-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التطرف، هذا الورم الإيديولوجي الخبيث

التطرف، هذا الورم الإيديولوجي الخبيث

فرض التطرف أعراض ظاهرته على الخلق جميعاً، فأضحى عابراً للقارات، ومخترقاً للديانات، ولصيقاً بكل الثقافات، هجم التطرف على الإنسانية قاطبة، فلم يقتصر على ثقافة دون أخرى، ولا على ديانة دون غيرها، بل تجاوز ذلك كله إلى السياسة بمختلف إيديولوجياتها، وحزبياتها، وتنوع أنظمة حكمها.

لقد غدا التطرف بمختلف مكوناته ومسبباته مقدمة فاسدة، تعتمد على العنف المادي والمعنوي، لتفضي في النهاية إلى نتيجة أكثر فساداً، هي الإرهاب والخراب.

يحمل الإرهاب –إذن- في مده وجزره، شعارات مرعبة وخطيرة، تختلف باختلاف انتماء أصحابها، مثل: اشتم الإسلام، لترفع رصيد نسبة حظوظك في الانتخابات، وأعلن العداء للمسلمين، بوصفهم بمختلف ألوان القذارة، لتتجذر شعبيتك، وكفّر مخالفيك في القناعة الدينية، لتثبت وجودك، ولو معكوساً، وبدّع أو فسّق من ينتقدوا تطرفك، واصفاً إياهم بمختلف الأوصاف الباطلة، ليخلو لك الميدان في ساحة الصراع العقدي أو الإيديولوجي أو السياسي.

إنها أعراض تطبع اليوم هذا الوباء الخبيث، الذي هو التطرف، والذي أصبح صادماً للعقول النيّرة، والنفوس الخيّرة، بما يزرعه لدى الآمنين العاملين المخلصين من قتل، وسحل، ومن اغتيال، واحتيال، وسوء المآل.

ما هي الأسباب العميقة لميلاد هذه الظاهرة المشؤومة، التي ليس لها حدود، ولا مبرر لها، في عالم الوجود؟

إنها لا تنبت إلا في ميدان الفساد بجميع أشكاله، وعالم الجهل، على تنوع ميدانه، فيأتي التطرف، كمبرر همجي للإثبات بالخلف.

ففي غياب الفهم الصحيح للقوانين والمعتقدات، تبرز كل أنواع الخرافات، والادعاءات، وفي غياب الصلاح والإصلاح، يفسح المجال لبروز كل ألوان السجال، المؤدي إلى الإقصاء والتهميش، وحتى الاغتيال.

إن ظاهرة الانتخابات في أمريكا، هي مؤشر على ظهور التطرف السياسي والاقتصادي، الذي من نتائجه رفع شعار العنصرية، والتلويح باضطهاد الأقلية، وكبت قيم الحرية، وكل الحقوق الإنسانية.

وإن شعارات الحملة الانتخابية في فرنسا، إنما هي علامة من علامات إيقاظ الفتنة الطائفية والعنصرية، بعد الاستعانة بتشويه الأقلية الإسلامية، وربما الطائفية العرقية، لتنمو شعبية المرشح للانتخابات الرئاسية: فأين هي –إذن- شعارات ومبادئ الثورة الفرنسية، وأين قيم وقوانين الجمهورية؟

فإذا عدنا إلى واقعنا العربي الإسلامي، جابهتنا ظاهرة التطرف على أشدها، جهلاً بالدين، وسحلاً لمبادئ السياسة والتمكين. فالدين الإسلامي، الذي هو دين السماحة والصفاء، تحول لدى بعض الجهلة منا، إلى دين للتعصب، والإقصاء، فيكفي أن تنهى عن منكر فعلوه، أو جرم اقترفوه، لتصب عليك أطنان من السب والشتم هم تعلمّوه وحفظوه.

وإلا فمتى كانت الدعوة إلى التقاتل سنّة؟ ومتى كانت مشايعة المفسدين، والمارقين، والمستبدين، جُنّة؟ فإذا نهيت عن منكر، تحولت –عن جهل وتعصب- إلى منكر.

فهل من الأمر بالمعروف، أكل لحوم العلماء وهي مسمومة؟ وهل من الدعوة إلى السنّة الاعتداء على العلماء بالسب والشتم والتفسيق والتبديع، والتكفير، وهي كلها أوصاف مذمومة؟

وهل إباحة دماء العلماء، بالفتوى المظلومة، تدخل في حيز الدعوة إلى السنّة والعمل بها، وهي كلها سلوكات ملغومة، ومشؤومة على نصاعة السنّة المحمدية المعلومة؟

لقد هجم علينا التطرف، بأشكاله، دينيا وإيديولوجيا، وسياسيا، كما يهجم السرطان الخبيث، والأيدز المميت، والكل فاغر فاه، أمام ما يفعله مثل هذا المرض في جسم الإنسان والإنسانية.. استفحل الداء –إذن- وعز الدواء، فعمّ البلاء، وانتشر العداء، وما من مخرج إلا الوعي بالابتلاء، والعمل على تحصين الذات الإنسانية بالحب والإخاء، والتصدي لهذا التحدي بالعمل المنظم، والاستنجاد بحبل الرجاء.

وإذن، فإن التطرف، إن كان لونه، وشكله، هو مرض خبيث، يجب الوعي بخطورته في كل مكان، ومحاربته، بمختلف المناهج العلمية، والخلقية، والدينية، وبكل وسائل الإمكان.

فلن تكفي، في مواجهة ظاهرة التطرف العالمية تجنيد الأسلحة الفتاكة المدمرة للعباد والبلدان، بل يجب تسخير المؤسسات المؤهلة لذلك، بدءاً بالأسرة، وانتهاء بالجامعة، ومروراً بالإعلام، ودور العبادة، والدساتير والمواثيق والقرآن.

إن التطرف، لا يُطرد بالتمائم، كما يطرد الجان والشيطان، وإنما يطرد بتحصين ذات الإنسان، والقضاء على الجهلة، وأنصاف المتعلمين، والضرب على عقولهم بالحجة والبرهان، فنصف طبيب يفسد الأبدان، ونصف متعلم يفسد الأديان.

نحن نتوق إلى تثقيف السياسة، كي نواجه بجزم وحزم، كل من تسول له نفسه، المساس بديننا، بتبجح وبغير علم، وأن تسند مقاليد الدعوة إلى الله وإمامة المسلمين، إلى الراسخين في العلم، ممن يفقهون الفقه، ويلمون بعلم المقاصد، ويطبقون تطبيقاً صحيحاً، علم القرآن، وعلم السنّة وما دون ذلك، فهو ضربة سيف في الهواء، وكتابة بالقلم على الماء.

وكذلك الحال، بالنسبة للتطرف السياسي والإيديولوجي، فالحكمة الإنسانية القديمة القائلة: كيف نهزم الأقوياء، قال الحكيم: بتوحيد صفوف المستضعفين والضعفاء..

لا ينبغي الاستهانة بالتطرف، مهما اتخذ من شكل، فإنه خطر داهم افتُكّ من المرض الخبيث، فهذا يقضي على خلايا جسم الإنسان، وذلك يقضي على خلايا جسم الإنسانية بكاملها، والبونُ شاسع بين الخطرين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!