-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
فيما عادت شعوب حليمة إلى عادتها القديمة

التآمر العالمي يستدرج المقاومة إلى بيت المساومة

حبيب راشدين
  • 7539
  • 1
التآمر العالمي يستدرج المقاومة إلى بيت المساومة

النظام العربي الذي تآمر على الفلسطينيين ومقاومتهم طيلة أسابيع الحرب العسكرية المدمرة، يقود اليوم أهم فصول الحرب السياسية والدبلوماسية بالوكالة عن إسرائيل والولايات المتحدة، وهو لا يخفي نواياه في تحقيق النصر السياسي الذي امتنع على إسرائيل في ساحة المعركة، ويريد إعادة سلطة أبو مازن على ظهر جرافات إعادة إعمار غزة بعد أن فشلت إسرائيل في نقلها على ظهر الدبابة.

ومع عودة الشارع العربي إلى عادته القديمة، وانكفاء قوى ودول الممانعة عن النصرة، طمعا في مساومة لربّ البيت الأبيض الجديد، يحق للفلسطينيين الخوف على مصير المقاومة، التي قد تُساق إلى مسار التسوية، وطرق باب الاعتراف بإسرائيل، الذي بات شرطا مسبقا لوصول الخيام والغذاء للمنكوبين، ومفتاحا لبوابات المعابر لإيصال مواد إعادة بناء شعب غزة، وتخريج جيل من المقاولين يخلف جيل المقاومين.    
لم تضع حرب التدمير بغزة أوزارها، ويتكشف للعالم حجم الدمار الهائل الذي جعل من هذا العدوان الصهيوني حربا حقيقية على المدنيين، حتى انطلقت فعاليات حرب جديدة بأدوات إعلامية وسياسية ودبلوماسية تجتهد لضمان نصر سياسي لإسرائيل فشل العسكر الصهيوني في تحقيقه.
ما رأيناه في الأسبوع الذي أعقب وقف إطلاق النار، هو بجميع المواصفات حرب جديدة، بأهداف سياسية واضحة لم يتستر عنها حلف المعتدين، من الصهاينة وحلفائهم الأمريكان والأوروبيين، وخاصة العرب المعتدلين: وهي في الحد الأدنى حرمان المقاومة من حصاد نتائج تلك المقاومة الأسطورية، وإعادة فعاليات الحصار لتدمير مقومات الصمود عند المقاومة وشعب غزة، وحملهما على القبول بذات الشروط التي رفضتها المقاومة قبل العدوان وأثناء الحرب، وفي مقدمتها القبول بعودة زمرة محمود عباس إلى غزة على ظهر جرافات الأعمار، بعد أن فشلت إسرائيل في توفير العودة لعباس على ظهر الدبابة، بكل ما في هذه العودة من حتمية عودة السلطة للوظيفة التي أنشئت من أجلها، وهي حراسة المحتل من المقاومة.

 .
 
من أخطأه القصف يتولاه الحصار
 
أسبوع بالكامل، لم تدخل أثناءه خيمة واحدة لإيواء قرابة ربع مليون فلسطيني منكوب من الذين دمرت منازلهم، ورأيناهم يبحثون بين الأنقاض عن الصفائح القصديرية لبناء ملاذات بائسة لا تليق حتى بالحيوانات، بينما تتكدس المعونات بأرصفة مينائي العريش وعند بوابة معبر رفح المصري.
لو أن ما حل بغزة من دمار كان بفعل زلزال أو طوفان، لكان وجب على المحتل، وعلى الدولة العربية الجارة فتح المعابر لإيصال الخيام ومواد الإغاثة الأولية، فكيف يستطيع المواطن العربي اليوم تفهم الحجج والمسوغات التي تسوقها الإدارة المصرية بلا حياء، لمنع دول عربية وإسلامية من إيصال المعونات، بحجة أن السلطة القائمة في غزة ليست في نظر النظام المصري سلطة شرعية، وأن فتح المعبر مرهون بعودة سلطة أبو مازن، وإعادة زمرة دحلان والمراقبين الأوروبيين والكامرات الإسرائيلية.

 .
 
مواصلة الحرب بوسائل أخرى
 
إعلان هذه الحرب الجديدة، بدأ منذ اليوم الأول من العدوان، بإغلاق المعبر أمام الأطباء ووصول الأدوية  والمواد الأغاثية، وتواصلت بدم بارد طوال العدوان، بما رأيناه من تسويف عربي لعقد قمة طارئة لوقف العدوان، وصياغة موقف عربي داعم لشعب عربي يقتل على المباشر، وكان للأمانة العامة لجامعة الدول العربية دور تآمري لإفشال انعقاد قمة الدوحة، قد كشف الوزير الأول القطري بعض تفاصيله وتكتم عن الكثير، وقد بدأ التأسيس لفصول الحرب السياسية والدبلوماسية منذ إعلان المبادرة المصرية، التي كانت تشترط لوقف إطلاق النار عودة سلطة أبو مازن إلى المعبر ثم إلى غزة، وتداعى رؤساء الدول الأوروبية إلى شرم الشيخ لدعم المبادرة المصرية فأضافوا إليها دعم ورقة التفاهم الأمريكية الصهيونية بتثبيت إجراءات أمنية وعسكرية تقيد ما أسموه بتهريب الأسلحة من الأنفاق ومن البحر، وبإرسال قوات بحرية.

 .
 
نصرة أمراء أمية لبيت عباس
 
غير أن الصورة الكاملة لهذه الحرب قد تكشفت في قمة الكويت التي حرصت على الانشغال بإنقاذ سلطة عباس، أكثر من إعارة الاهتمام لمصير مليون ونصف مليون فلسطيني كانت الحرب قد دمرت ما نجا من سنوات الحصار والإغلاق. ولم يكن السخاء المالي الذي بادرت إليه المملكة العربية السعودية سوى طعمٍ ألقي للمقاومة ولأهل غزة، للقبول بما كان مرفوضا قبل العدوان، واشتراط وصول الدعم العربي إلى غزة عبر بوابة سلطة محمود عباس المتهمة من قبل الاتحاد الأوروبي بالفساد.
تلكم هي الصورة الكاملة لحرب دولية شاملة على المقاومة، تقاسم فيها الأدوار الكيان الصهيوني مع دول الاعتدال، وفي مقدمتها مصر، في تناغم بين الإدارة الأمريكية السابقة وإدارة أوباما الجديدة، ودول الاتحاد الأوروبي.

 .
تآمر عالمي لإخماد بؤرة المقاومة الأم
 
واقع الحرب السياسية والعسكرية والدبلوماسية التي انطلقت منذ الساعات الأولى للعدوان، وبهذا التناغم الكبير في المواقف والأداء، تكشف مقدار التآمر العالمي على تصفية القضية الفلسطينية، بوصفها البؤرة الأم لكل المقاومات في العالمين العربي والإسلامي، تكون تصفيتها مدخلا لإخماد روح المقاومة التي أطاحت بالمشروع الأمريكي الغربي في العراق وأفغانستان ولبنان والصومال، ومنعته إلى حين من توسعه غربا نحو السودان ودول شمال إفريقيا.
احتفال الشعوب العربية والإسلامية بالانتصار الذي حققته المقاومة في غزة، قد يشغلنا عن رصد وقراءة حقائق على الأرض، يفترض أن تدعونا إلى القلق أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط على مصير المقاومة الفلسطينية، ومصير كل المقاومات في لبنان والعراق وأفغانستان، بل يفترض أن نقلق على مصير الشعوب والأقطار العربية من المحيط إلى الخليج، ليس خوفا من القوة العسكرية الغربية والصهيونية التي هزمت في ساحات الحرب، وفقدت قوة الردع والترويع، لكن خوفا من هذا الحجم المروع من تناغم النظام العربي الرسمي مع السياسة الغربية الصهيونية في المنطقة، وقدرة الصمود التي أظهرتها نظم دول الاعتدال في مواجهة الشارع العربي المنتفض، وفي المقابل الخوف من عجز النخب الوطنية والإسلامية الشريفة في قيادة هذه الانتفاضة والبناء عليها.

 .
 
مصالحة أهل الإمارة على بقية الحجارة
 
لم تعد نظم الاعتدال قادرة على إخفاء تآمرها الذي بلغ حد الخيانة، والإخلال بالمصالح العليا لدول وشعوب نظم الاعتدال كما هو الحال بالنسبة للنظام المصري المتآمر صراحة مع الكيان الصهيوني، على حساب المصالح والأمن القومي المصري. وبات من الواضح أن قوى التآمر داخل العائلة المالكة في السعودية باتت تعمل جهارا حتى ضد العاهل السعودي، الذي ظهر في قمة الكويت وكأنه رهينة بيد قوى من داخل العائلة حرضت وزير الخارجية السعودي على إحباط وإفراغ خطاب المصالحة العربية الذي فاجأ به العاهل السعودي الحضور، قبل أن يقبره الأمير فيصل.
محور الممانعة نفسه أصيب بانتكاسة في الكويت، وفشل في الدفاع عن مقررات قمة الدوحة التي حظيت بموافقة 12 دولة عربية من بين 22 دولة، ورضي بالتستر على هذا التآمر العربي، بالتصديق على بيان قايض فيه مقررات قمة الدوحة بتوافق عربي صوري ومصالحة فاترة بين أهل الإمارة على اقتسام ما بقي من الحجارة.
الانكفاء الذي ميّز المواقف السورية والقطرية وعواصم الدول التي شاركت في قمة الدوحة، وتراجع نشاط الحكومة التركية، وتبدل الخطاب الإيراني منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض، كلها مواقف تدعونا، في الحد الأدنى، إلى الحيطة والحذر حيال مواقف ما يسمى بدول الممانعة، التي لا ينبغي أن ننزّهها من إضمار نوايا التسوق والبيع والشراء، والمساومة في قضايا الشعوب حين يتعلق الأمر بمصالح الدول والأنظمة. وقد كان لنا مثال في مواقف إيران الإسلامية في العراق وأفغانستان، والدور السوري في إضعاف العراق تمهيدا لسقوط بغداد، ونراها اليوم تتراجع إلى مواقع آمنة في انتظار استكشاف سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة.

 .
 
شقشقة الشعوب التي تهدر ثم ترد
 
وبذات القدر من الحيطة والحذر ينبغي تقييم الهبة الشعبية العربية، التي نراها تعود إلى عادتها القديمة، وكأنها شقشقة هدرت ثم ردت، وكأن الحرب قد وضعت فعلا أوزارها، وكأن المقاومة باتت في مأمن بعد فشل الاجتياح العسكري، وكأن الحصار قد رفع، ومعاناة الشعب الفلسطيني قد توقفت بتوقف القصف الصهيوني الهمجي، وكأننا لا نرى ربع مليون فلسطيني قد باتوا بلا مأوى، وقد حرموا في هذا الشتاء البارد حتى من الخيام التي لم يحرم منها منكوب في العالم، وكأننا لا نرى استمرار الحصار الذي يمنع نقل الجرحى خارج القطاع، ويمنع دخول الأطباء والمستشفيات الميدانية التي تطوعت بها بعض الدول، وكأننا لا نرى هذا الجهد العربي والغربي لإغلاق المنافذ، وتشديد الحصار بقوة عسكرية، وباتفاقيات أمنية تضيف إلى غلق المعابر غلق الأنفاق، وكأننا لا نرى هذا الجهد السياسي والدبلوماسي العربي والغربي من أجل سلب المقاومة والصمود الشعبي وحرمانهما من ثمرات النصر الذي تحقق في ميدان المعركة بثمن باهظ في الأرواح والبني التحتية والممتلكات.
عودة الشارع العربي إلى عادته القديمة، وكأنه قد أنجز ما كان عليه، وبرأ ذمته بالتظاهر دون أن يسقط سفارة إسرائيلية واحدة، وقبل أن يلزم النظام العربي بموقف رسمي ينهي الحصار بلا قيد أو شرط، يقرأها اليوم النظام العربي الرسمي كتفويض، أو على الأقل كرخصة للمضي قدما في التآمر والخذلان. وقد يكون للشعب المصري السهم الأكبر من المسؤولية في صمود النظام المصري أمام المناشدات لفتح معبر رفح. فمن غير المعقول أن يعجز شعب من ثمانين مليون نسمة، لا يشك أحد، لا في وطنيته وغيرته على السيادة المصرية التي يعبث بها النظام المصري، ولا في مشاعره القومية والإسلامية، من غير المعقول أن يفشل في فك الحصار المفروض عليه، ليفك الحصار عن أشقائه في غزة، ويبرئ ذمة المصريين من العار الذي سوف يلاحق النظام المصري ومعه الشعب المصري لعدة قرون. حالة العجز التي ظهر عليها الشعب المصري في تغيير موقف النظام طيلة أسابيع الحرب وما بعدها، تكشف لنا ضعف النخب السياسية القومية والإسلامية، وفي طليعتها تنظيم الإخوان المسلمين الذي فوت على نفسه وعلى الشعب المصري فرصة إحداث التغيير والتخلص من النظام المؤتمن حصريا على معاهدة كامب دافيد، ولا نرى متى تتوفر فرصة مماثلة لتحرير مصر وشعبها وإعادتهما إلى الدور الريادي العربي.

 .
 
استبدال جيل المقاومين بجيل المقاولين
 
مرة أخرى، قد تخسر الشعوب العربية على بساط المساومات والمفاوضات العبثية ما كسبته مقاومتها في ساحة المعركة، وقد تساق الفصائل المقاومة الفلسطينية وسط هذا الخذلان العربي والتآمر الدولي إلى مسار الاحتواء والتدجين، والقبول بتسويات تغلق باب المقاومة، وتبعدها عن خيار التحرير بالمقاومة المسلحة، وقتها، ووقتها فقط يكون من حق الشعوب أن تسألها عن هذا الكم من التضحيات إن هي قبلت بالشروط الصهيونية التي تبناها مجددا الرئيس الأمريكي الجديد بدءاً بالاعتراف بإسرائيل، والتخلي عن سلاح المقاومة، والشراكة في مسار تصفية القضية الفلسطينية عبر مفاوضات تدوم أربعة عقود إلى أن ينقرض جيل المقاومين، وينشأ جيل المقاولين برعاية الدولارات النفطية وسخاء المنح الأوروبية.      

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بسام احمد

    اﻻشكالية المة التب نعاني نها تاريخيا كدول عربية بشكل عام والفلسطييين بشكل خاص ان المقاومة في الميدان تصمد وتحقق انجازات كبيرة اﻻ ان القرار السياسي يرتهن للخارج وخصوصا للملا ئات اﻻمريكية والرغبات الصهيونية.
    فاﻻمر ليس جديدا حيث اصبحت الخيانة والتامر على المقاومة بشكل علني ومواقف معلنة.