تحت سقف الدستور، وقد تقبّلت البلاد قرار تمديد عمر المرحلة الانتقالية الدستورية دون إشكال يُذكر، أحبطت جملة من الرهانات على دخول البلد بالضرورة في الفراغ الدستوري، وساعد انشغال الحَراك والطبقة السياسية بمسلسل محاربة الفساد عن توسيع مساحة الدعم لكثير من المبادرات كانت تقاول في مجملها لما تصفه بعض الأطراف بـ”الانتقال الديمقراطي” بعيدا عن الاحتكام إلى الصندوق، فيما ظل شعار ترحيل الباءات محض رجع صدى بين الجمعة والجمعة.

الآن وقد يئس الجميعُ من الفرص التي كان سيتيحها دخول البلد في الفراغ الدستوري، واستحالة ترحيل “باء” رئاسة الدولة، فقد تراجع سقف الطموحات ليركّز على ثلاثة مطالب قابلة للتنفيذ: ترحيل “باء” رئاسة الغرفة الأولى للبرلمان، وقد تكفَّل بها أمس النوابُ بعد أكثر من شهرين من حصار بوشارب في ما يشبه التكفير عن خطيئة الترحيل المشين للسيد بوحجة، والأهمّ منها رحيل “باء” الحكومة الذي سوف يترجم ترحيلها كعربون حُسن نية، وتعويض يصرف النظر عن رئاسة الدولة، وأخيرا تحقيق مكاسب على مستوى الهيأة المستقلة لتنظيم الانتخابات وتشكيلتها.

أحزابُ المعارضة التي تستعدّ لتنظيم لقاءٍ موسع لبعض الشخصيات الوطنية يوم السبت القادم، ليس بيدها خياراتٌ كثيرة خارج التوافق على مبادرة تدعو إلى حوار أوسع مع من تفوِّضه السلطة الفعلية للبحث في ملفين فقط، بعد رحيل رئيس البرلمان وإعلان حالة الشغور التي سوف تحرر البرلمان لمراجعة قانون الهيأة المستقلة لتنظيم الانتخابات، وقد يفاجئنا رئيس الدولة في خطاب 5 جويلية بتجديد الدعوة للحوار، ورفع الحرج عن المعارضة باقتراح طرفٍ ثالث محايد لقيادة الحوار، وربما التمليح لفرصة التكفُّل بتغيير الحكومة.

جانبٌ من المعارضة التي تصف نفسها بـ”الديمقراطية” قد تواصل المكابرة والتعطيل، إمَّا برفض فكرة الحوار أصلا مع السلطة القائمة واشتراط ترحيل بن صالح، مع الإصرار على ذهاب البلاد إلى مرحلة الفراغ الدستوري وإسقاط ما بقي من مؤسَّسات الحكم، أو تناور في الحدِّ الأدنى بتوسيع قائمة الاشتراطات يكون على رأسها المطالبة بإطلاق سراح من تعتقد أنهم معتقلون سياسيون مثل رئيسة حزب العمال، وتسجيل تحفظاتها على ما ينفذه اليوم القضاء من ملاحقات واسعة لرؤوس الفساد طالت كثيرا من الوجوه المحسوبة على القوى “الديمقراطية”.

فشلُ المحاولات المتكررة لتسويق وجوه ممثلة للحراك قد يتواصل، ليحرم الحراك من لعب دور ذي شأن في الحوار ـ إن توافقت عليه المعارضة في لقاء السبت القادم ـ  أو التأثير على مسار الرئاسيات القادمة، خاصة أن حملة ملاحقة الفساد والمفسدين بهذه الوتيرة العالية قد بدأت تُفرغ شعار “يرحلو قاع” من محتواه، إذ نتابع عملية ترحيل واسعة لأبرز رموز النظام السابق في واجهة السلطة كما في الإدارات الكبرى المدنية والعسكرية والأمنية، التي خضعت في الشهرين الأخيرين لحملة صارمة طالت أهمَّ مواقع القيادة في القطاعات الاقتصادية الاستراتجية، وفي الأسلاك الأمنية، وجانب من المواقع الحسَّاسة بمؤسَّسة القضاء.

ويأتي الخطابُ الأخير لرئيس الأركان بشرشال ليرفع من سقف التوقعات للرئاسيات القادمة، بإحالة مشروع إصلاح الدولة لرئيسٍ منتخب يكون فوق ذلك ملزَما بمواصلة عملية تطهير البلد من الفساد والمفسدين وهو مسنودٌ بشرعية لا تقبل الطعن فيها، في ترجمةٍ محمودة للمادتين السابعة والثامنة التي تسمح للناخب أن يكون هو الحَكم في تكليف من يثق فيه لتحقيق أهم مطلبين للحراك: ترحيل الفاسدين، وإعادة بناء مؤسَّسات دولة القانون التي تمنع عودة حليمة إلى عادتها القديمة.

مقالات ذات صلة