الرأي

التحرير قبل البدء في التغيير

حبيب راشدين
  • 1245
  • 8
ح.م

ساعات قليلة قبل أن تفتح مكاتب الاقتراع غدا للناخبين، يحقّ لنا أن نستشرف وبكل أريحية توافد أعداد كبيرة من المواطنين ومن المواطنات فيما يشبه الاستفتاء على الخيار الدستوري للحل، أكثر منه لاختيار رئيسٍ البلد بحاجة إليه، وقبل هذا وذاك منح البلد فرصة استكمال التحرير من بقايا الاستعمار القديم ووكلائه، ومن املاءات قوى الاستدمار الجديد، ليكون موعد الغد فرصة لقطع خط العودة أمام العصابة المختطِفة للسلطة والثروة قبل أن تطالها يد العدالة بما صدر أمس من أحكام.

يقينا، وحتى وإن لم نكن نعلم من سيشارك ومن سيتخلف أو يقاطع، لأسبابٍ وقناعات تبقى محترمة، فإننا نعلم علم اليقين الأطراف التي ليس من مصلحتها أن ينجح هذا الاستحقاق، وتراهن على مشاركة ضعيفة أو محتشمة، تضمن لها في الحد الأدنى فرصة القدح في شرعية الرئيس القادم، كما نعرف مَن مِن أبناء هذا البلد، ومَن مِن أصدقائه يحرص كل الحرص على نجاح هذا الاستحقاق بصرف النظر عن من سيختاره الشعب صاحب السلطة التأسيسية.

الفريق الأول كان معلوما للجزائريين منذ الأسابيع الأولى للحَراك، وقد رفع مبكرا شعاراتٍ معادية للخيار الدستوري، وقاوم بضراوة لمغامرة الانتقال بالبلد عبر مرحلة انتقالية بلا ضوابط، وبشخصيات تُسند إليها قيادة البلد باسم الشارع من داخل صالونات المحاصصة، وقد وجَّه بوصلة الحَراك نحو المطالبة بترحيل السلطات الانتقالية في رئاسة الدولة والحكومة، قبل أن يوجِّه نيرانه إلى قيادة الجيش التي يُحسب لها حرصها على الدم والعرض والأمن.

وكيفما كان اختلافُنا مع هذا الفريق، فلا يحقُّ لنا اليوم أو غدا أن نتهمه في وطنيته أو نخوِّنه، ما دام قد التزم بالتعبير السلمي عن رأيه كرأيٍ صائب في نظره يحتمل الخطأ عند غيره، ولا يعتدي بالقوة الغاشمة على رأي الآخر الذي يحتمل الخطأ والصواب، ليكون الفيصل الوحيد المتاح، هو الاحتكام إلى صاحب السلطة التأسيسية، عبر الوسيلة الوحيدة المتاحة في أي نظام ديمقراطي، بتحكيم رأي الناخب.

ما يُؤسف له حقا أن ينتقل هذا الفريق في بحر أسابيع قليلة، من رفع شعارات رنَّانة تدعو كذبا إلى قيام “الدولة المدنية” وتفعيل المادّتين السابعة والثامنة من دستورٍ لا يؤمنون به، إلى الدعوة الصريحة إلى إفشال الاستحقاق بالمغالبة البهيمية الصرفة، التي رأينا بعض نماذجها الساقطة تستأسد على الشيوخ والنساء أمام مكاتب الاقتراع في المهجر، وتتأهَّب لحرمان سكان منطقةٍ كاملة من البلاد من حق ممارسة سلطتهم التأسيسية بالقوة.

لسنا اليوم بحاجةٍ إلى تكييف التهم بالخيانة لهذا الفريق، بعد أن تقاطعت دعواتُه إلى منع الاستحقاق بالقوة، مع الرغبة المعلنة المكشوفة لدولة المحتلّ القديم في إفشال الاستحقاق، كمقدِّمة لقيام الفراغ الدستوري، وما يتبعه من فوضى وتخبُّط يسبقان في العادة مناورات التدويل والتدخل الخارجي تحت رايات الدفاع الكاذب عن حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، والإثنيات، والمعتقدات، رأينا كيف سُخِّرت بنجاح لتفكيك الدول والمجتمعات في ليبيا، وسورية، والعراق، واليمن، والصومال، ولبنان.

الجواب المقنع الحاسم لهذا الفريق، بشقه الداخلي والخارجي، جاء مبكرا على لسان أهلنا في البوادي النائية وفي المهجر، ليس فقط بالإقبال على المشاركة رغم ما تعرَّض له الناخبون من اعتداءات توصف حكما بالبلطجة وبالاستئساد الرخيص، بل بإجماعهم على أنهم جاءوا لينتخبوا على الجزائر وللجزائر، وللتعبير عن رفض التدخُّل الأجنبي، وصونا لأمن البلاد ومنحها فرصة الخروج الآمن من الأزمة التي صنعتها العصابة المختطِفة للسلطة والثروة.

الجواب الحاسم لمن أراد السطو على إرادة المواطن وسلطته التأسيسية عبر الشارع، واختطاف أحلام وتطلعات من خرج من شرفاء البلد، نساء ورجالا، في مسيرات سلمية تريد التغيير، سوف يكون غدا بمشاركة واسعة للكتلة الصامتة التي لا تؤمن بالشارع وبالتظاهرات كأداة سليمة للتغيير، وتدرك أن فرص التغيير السليمة تحتاج بالضرورة إلى الوقت، وإلى نضالات سلمية متواصلة، تراكم للبلد فرص ووسائل استكمال تحريره من بقايا الاستعمار القديم، ومن منظومة الاستدمار الجديد ووكلائها، قبل التوافق على برامج ومشاريع التغيير.

مقالات ذات صلة