-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البرلمان الجزائري: من أجل نواب لا نوائب!

بشير فريك
  • 1404
  • 0
البرلمان الجزائري: من أجل نواب لا نوائب!

تابعنا مجريات وأحداث الانتخابات التشريعية لـ12جوان الماضي، وسجلنا الاختلالات التي شابتها من الترشح إلى إعلان النتائج، واعتبرنا النتائج وما أفرزته من نواب المجلس الشعبي الوطني رغم المقاطعة الواسعة كأمر واقع لابد من التعامل معه من منطق سد الفراغ وضمان سير المؤسسات السيادية في أداء مهامها حفاظا على ديمومة للدولة واستقرارها .

وفي كتاب صدر لنا في سنة 2018 عن دار الأمة تحت عنوان:

“البرلمان الجزائري: نواب ونوائب” وفي أوج الحكم البائد، قمنا بتشريح واقع البرلمان الذي أريد له أن يكون عبارة عن لجنة مساندة لبرنامج “فخامته” يتقن ويتفنن لعبة “التصديق والتصفيق” متنازلا عن صلاحياته الدستورية في التشريع والرقابة مما أدى إلى إطلاق يد الجهاز التنفيذي للانغماس في الفساد بأشكاله المالية والسياسية والاقتصادية، إذ كانت ثورة الشعب في 22 فيفري 2019 وتداعياتها هي النتيجة الحتمية للعبث بالدولة ومقدراتها .

الآن وبعد مخاض عسير وتحت “شعار الجزائر الجديدة” في ظل الدستور الجديد تم تنصيب المجلس الشعبي الوطني الجديد و”انتخاب” رئيسه من كتلة الأحرار في غياب أغلبية برلمانية حزبية مؤثرة .

الملاحظ أن أسلوب وطريقة انتخاب رئيس المجلس الجديد لم يخرج عن الممارسات الايحائية الإملائية السلطوية من وراء الستار إذ انتفض أحد النواب في وجه رئيس المجلس رافضا أساليب الإملاء والفرض، مما يوحي بأن هناك أصواتا حرة وكفاءات أكيدة ضمن التشكيلة البرلمانية بإمكانها إحداث الفارق وحمل البرلمان على تحمل أعباء السلطة التشريعية وخلق نوع من التوازن والفصل الإيجابي بين السلطات وفق روح ونص الدستور بعيدا عن الهيمنة والاحتواء الممارَس تقليديا من السلطة التنفيذية على سلطتي التشريع والقضاء.

إن ما أفرزته التشريعيات الماضية يجعل صوت المعارضة في المجلس الشعبي الوطني خافتا، بل يكاد يكون منعدما لولا تمرُّد حركة مجتمع السلم التي لم تقتنع بالعرض الرئاسي واختارت صف “المعارضة” التي ستكون تكتيكية ظرفية، ومعنى ذلك أننا سنكون أمام مجلس شبيه بالمجالس الأحادية ومجالس الموالاة التي قلنا عن نوابها إنهم “نوائب” .

لقد تعمد الرئيس تبون في دستوره الجديد منح صلاحيات واسعة للبرلمان، والنص الدستوري والقانوني يكرس وبوضوح استقلالية الهيئة التشريعية وليس أمام السادة النواب سوى التمسك بصلاحياتهم، لأن فلسفة وجود السلطة التشريعية تكمن في ممارسة صلاحياتها بقوة وليس الذوبان في وعاء الجهاز التنفيذي .

إننا نعرف أن التشكيلة البرلمانية الجديدة تضم كفاءات جامعية وخبرات مشهودا لها في مختلف التشكيلات السياسة والأحرار، لكن ما نتمناه هو صلابة المواقف الاستماتة في التمسك بالمهام والصلاحيات سواء تعلق الأمر بالتشريع أو الرقابة على عمل الحكومة والولاة والمؤسسات الحكومية مع احترام مبدأ الفصل بين السلطات.

إن النائب الذي يفرض نفسه هو ذلك الذي يحترم نفسه وعهدته النيابية ولا يجعل منها مطية لتحقيق المآرب الشخصية الذاتية له ولأهله وأصدقائه لأنه بذلك سيفقد سمعته واحترامه لدى رئيس البلدية والوزير ناهيك عن الوالي.

إن نوابنا وهم يدشنون عهدة برلمانية جديدة محل تعاليق سلبية من الطبقة السياسية وعامة الناس عليهم مضاعفة الجهود في الأداء البرلماني المميز لدحض الصورة النمطية السلبية التي لحقت بهم جراء النسبة الضعيفة للمشاركة الشعبية في الانتخابات من جهة وإلصاق “تهم” العجز وانعدام الكفاءة والخبرة لدى أغلبيتهم. عليهم أن يدركوا حجم العبء الملقى على عاتقهم وطوال خمس سنوات، إذ تعاقب الحكومات والوزراء دوريا سعيا من الرئيس للرفع من الأداء الحكومي، وللنواب دورٌ محوري في مساعدة الرئيس لكشف الاختلالات في العمل الحكومي جماعيا أو فرديا، وذلك من خلال آليات الرقابة والمتابعة لنشاط الطاقم الحكومي وهياكله المحلية والجهوية.

وإذا كان النواب المنضوون تحت راية الأحزاب السياسية مقيدين بالتوجهات والحسابات السياسوية لقياداتهم الحزبية، فإننا ننتظر من النواب الأحرار “المتحرِّرين” بمعية الفرديات المتحرِّرة من المجموعات البرلمانية المختلفة بما فيها المعارضة قيادة انتفاضة إصلاحية حضارية في البرلمان ضد الممارسات البالية والأساليب البدائية الالتوائية التي تتحكم في سير وعمل المجلس الشعبي الوطني والتي أفقدته هيبته ولم يعد له أي اعتبار لدى الأجهزة الحكومية والإدارية. إن البرلمان يفرض احترام صلاحياته من خلال كفاءة وصلابة واستقامة نوابه وليس من خلال المنِّ من الوزير أو الوالي إلخ… فعلى نوابنا أن يرفضوا كرسي الاحتياط ويفرضوا أنفسهم كأساسين عندما يتعلق الأمر بالقضايا الكبرى للوطن في فرض القوانين التي تخدم الأمة في قيمها وثوابتها بصرف النظر عن التوجُّهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تكون محل نقاش وتوافق بين النواب والحكومة..

على نوابنا أن يسموا بمهامهم الوطنية الحساسة ويدركوا أنهم منذ الآن تحت مجهر المجتمع بفعالياته ومكوناته، وأن مهمة التمثيل التي يضطلعون بها تفرض عليهم ربط التواصل ونسج العلاقات مع جلِّ الهيئات والإدارات العمومية المركزية والمحلية بذكاء وحنكة ولباقة وبروح خفيفة لحمل مسؤولي تلك الإدارات على الإصغاء لانشغالات النواب التي هي اهتمامات المواطنين على مستوى دائرته الانتخابية أو حتى القضايا الوطنية الهامة.

أما في علاقة النواب مع المواطنين وفعاليات المجتمع المدني فإن المهمة النيابية تفرض على النائب أن يتسع صدرُه للتحمُّل والاستماع للناس وغربلة الانشغالات وإحداث الفرز بين الطروحات الجادة وأصحابها والتفاعل معها إيجابيا وبين الانتهازيين المصلحيين وتحييدهم بذكاء وحنكة اتقاء لشرهم، أما على مستوى المجتمع المدني فعلى النائب أن يحسن الغربلة والتعامل والتعاون مع الجمعيات الجادة ويستبعد قطعان الانتفاعيين وما أكثرهم لاسيما إذا تعلق الأمر بالعروشية والجهوية، فالنائب له بُعدٌ وطنيٌّ وليس عروشيا أو جهويا. ثم إنّ على النائب أن يُحسن التعامل مع الأعيان واستشارتهم ويحترس من جماعات الضغط المصلحية التي كثيرا ما تكون لديها قوة رهيبة في تعكير وتسميم الأجواء العمومية محليا ومركزيا لأنها تُحسن السباحة في المياه العكرة.

أما الجبهة التي يجب على النواب ربحها فهي الإعلام من خلال الاحتكاك بالصحافيين والتواصل والتعامل معهم أخذا وعطاءً لتبليغ الرسائل والانشغالات للمسؤولين المحليين والمركزيين، ونحن نعرف ما للصحافة من تأثير على السلطات في مختلف المستويات.

أخيرا على مسؤولي هياكل المجلس المنتخبين والإداريين أن يجتهدوا في توفير أفضل ظروف العمل للنواب لاسيما في التخفيف من آلية اقتراح مشاريع القوانين وإزالة الحواجز الموروثة منذ 1997 أثناء العودة العرجاء إلى المسار الانتخابي .

ثم إنه لابد من تفعيل آليات الرقابة بصرامة وجدية تجعل الوزير يرتعد وهو ينزل للبرلمان، ما من شأنه أن يُضفي نوعا من الاعتبار والتقدير لممثلي الشعب، عكس ما هو معمولٌ به حاليا من المجاملات البروتوكولية في الأسئلة الشفوية التي لم تُفض يوما إلى أيِّ مساءلة لا للوزير ولا الحكومة مما جعل المهمة الرقابية شكلية بلا جدوى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!