-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
فيما‭ ‬تغيب‭ ‬الفطنة‭ ‬في‭ ‬وليمة‭ ‬ويكيليكس‭ ‬الدسمة

التحضير‭ ‬لحقبة‭ ‬المتاجرة‭ ‬بالإرهاب‭ ‬الناعم

حبيب راشدين
  • 7869
  • 18
التحضير‭ ‬لحقبة‭ ‬المتاجرة‭ ‬بالإرهاب‭ ‬الناعم

مع التقدير الواجب للكوة التي فتحها موقع ويكيليكس في جدار الحماية لأسرار زمرة الحكام، وفضح سلوك النفاق، والوشاية، والتحرش والتحريض السائد في أوساط الصفوة الحاكمة، فإن واجب التحصين الذاتي من برمجيات العبث بالعقل التي تتداول علينا، يملي على العقول الفطنة الوقوف على مسافة آمنة من ظاهرة الفضح المبرمج والمحسوب لأسرار الدول والحكومات، حتى لا نصدم غدا حين تتضح الصورة، ونكتشف أن ويكيليكس قد يكون بداية لمرحلة ترويع وابتزاز للحكومات الفاشلة، تدفعها إلى الهرولة المزرية نحو الأنفاق على منظومات تكنولوجية، برمجيات تحمي بها‭ ‬أسرارها‭. ‬

  • أو‭ ‬ليست‭ ‬الحروب‭ ‬اليوم‭ ‬سوى‭ ‬فرص‭ ‬لخلق‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة‭ ‬لرأسمالية‭ ‬ضاقت‭ ‬عليها‭ ‬أسواق‭ ‬الاستهلاك‭ ‬التقليدية؟
  • قبل أن يتمكن جوليان أسانج، صاحب موقع ويكيليكس من اللجوء إلى سويسرا ألقت الشرطة البريطانية القبض عليه يوم الثلاثاء وأحيل على التحقيق القضائي في التهمة التي وجهتها له السويد بارتكاب جريمة اغتصاب، فيما أن التهمة الحقيقية التي سوف يلاحق بها السيد أسانج، وكل من‭ ‬له‭ ‬صلة‭ ‬بموقع‭ ‬ويكيليكس‭ ‬هي‭ ‬جريمة‭ ‬اغتصاب‭ ‬منظومة‭ ‬التعتيم‭ ‬والكتمان‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬نادي‭ ‬النخب‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬العالم‮.‬
  • ‭ ‬
  • جريمة‭ ‬اغتصاب‭ ‬عورة‭ ‬الضعفاء‭ ‬من‭ ‬العلية
  • وقبل أن يلقى القبض على صاحب الموقع، كان وزير الخارجية الإيطالي قد وصف تسريبات الموقع على أنها 11سبتمبر دبلوماسي سوف تكون له تداعيات أخطر من تفجيرات نيويورك وواشنطن. وكانت جهة كندية مسؤولة قد دعت بدم بارد إلى إعدام السيد أسانج وربما حتى من دون محاكمة.
  • ومرة أخرى تتعرى المنظومة الغربية المتبجحة دوما بما ترفعه من شعارات براقة بشأن حرية الإعلام والرأي وحقوق الإنسان، فما هي جريمة السيد أسانج والمسؤولين عن الموقع حتى يتحوّل إلى أول مطلوب في العالم والعدو رقم واحد للأنظمة والحكومات؟
  • الحقيقة التي يراد التستر عنها هي أن الموقع لم ينتج هذه الوثائق، ولم يقم بعملية قرصنة لمواقع حكومية ولبنوك المعلومات فيها، ولم يسع حتى للحصول على المعلومات، فكان ذنبه الوحيد أنه منح صندوق بريد مفتوح لكل من يريد أن يوصل معلومة إلى الرأي العام، كما تفعل معظم المواقع‭ ‬الإخبارية‭ ‬والصحف‭ ‬والقنوات‭ ‬التلفزيونية‭.‬
  • ثم إن الوثائق التي تم نشرها، هي وثائق صحيحة لم يكذبها أو يطعن فيها المصدر الذي أنتجها، وهو وزارة الخارجية الأمريكية، فضلا عن كونها كانت متداولة بين أكثر من 2 مليون موظف أمريكي، كل واحد منهم كان باستطاعته أن ينسخ على أقراص مدموجة ما يشاء من الوثائق ويسربها بأمان‭ ‬لأي‭ ‬موقع‭. ‬
  •  
  • ‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬التسريب‭ ‬حول‭ ‬المنتفع‭ ‬من‭ ‬التسريب
  • ثم إن عمليات تسريب المعلومات ليست جديدة، ولم تكن من فعل الأفراد بل كانت تلجأ إليها الحكومات والأنظمة بدافع التأثير على الرأي العام وحمله على تقبل تغييرات في السياسة، فلماذا كل هذا الهلع والرعب الذي أصاب النادي المغلق والمتضامن للنخب الحاكمة في العالم؟
  • منطقيا ينبغي لنا أن نسلم معهم، أن هذا النوع من التسريبات يشكل بالفعل تهديدا أخطر بكثير من تهديدات أي تنظيم إرهابي، ونسلم مع وزير الخارجية الإيطالي أن التسريبات شكلت صورة لـ11 سبتمبر دبلوماسي، بل هي أخطر والسكوت عنها من شأنه أن يمهد الطريق لتسريبات أخطر تؤكد ما استنتج بالتحليل العقلي الصرف، من أن جريمة 11 سبتمبر كانت كما قال رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق انقلابا داخليا أمكن من لي ذراع المؤسسات والرأي العام الأمريكي لتقبل الحروب الإمبراطورية في العراق وأفغانستان.
  • في الوقت الراهن، لم تبلغ تسريبات الموقع بعد الغرفة الخلفية لخزانة المعلومات المتكتم عنها، والتي قد يقود نشرها إلى تعطيل مؤسسة الكذب والتكاذب والتي يسمونها الدبلوماسية، باستثناء بعض الحرج الذي لحق ببعض المسؤولين العرب ممن اتخذ سفراء الولايات المتحدة أخلاء يمكن الفضفضة إليهم بأكثر المواقع سرية. وربما قد تردعهم مستقبلا هذه التسريبات عن مجالسة السفراء الأمريكيين والغربيين، إلا إذا كانوا قد عقدوا النية على استعمالهم كوسائط للنشر والتبليغ، وفي المحصلة النهائية فإن التسريبات لم تأت بجديد عند من كان يستعمل العقل والمنطق‭ ‬في‭ ‬متابعة‭ ‬مفردات‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‮.‬
  •  
  • تلهية‭ ‬الدهماء‭ ‬من‭ ‬‮”‬الغويم‮”‬‭ ‬بفضائح‭ ‬‮”‬قوم‮”‬‭ ‬تبع‭ ‬
  • الجهة الوحيدة التي ربما تكون قد تفاجأت بهذا الكم من الكذب والنفاق والغدر والتحرش والوشاية بيد أفراد هذه العصابة الدولية التي تحكم شعوب العالم، هم أولائك الذين جعلوا من الحكومات، ومؤسسات الدول ومؤسسات ما سمي بالشرعية الدولية إيقونات مقدسة، لا يأتيها الباطل من بين أيديها أو من خلفها، وعجولا صنعتها عقولهم قبل أن يخروا لها ساجدين، ونسوا أن أفراد هذه الصفوة هم بشر، بل هم أكثر البشر عرضة للفساد بكل مفرداته، وأكثر الناس تساهلا مع الكذب والنفاق والوشاية، لأنهم موجودون في صميم الصراع على السلطة والنفوذ والمال، أي الصراع‭ ‬على‭ ‬‮”‬القوة‮”‬،‭ ‬فكيف‭ ‬نتوقع‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬بأخلاق‭ ‬الملائكة،‭ ‬ولا‭ ‬نعتبر‭ ‬بتاريخ‭ ‬السياسة‭ ‬والعلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وبما‭ ‬يكشف‭ ‬بعد‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬سقطات‭ ‬رجال‭ ‬الملك،‭ ‬جميع‭ ‬رجال‭ ‬الملك،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬ربك‮.‬
  • في هذا السياق، تكون الخدمة التي قدمها موقع ويكيليكس في ظاهرها خدمة جليلة، لأنها أنجزت التسريب الواسع لهذه الفضائح ساعة وقوعها، مع وجود شخوص الفضيحة في مواقعهم القيادية، حتى أني لا أعلم بأي وجه سوف يقابل المسؤول الأول عن الأمن في مصر، والمكلف بإدارة الحوار بين حماس وفتح، بأي وجه سوف يقابل به قيادات حماس بعد المواقف العدائية لحماس التي جاءت في التسريبات الأخيرة؟ ولا كيف سيواجه الرئيس اليمني شعبه وهو الذي نصح الأمريكان باستعمال الطائرات بدل الصواريخ لأنها أكثر دقة في قتل اليمنيين المناهضين للتواجد الأمريكي ثم ينسب‭ ‬الفعل‭ ‬للجيش‭ ‬اليمني؟‭ ‬أو‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لقيادة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تقنع‭ ‬جارتها‭ ‬إيران‭ ‬بخطاب‭ ‬حسن‭ ‬الجوار‭ ‬بعد‭ ‬التحريض‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أحد‭ ‬قادتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضرب‭ ‬إيران؟‮.‬
  •  
  • ألف‭ ‬ألف‭ ‬موقع‭ ‬لتفكيك‭ ‬الوهم‭ ‬المركب
  • ومع كل هذا الإحراج، فإني مازلت أعتقد أن الشعوب بحاجة إلى أكثر من عقد من الزمن من النشر والتسريب المنهجي لأف ألف موقع ويكيليكس، حتى تبدأ في التحرر من قيود الوهم المركب تجاه حكامها ونخبها، وترسخ لديها قناعة لا يشوبها تردد، من أن موطن الجريمة المنظمة الأول والأكبر، وساحة الفساد الكبرى، هي في دوائر الحكم والسلطة، كيفما كانت الطريقة التي تصل بها هذه العصابات إلى الحكم، وأنه بالنظر إلى الجرائم التي ترتكبها الصفوة، والعبث بالقوانين والمحرمات الدستورية، فإنه أول واجب يقع على الشعوب هو الإسراع بهدم السجون، وتسريح الملايين من المجرمين والمذنبين والمخالفين من العامة، من باب العدل والإنصاف، إلى حين بناء منظومة أمنية، وقضائية تشتغل على الجرائم الخاصة بنفس الحزم والصرامة في إنفاذ القانون الذي يخضع له المخالفون من العامة.
  •  فلو أنك أحصيت جميع جرائم القتل والاغتصاب والسرقة التي ارتكبت في العقدين الماضيين من قبل العامة في ربوع المعمورة، وأحصيت معها مجموع المخالفات التي قادت أصحابها إلى السجون وعددهم اليوم بالملايين، لما وازنوا كفة ما ارتكبه رجل واحد من الخاصة مثل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في ثماني سنوات من الحكم، ومع ذلك فهو رجل طليق، يتمتع حتى مماته بفرقة حماية على نفقات دافع الضرائب الأمريكية، ولا يمكن لأي محكمة أمريكية أو دولية أن تلاحقه، كما يلاحق أوكامبو الرئيس السوداني.
  • الخدمة الكبيرة الثانية التي قدمها موقع ويكيليكس، إضافة إلى ما كشفه من عورات الديمقراطية الغربية، هي الفضح الكامل للمنظومة الإعلامية السائدة التي لم تكن فحسب شريكا في سياسة التعتيم والتكتم على جرائم نادي الحكام والنافذين، كما حدث مؤخرا مع صحيفة الواشنطن بوست، بل نراها اليوم تجتهد لمحاصرة الظاهرة التي أوجدها موقع ويكيليكس، وسوف يكون أصحابها سعداء إذا ما اقتنعت الحكومات بالحاجة إلى غلق الموقع كيفما كان الثمن، وإصدار تشريعات تصنف مثل هذه الأنشطة في خانة الإرهاب.
  •  
  • حملة‭ ‬التكفير‭ ‬والتهجير‭ ‬لناقل‭ ‬الكفر‭ ‬
  • من‭ ‬جملة‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬المسجلة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬استوقفتني‭ ‬ثلاثة‭ ‬مواقف‭:‬
  • موقف الجهات الرسمية العربية التي كانت محل تعرية في وثائق السفراء الأمريكيين، وقد انقسموا إلى فريقين أحدهما يحاول تكذيب ما لا يحتمل التكذيب، من وثائق لم يطعن في صحتها أصحابها، والفريق الثاني دس على هون رأسه في التراب، لكن لا أحد من المسؤولين العرب توجه باللوم‭ ‬للدبلوماسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬عبثت‭ ‬بهم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬المخزي،‭ ‬فسارع‭ ‬أحدهم‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬الاعتماد‭ ‬من‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬المعتمد‭ ‬لديه‮.‬
  • الموقف الثاني هو لطائفة من الإعلاميين العرب الذين انقسموا بدورهم  إلى فرق ثلاث: فريق مشكك في صحة الوثائق، وآخر لا يصدق أن دولة عظمى بقوة الولايات المتحدة يمكن أن تكون ضحية لقرصنة واسعة على هذا النحو، وثالث يرى في التسريبات محض مؤامرة تريد الوقيعة بين الحكام‭ ‬العرب‭ ‬وبين‭ ‬مواطنيهم‭ ‬أو‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭. ‬والثلاثة‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمرهم‭ ‬لأن‭ ‬التسريبات‭ ‬جاءت‭ ‬بتصديق‭ ‬لا‭ ‬يرد‭  ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬الأقلام‭ ‬العربية‭ ‬المتحررة‭ ‬تستنبطه‭ ‬بالتحليل‭ ‬الصرف‭.‬
  •  
  • التخمة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تذهب‭ ‬الفطنة
  • مواقف هذه الزمر التائهة من الحكام العرب وشخوص إعلامهم الساقط عمليا تحت سلطة إمبراطورية اليهودي الصهيوني ميردوخ، أقول أن مواقفهم ليست مفاجئة، بل هي متوقعة حتى قبل أن تعلن، لكن تستوقفني بعض المواقف التي صدرت عن مفكرين وكتاب عرب من ذوي الفطنة، الحذرين على الدوام حيال الظواهر الجديدة، خاصة حين يكون مصدرها قلب المنظومة العالمية، الذي يفاجئنا في كل مرة بإدارة معقدة ومركبة لقضايا الرأي العام، وما يزال بعضنا يذكر عمليات العبث بالرأي العام في تيميشوارا، وأسلحة الدمار الشامل، وأنفلونزا الطيور والخنازير، وملفات لا تحصى،‭ ‬خدع‭ ‬فيها‭ ‬العقل‭ ‬عند‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬فطنة‮.‬
  • فمع أني كنت من أول المرحبين بهذه الكوة التي فتحت مع موقع ويكيليكس في جدار التعتيم والتكتم على جرائم نادي العلية العابر للقارات، المتضامن في مطلق الأحوال بين شخوصه على حساب مصالح وحقوق الشعوب، أجدني مدفوعا للوقوف على مسافة من هذه الظاهرة التي تحمل قدرا كبيرا من التهديدات للنظام العالمي، وتحديدا لمصالح الصفوة، إن هي تركت حتى تتحوّل إلى جائحة. ولست متأكدا أن العقب الحديدي الذي أحكم سيطرته على كل شيء في حياتنا ومن حولنا، سوف يسمح بنشوء قاعدة جديدة، هي بالتأكيد أخطر عليه من قاعدة أسامة بن لادن.
  •  
  • الخوف‭ ‬من‭ ‬كيد‭ ‬التخويف‭ ‬بإرهاب‭ ‬ناعم‭
  • أخشى ما أخشاه أن نكون أمام عملية كيدية معقدة ومركبة تريد صناعة عدو جديد يحل مستقبلا محل القاعدة، ويسمح للعقب الحديدي بسياسات قمعية ورادعة للحريات من جهة، ويمنحه أدوات للضغط والابتزاز على حكومات الغويم الضعيفة الفاشلة.
  • لنتذكر كيف أن الجانب الأكبر من النشاط التدميري لبعض أذرع القاعدة وما يسمى بالإرهاب إنما استهدف بالأساس الدول العربية والإسلامية، بعد جولة محدودة في الزمن بالولايات المتحدة والغرب، ما تزال محاطة بالضبابية والغموض، ولم نسجل أي خرق يذكر لأمن الدول الغربية، إما‭ ‬لأنها‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬أمنها‭ ‬الداخلي‭ ‬بوسائل‭ ‬تفتقر‭ ‬إليها‭ ‬دولنا،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سوى‭ ‬نقطة‭ ‬بداية‭ ‬للعبة‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬إشغالنا‭ ‬لعقود،‭ ‬بحرب‭ ‬مفتوحة‭ ‬مع‭ ‬ذواتنا‭ ‬ومع‭ ‬الجانحين‭ ‬من‭ ‬أبنائنا‭.‬
  • فما المانع، بعد أن بدأت الحرب على ما يسمى بالإرهاب تستنزف مفاعيلها، وتتعطل برامج تسويقها، على الأقل داخل المجتمعات الغربية، ما المانع أن تعزز بتخليق عدو جديد: نوع من “الإرهاب الناعم” الذي يسهل التحّكم فيه، ويسخر على أكثر من جبهة
  • داخليا، على مستوى قلب النظام العالمي، سوف يبنى على خلفية التهويل القائم بشأن تسريبات ويكيليكس سياسات أمنية تضاعف القيود على الحريات والحق في الإعلام، وتفتح باب إنفاق جديد للمقاولات الأمنية التي ازدادت حصتها من المغانم بفضل متطلبات الحرب على الإرهاب، وسوف تزداد‭ ‬حين‭ ‬تعمم‭ ‬ظاهرة‭ ‬ويكيليكس‭ ‬وتسلط‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬والمؤسسات‭. ‬بوسعكم‭ ‬أن‭ ‬تتصوروا‭ ‬كم‭ ‬ستنفق‭ ‬دولنا‭ ‬البائسة‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬الحماية‭ ‬الرقمية‭ ‬وشبكاتها‭ ‬الداخلية‭ ‬من‭ ‬القرصنة‭ ‬والتسريب‮.‬
  •  
  • حاجة‭ ‬الأوليغارك‭ ‬لتحفيز‭ ‬الأسواق‭ ‬الأمنية
  • منذ أسابيع أزيح الستار عن عمليات الاختراق الإسرائيلية لشبكة الاتصالات اللبنانية، واتضح أن الاختراق بدأ على مستوى مصنع التكنولوجية وبرمجيات الحماية، وأنه مهما أنفقت الدول المستوردة لهذه التكنولوجيات، فإنها سوف تبقى مهددة بالاختراق، لأن كل ما نستورده اليوم من‭ ‬تكنولوجيات‭ ‬قد‭ ‬حمل‭ ‬بأحصنة‭ ‬طروادة،‭ ‬وألغام‭ ‬صامتة‭ ‬تفجر‭ ‬بعد‭ ‬حين‭. ‬
  • أريد أن أختم بهذا السيناريو الممكن والمحتمل، كنت قد ألمحت إلى جانب منه في مقال سابق يستشرف ما بعد بعد ويكيليكس، حين تتحوّل الظاهرة إلى ما يشبه الجائحة بآلاف المواقع المستنسخة لتجربة ويكيليكس، تضع الحكومات والمؤسسات تحت طائلة تهديد التسريب المنظم لوثائقها وما‭ ‬تحتفظ‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬معلومات،‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬أصبحت‭ ‬فيه‭ ‬المعلومة‭ ‬سلعة‭ ‬لها‭ ‬قيمة‭ ‬الذهب‭ ‬والنفط‭ ‬والمعادن‭ ‬النفيسة‮.‬
  •  لا شك عندي أننا سوف نشهد ميلاد سوق عالمية ضخمة لإنتاج وتسويق التكنولوجيات وبرمجيات حماية المعلومة، وسوف يكون المحفز عليها، حملة عالمية متواصلة، تخوف ملاك المعلومة من دول ومؤسسات مما سوف يُعمد لاحقا كإرهاب رقمي يجب أن يحارب بالترسانات القانونية القمعية، وبالإنفاق‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬الحماية،‭ ‬وبعدها‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬حماية‭ ‬أنظمة‭ ‬الحماية،‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬رأسمالية‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‮.‬
  •  
  • الحروب‭ ‬كوسيلة‭ ‬لمواصلة‭ ‬التجارة‭ ‬بطرق‭ ‬أخرى
  • أريد أن أذكر أن الذي يصنع السياسات والحرب والسلم ويسير للعلاقات الدولية في النظام العالمي الحديث ليس الساسة بل حفنة من كبار الأوليغارك المتحكمين في المركب الصناعي العسكري وقد اتسع إلى المال والإعلام والفضاء الرقمي، وتنظم في هذه الساحات حروبا مكلفة لدافعي الضرائب. تذكروا فقط أن الأزمة المالية العالمية كانت بفعل فاعل وقد خرج منها الأوليغارك وأرباب كبريات المؤسسات المصرفية سالمة غانمة، أكثر ثراء، وخرجت الشعوب منها أكثر فقرا، وتذكروا عوائدهم من جبهات التخويف التي فتحوها على الشعوب بالأوبئة والجائحات الافتراضية، وأعتقد أنهم سوف يكسبون الكثير من الترويج لميلاد أنواع من الإرهاب الناعم المحفز لرواج سلع الحماية والأمن الرقمي وبرمجياته، مع فائض قيمة لم يتوّفر في حملات التخويف والتهويل السابقة، حين تنشأ في أذهان الناس أوهام بقرب الفرج، ودنو ساعة التغيير على أيدي أمراء قاعدة‭ ‬الجهاد‭ ‬الرقمي‭  ‬وألوية‭ ‬القرصنة‭ ‬والتسريب‭ ‬المعلوماتي‭. ‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
18
  • ferhat

    salam, merci pour tes ecriturs et je te souhaite une bonne continuitée de davoir et de service pour notre nation

  • خيرة

    شكرا لك يا الحبيب على هذه النافذة التي أعادتني إلى أيام الصح آفة وإلى عمود بلا قيود الذي مازال -رغم مرور السنين - يحلل الواقع الحالي . هناك رأي يقول أن ويكيليكس ليست سوى مِؤسسة تلعب ورقة حرية الأعلام في عالم يريد إعادة بريق خطاباته الآفلة عن الحرية والديمقراطية التي طالما أبهرتنا نحن المكبلون في بلداننا. نحن المبهورون عند تعرية الصحافة الغربية لمخادع حكامها ولكن يغيب عنا تغييبها لما يحاك ضد شعوبها و الشعوب الأخرى المغمورة والمبعدة عن دوائر الضوء لا فض فوك ولا انكسر قلمك يا الحبيب

  • موح الطايوان

    اجل ممكن جدا انه ربما سوق جديد قد تم فتحه مشابه لسوق انفلونزا الطيور والخنازير من اجل انعاش سوق راكد لسلب مايمكن سلبه ونهبه من دول اصبح همها كشعبها كرة منفوخه لكنها فارغة وخاصة وعينهم على مداخيل تم جنيها من البترول وهدا ما يؤكد سبب تركيز الموقع على هده الدول بصفة عامة والعرب خاصة.وبما ان هؤولاء متمكنون في هدا المجال والسوق الجديد وهم قد تجاوزننا ب3 اجيال في هدا الميدان على الاقل ادا السلام على من اتبع الهدى .وان صح هدا التحليل ادا فوكيليكس هدا من انتاج صهيوني واخراج امريكي وشكرا لك

  • byssan

    تحليل عميق شكرا لك استاد.
    من فضلك اريد طرح سؤال:هل يمكنك مساعدتي في توفير المعلومات حول هدا الموضوع من اجل مدكرة تخرج في العلاقات الدولية.
    انا اريد اختيار هدا الموضوع كمدكرة ليسانس.
    برايك هل هو موضوع جيد ارجوا الرد بسرعة ان امكنك دلك على البريد الالكتروني.

  • خيرالدين

    شكرا لك ايها الاستاذ الكبير حبيب راشدين على هذا التحليل الممتاز. وانا من القراء الاوفياء لما تكتبه في جريدة كل الجزائريين الشروق وحتى من ايام الصح افة....

  • Hassan

    ليس الغريب أن نأخذكل ما كتبه ويكلكس
    الصلااع بين إدارة أباما وأعدائه هذه ستفصل ملف بين هؤلاء
    الصرعات هو ليس كشف الأسرار وإنما وظع الأسدقاء في حرج
    حتى يتكونو من تهويد القدس وما هو قادم أكثر تعقيدا.
    وسترون الأسابع القادمة.

  • الطيب قسنطينة

    موقع ظاهره الرحمة وباطنه العداب

  • جنات الوادى

    كل الشكروالاحترام لسيدالفاضل راشدين على هذاالعمق فى التحليل و على وجهت النظر الاخرى كما اقول موقع ويكيليكس فضح وصدم اكثر ما صدم الحكام انفسهم الذين لم يشكوا يوما فى ان خياناتهم ومناجاتهم الخفية للاههم امريكا ستفضح يوما ما!!!!!

  • رابح

    ان كلامك يوزن بماء الذهب جزاك الله خيرا بما تقدمه من تنوير لعقول الأمة و خاصة شبابها
    بارك الله فيك يا أستاذ و أكثر من أمثالك
    اليوم اكتفيت بملاحظة عامة حول مقالاتك عموما دون تخصيص حول مقال اليوم
    أتمنى التواصل معك لاحقا

  • حسين ابن محمد

    فعلا علينا الاستفادة مما نشر في ويكيليكس و الإنتباه والحيطة للسؤال التالي : لما نشر ما نشر في ويكيليكس ؟؟؟ شكرا شكرا سيدي حبيب راشدين

  • حسين ابن محمد

    فعلا علينا الاستفادة مما نشر في ويكيليكس و الإنتباه والحيطة للسؤال التالي : لما نشر ما نشر في ويكيليكس ؟؟؟ شكرا شكرا سيدي حبيب راشدين

  • أيمن

    السيد الفاضل : حبيب راشدين شكرا على إخلاصك للقلم والعلم وأمانة الإعلام أضيف كلمة قصيرة أن ما يسمى السلطة الرابعة إنتهى أمرها ولا صحافة بعدها ,المواطن لم يعد في حاجة لا لحكومة ولا لسلطة ولا جيش فكل شيئ تحت ضوء ما يلتقط فورا عبر الفضاء ومن لا مكان له فيه لا خير في بقائه على وجه هذا الكوكب الذي لم نعد نجد لنا مكان فيه ناهيك عن الفضاء أو الكواكب الأخرى التي يسعون للإستقرار بها ,ولا أقول قطب شمالي أو جنوبي طالما ان قطعة الأرض التي يعيش عليها أو يتواجد عليها عربنا ليس لنا عليها أية سلطة بل مجرد تواجد إلى وقت؟؟؟؟؟

  • مبروك/الجزائر الشهيدة

    شكرا حارا وصادقا للاستاذ راشدين على تحليله العميق "لفضيحة" ويكيليكس التي عرت بعض الوجوه القبيحة شكلا والمهزومة مضمونا.اشاطرك الراي فيما قلته واضيف اليه جانب من الجوانب الاساسية الا وهو "فضح انتهاكات حقوق الانسان" من قبل الحكام كما حدث في غوانتناموا ,و ابو غريب وقتل الآلاف من المدنيين الابرياء في افغانستان والعراق والباكستان ,والتامر على الشعلوب كما يحدث في اليمن وكما حدث في غزة (2008) ولبنان(2006) .

  • حلفاوي

    الخدمة التي قدمها موقع ويكيليكس في ظاهرها خدمة جليلة، لأنها أنجزت التسريب الواسع لهذه الفضائح ساعة وقوعها،

  • Aghiles(El-Kseur)

    Merci pour l'analyse,jai apprécié c'est autre point de vue !

  • محمد

    السلام عليكم
    بارك الله فيك، تحليلك جاد وعميق فعلا,,,

  • عمر

    مستوى رفيع في التفكير وعمق التحليل .. بارك الله فيك أخانا حبيب راشدين ودمت قلما شامخا في سماء الجزائر....

  • بن قراشة

    عندما تستطيع الأنضمة اغراء ادمغتها على الابداع حماية للوطن سنكون في مأمن.