-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ناتج بـ400 مليار دولار وخفض التضخّم إلى أقل من 4 بالمائة ومراجعة الأجور

التحضير لإطلاق الجيل الثاني من الإصلاحات الاقتصادية

إيمان كيموش
  • 4205
  • 0
التحضير لإطلاق الجيل الثاني من الإصلاحات الاقتصادية
أرشيف

يتفق خبراء اقتصاديون على أن القرارات الجديدة المعلن عنها من قبل رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خلال حواره الأخير مع وسائل الإعلام، تأتي في إطار الجيل الثاني من الإصلاحات الاقتصادية المتوقعة.
وتتنوع تلك القرارات بين خطة رفع معدلات النمو، ومضاعفة الناتج المحلي الإجمالي إلى 400 مليار دولار، وتقليل معدّل التضخّم إلى أقل من 4 بالمائة، إلى جانب استئناف زيادات أجور الجزائريين بحلول سنة 2026 لتصل تدريجيا مائة بالمائة.
وتستكمل هذه الإصلاحات، تلك المتخذة خلال الخمس سنوات الماضية، والتي مسّت بالدرجة الأولى تغيير الترسانة القانونية المنظمة للاقتصاد الوطني بدءا بقانون الاستثمار ونصوصه التطبيقية واستحداث الوكالة الجزائرية للاستثمار ومراجعة القانون النقدي المصرفي، وصولا إلى تشريعات أخرى تتعلّق بالمقاول الذاتي، ومشاريع قوانين لا تزال على الطاولة.
ويؤكّد هؤلاء الخبراء أن الخطوات الاقتصادية والإصلاحية تتوالى في الجزائر، بموجب خطط طموحة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وتتركز هذه الخطط على تطوير الصناعة وتحفيز الاستثمار، وتحسين جودة الحياة للمواطنين.

إحياء الصناعة.. مفتاح رئيسي لزيادة الناتج المحلّي الخام
وبهذا الصدد، يقول الخبير المالي، محفوظ كاوبي، في إفادة لـ”الشروق” إن رفع الناتج المحلي الإجمالي للجزائر إلى 400 مليار دولار يجب أن يكون مسبوقا بإطلاق الجيل الثاني من الإصلاحات الاقتصادية، مع التركيز هذه المرة على النهوض بقطاعات الصناعة والفلاحة والسياحة والخدمات والمؤسسات الناشئة.
ويشدّد المتحدّث على أن الخطوات الأولى التي اتخذتها الحكومة لإصلاح المنظومة الاقتصادية بمراجعة القوانين، على غرار قانون الاستثمار الجديد وتعديل القانون النقدي والمصرفي، تفرض اليوم أيضا الشروع في العمل ميدانيا للنهوض بقطاع الصناعة بالدرجة الأولى وبقية القطاعات التي من شأنها رفع النمو وإنعاش الناتج المحلّي الخام.
وثمّن كاوبي مستوى النمو الاقتصادي الذي تمّ إحرازه السنة الماضية والذي عادل 4.2 بالمائة، ويرتقب أن يكون إيجابيا أيضا خلال سنة 2024، حسب تصريحات الحكومة وحتى المنظمات الدولية، داعيا إلى رفعه بشكل أكبر للتمكن تدريجيا من رفع الناتج المحلي الخام إلى المستوى المطلوب وإعادة التوازنات الهيكلية إلى نصابها.
ويشدّد المتحدث على أن الجزائر قادرة على الاقتداء في هذا المجال ببعض النماذج التي حقّقت قفزة هامة في النمو على غرار ماليزيا والبرازيل وهي إحدى أهم الدول التي حقّقت أعلى نسبة نمو اقتصادي في العالم في ظرف قصير، متحدّثا أيضا عن أهمية مراجعة نظام الصرف وسعره وتحرير القطاع العمومي والتصالح مع منظومة الأسواق، وهو النهج الذي اعتمدته هذه الدول لتصل إلى مستوى نمو عال وناتج داخلي خام مرتفع.

هذه وصفة خفض التضخّم إلى أقل من 4 بالمائة
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي مراد كواشي، في تصريح لـ”الشروق” إن المقاربة الجديدة التي اتخذها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والتي تقوم على أساس إدارة الأهداف، من خلال تحديدها بدقة والسعي إلى تحقيقها في الميدان، ومنع التسيير بطرق عشوائية، مع العمل على انتهاج أسلوب السرعة في التنفيذ، والالتزام برسم خطط دقيقة يمكن قياسها وتحيينها وتقييمها لاحقا وحتى تحديد الفارق، بين الأهداف المخطّطة وتلك المنجزة، كل هذه العناصر تؤهّل لتحقيق نتائج أعلى خلال الفترة القادمة.
ويؤكد كواشي أن تخفيض نسبة التضخم يندرج ضمن رؤية وأهداف استراتيجية طويلة ومتوسطة المدى وأخرى قصيرة المدى، وهي مسؤولية الجميع، بما في ذلك الوزراء والإطارات، وليس فقط رئيس الجمهورية، معتبرا أن الوصفة الممكنة لخفض مستويات التضخم إلى أقل من 4 بالمائة تتضمّن التحكم بشكل أكبر في أسعار المواد الأساسية وزيادة نسبة المواد المعروضة في الأسواق ومضاعفة المشاريع الاستثمارية.
ويرى الخبير ذاته أن إنجاز 6300 مشروع سبق وأن كشف عنها رئيس الجمهورية، وفق أرقام الوكالة الجزائرية للاستثمار، ستساهم إذا دخلت جميعها حيز الإنتاج سنة 2026 أو حتى 90 بالمائة منها في رفع نسبة النمو من 4 إلى 6 بالمائة وستوفر معروضا سلعيا ومئات آلاف مناصب الشغل، وهو ما سيلعب دورا هاما في خفض نسبة التضخم.
ويقول كواشي إن الفلاحة هي ثاني قطاع مساهم في الناتج الوطني الخام بنسبة إنتاج يصل 35 مليار دولار، إلا أنه وبالنظر إلى الإمكانات الكبرى التي يتمتع بها هذا القطاع في الجزائر، يفترض أن يلعب دورا أكبر في تحقيق الأمن الغذائي وضمان وفرة السلع في الأسواق وتقليل الواردات لاسيما القمح والحليب، وبالتالي خفض أسعار المواد الأساسية وهو ما سيؤدي تلقائيا لتقليص مستويات التضخم.
ويشدد الخبير على أن الحل للنهوض بقطاع الفلاحة هو رقمنته وتعميم تجارب وادي سوف وبسكرة الناجحة على بقية ولايات الوطن، خاصة الجنوبية منها، حيث سيؤدي ذلك إلى مضاعفة الإنتاج، وأيضا تطبيق مشروع الرئيس الذي تحدّث عنه والمتعلق بالمزارع النموذجية، التي ستخصّص لإنتاج الحبوب وبعض أصناف الأشجار المثمرة، والقمح بالدرجة الأولى، إذ أن وفرة القمح المحلي سيلعب دورا هاما في تقليص نسبة التضخم.
كما يؤكد كواشي أن ارتفاع الإنتاج بقطاعات الخدمات والمؤسسات الناشئة من شأنه أيضا أن يؤثر إيجابا على زيادة عرض السلع، وإنعاش الصادرات ورفع قيمة الدينار وبالتالي كبح التضخّم، الذي يُفترض أن يعرف منحى تنازليا خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يتطابق مع تصريحات رئيس الجمهورية وأيضا بيان صندوق النقد الدولي بشأن الجزائر.

انعكاسات إيجابية منتظرة لزيادات الأجور
وفي سياق متصل، وبخصوص قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بزيادة أجور الجزائريين، يقول الخبير الاقتصادي الهواري تيغريسي في إفادة لـ”الشروق” أن هذا القرار أثار ارتياحا وفرحا في أوساط الجزائريين، الذين استفادوا خلال السنوات الماضية من زيادات تدريجية في الرواتب بلغت سنة 2024 ما يصل 47 بالمائة، في حين ستساهم الزيادات المنتظرة في رفعها إلى نسبة 100 بالمائة.
ويعتبر العضو السابق بلجنة المالية بالغرفة السفلى للبرلمان أن الجزائريين لم يستفيدوا منذ سنة 2008 من أي زيادات في رواتبهم، حيث كانت السلطات تكتفي وقتها بخفض قيمة الدينار لحماية القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، إلا أن هذا التخفيض المستمر أضعف العملة الوطنية لسنوات وساهم في رفع نسبة التضخم، ليتأثر الاقتصاد الجزائري بشكل سلبي، وهو ما يجعل الخطوات المرسومة من طرف السلطات العليا اليوم مدروسة بدقة، للحفاظ على القدرة الشرائية عند مستوى مقبول وحماية الدينار الجزائري الذي بدأ يستعيد عافيته مع ضمان أجور تحفظ كرامة الجزائري وهو البرنامج الذي سطّره رئيس الجمهورية ولا يزال يخضع للتنفيذ إلى اليوم.
ويجزم تيغريسي أن أي زيادة في الأجور لن تؤثر على وضع الميزانية، بحكم أن هذه الزيادة مدروسة وفق الإمكانات المتاحة والنمو المنتظر والمداخيل المتوقّعة، في حين أن تحسن الوضع المعيشي للطبقة الوسطى والكادحة سيؤدي بالضرورة لزيادة الاستهلاك وهو ما سيترتب عنه تلقائيا زيادة الإنتاج وتحسّن وضعية المنتجين، الذين يعوّل عليهم بالدرجة الأولى لرفع مستوى النمو وتحقيق ناتج محلي أعلى خلال المرحلة المقبلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!