-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الباحث حسن زلاسي يتربع على كرسي الرياضيات

محمد بوالروايح
  • 6272
  • 0
الباحث حسن زلاسي يتربع على كرسي الرياضيات

افتك الباحث الجزائري حسن زلاسي من جامعة حمة لخضر بالوادي جائزة كرسي الرياضيات “موريس أودان” لسنة 2022 التي يمنحها المركز الوطني للبحوث العلمية بفرنسا  INSMI  لأحسن البحوث في الرياضيات. إنّ تفوّق وتألق حسن زلاسي في منافسة علمية عالمية من هذا المستوى ليس من نتاج المصادفة بل هو  ثمرة جهود علمية مضنية كانت بذرتها الأولى في المرحلة الثانوية، حيث حلّ حسن زلاسي ثانيا في الترتيب الوطني للناجحين في البكالوريا في تخصص العلوم التجريبية سنة 2009. التحق حسن زلاسي بالجامعة، وفي رحابها توسعت مداركه وانتقل من التعامل مع العمليات البسيطة إلى العمليات المعقدة ومن دراسة الدوال إلى تحليل القوانين العلمية التي أسست عليها.

لقد اطلعت على مسار الباحث حسن زلاسي المتربع على كرسي الرياضيات فألفيته مسارا متميزا، فقد طوى الباحث السنين طيا واختصر المسافة بين البكالوريا والدكتوراه وانضم إلى سلك الباحثين في مرحلة مبكرة واستطاع في وقت قياسي أن يضمن مكانه بين كبار الباحثين. لقد برز اسم هذا الباحث المبدع في أولمبياد الرياضيات الذي أقيم في “بريمن” بألمانيا في الفترة من 10 إلى 22 يوليو 2009. وأولمبياد الرياضيات تظاهرة علمية سنوية متنقلة، يتنافس فيها النوابغ في علم الرياضيات ممن يمتلكون القدرة على حل المسائل الذهنية المعقدة من غير الاستعانة بالآلة الحاسبة.

بهذا التتويج المستحق، ينضم الباحث حسن زلاسي إلى كوكبة الباحثين الجزائريين الذين حصدوا جوائز علمية في كبرى المنافسات الدولية، فهو وبلقاسم حبة ويوسف تومي وآخرون نماذج علمية رائدة ينطبق عليها قول الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله: “إن الطينة الجزائرية طينة علم وذكاء إذا واتتها الظروف”. إن هذه الظروف المواتية لم تحن بعد لكي يفرغ الباحثون الجزائريون ما في كنانتهم، إذ ليس من السهل إزالة تراكمات السنوات العجاف التي اتخذ منها صناع القرار فينا سنوات للقطيعة مع العلم والفكر، وهمشت فيها الكفاءة وقربت فيها الرداءة وسادنا من هم أراذلنا بادي الرأي.

أنا من المدمنين على قراءة مقالات الأستاذ أبوبكر سعد الله التي تدور في أغلبها حول الرياضيات وحظنا منها، فهي مقالات في القمة، تعكس قوة الاطلاع وثقافة الإبداع والقدرة على الإقناع إلا أنني لا أحبذ طريقته في النقد التي يركز فيها على انتقاد الوصاية أكثر من تركيزه على المتوّجين في كذا منافسة أولمبية، وفيما يلي مقطع من مقاله المعنون: “أولمبياد الرياضيات وتضليل الرأي العام”: “ليست المرة الأولى التي تقوم فيها وزارة التربية بتضليل الرأي العام في موضوع المنافسات الأولمبية الخاصة بالرياضيات لتلميع صورة المؤسسة. وإذا كان من حق وزارتنا أن تفخر بأبنائها المتميزين فهذا لا يجيز لها تكرار عملية التضليل، سعيًا منها لترك الانطباع بأن الوزارة تعمل وتجتهد في هذا المجال. فشتّان بين الجهد المبذول والجهد المطلوب”.

إن الإبداع في كل المجالات العلمية لا ينسب لفلان ولا لعلان وإنما ينسب للجزائر فما لنا وللوزارة فلكل وظيفة يؤديها في المجتمع و”كلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته”. إنني أهيب بالأستاذ أبو بكر سعد الله أن يلتفت إلى إبداعات باحثينا ويدع الوزارة وشأنها، فحسب أحدنا أن يجيد ويفيد في دائرة مسؤوليته لأنه في نهاية المطاف يسأل عما يفعل ولا يسأل عما يفعلون.

إن الصراع في الجزائر ليس بين النخبة والوزارة ولكن بين النخبة والرداءة، فالرداءة ليست صنيعة وزارة بعينها بل ميراث سنين تتحمله الأمة برمتها، فلماذا يحرص بعضنا على ما هو مهم ويتركون الأهم ولماذا يهدر بعضنا أوقاتهم في انتقاد هؤلاء وهؤلاء وهم يعلمون أننا كلنا منتقد ومنتقد عليه. أرجو أن يكون للباحث حسن زلاسي نصيب من مقالات الأستاذ أبو بكر سعد الله الذي يمتع ويبدع في جريدة الشروق اليومي ويأتيه في كل يوم بفكرة جديدة أو مشروع جديد في عالم الرياضيات.

بحثت في محرك Google scholar عن مساهمات الباحث حسن زلاسي في علوم الرياضيات فلم أعثر له على شيء، ليس السبب في ذلك أنه عديم الإنتاج العلمي وإنما السبب في  منصات البحث العلمي عندنا التي لا تؤدي دورها الوظيفي كما يجب إذ أنها لا زالت رهينة ممارسات كلاسيكية أكل عليها الدهر وشرب فما ينشر فيها لا يصل في الغالب إلى دوائر التصنيف العالمي وبالتالي تضيع جهود الباحثين الجزائريين سدى وتضيع معها فرصة تحسين الوعاء البحثي في الجامعة الجزائرية وتحيينه كلما تطلب الأمر ذلك.

إن الثورة الرقمية حديثة العهد في الجزائر لا يمكن أن تؤتي أكلها إلا إذا أولينا اهتماما خاصا بنوابغنا في شتى العلوم والفنون، ولا يتأتى ذلك إلا باستحداث منصة للباحثين بالمعايير العالمية، عندها فقط يمكن أن يكون لتفوّق حسن زلاسي وآخرين طعم ولتألقهم صدى. إنه ليحزنني أن يصدر مركز بحث فرنسي شهادة استحقاق واعتراف لباحث جزائري من حيث أنه كان أحرى أن يضطلع بهذه المهمة هذه المهمة مركز بحث وطني وإلا فما جدوى وجود مراكز للبحث في الجزائر إذا لم تضع هذه الغاية في صدارة اهتماماتها ومركز توجهاتها.

ينتسب الباحث حسن زلاسي مهنيا إلى جامعة حمة لخضر بالوادي، وقد تنبأت في مقالات سابقة بجريدة الشروق اليومي لهذه الجامعة بمستقبل علمي واعد ورشحتها لكي تتبوأ مكانة مرموقة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. ليس هذا من قبيل المدح المجاني وإنما هو حقيقة وقفت عليها من خلال تحليل المستودع الرقمي للجامعة، الذي جعلها متميزة عن كثير من نظيراتها في الجزائر التي لا تزال أغلبها للأسف غارقة في الكلاسيكية ورهينة الرؤى القديمة التي لم يشأ القائمون عليها تجديدها لتكون قيمة مضافة ورافدا من روافد التنمية الوطنية.

إذا كانت بعض الجامعات الوطنية تخصّص حيزا كبيرا في موقعها لإعلان نتائج المسابقات ولنشر ألبوم الصور للمسؤولين وكأنها تؤدي دور شركة إعلانات فإن جامعة حمة لخضر وأخريات في الجزائر يمثلن الاستثناء الذي نود أن يعمم من أجل كسر الصورة النمطية السلبية عن الجامعة الجزائرية.

حسن زلاسي هو نتاج جامعة حمة لخضر بالوادي التي خطت –رغم فتوتها- خطوات عملاقة في مجال الشراكة العلمية، حيث وقعت الجامعة اثنتين وثلاثين اتفاقية مع مختلف الجامعات والمراكز الوطنية والأجنبية كما استفاد طلبة الجامعة من منح جامعية لأندونيسيا وماليزيا والهند ورومانيا وكوريا وتونس والصين ومصر وهنغاريا.

لست شاعرا ولكن نشوة الفرحة بتكريم الباحث حسن زلاسي جعلتني أهدي نابغة الجزائر هذه الأبيات ولعل صدق العاطفة يكفر عني الخطأ في الوزن والقافية:

تربعت على كرسي الرياضيات كأنك     تحاكي الخوارزمي في العهود البائدات

رفعت اسم الجزائر خفاقا وأعدت       بعث روح الطموح في جزائر المعجزات

تفوقك في فرنسا على فطاحل الرياضيات  نصر ثان للبنود اللامعات الخافقات

بمثلك تعتز جامعة الوادي وتفخر        وبمثلك يخلد اسم الجزائر في الكائنات

حسن زلاسي لك مني خالص التبريكات   ولك من الشعب الجزائري أسمى التحيات

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!