جواهر
حالة مرضية أم فراغ عاطفي:

التعلق بالمنشدين والدعاة.. ظاهرة تستفحل في صفوف الملتزمات!

نادية شريف
  • 13279
  • 29
ح.م
دعاة ومنشدون لديهم شعبية في أوساط الفتيات

ظاهرة بدأت تشق طريقها بين صفوف الفتيات والشباب الملتزمين، ألا وهي الإعجاب بشخص الداعية الذي يستمعون إليه أو يواظبون على حضور دروسه الدينية والعلمية، أوالتعلق بأحد المنشدين الإسلاميين ممن يتلهفون على كل إصداراته أولاً بأول، حتى صار التعلق مرضياً يستوجب التوقف لرصد الظاهرة، وأسبابها.

المقارنة بشريك الحياة

بداية يقول رضا ( 21 سنة ) مصر: “لكل فتاة نموذج معين لفارس الأحلام وعادة ما يكون هذا النموذج هو نموذج مثالي لا شبيه له حيث أن بعض الدعاة غالباً ما يظهروا في قالب نموذجي، لأننا لم نلمس بهم العيوب التي لا نعرفها إلا عند المعاملة المباشرة، وبالتالي فيصبح ذلك القالب مطابق للنموذج فتستهوى الفتيات بدون تفكير، وربما يكون السبب ندرة الشباب الذين تتوافر بهم تلك الصفات التي جذبتها للداعية، وغيره من المشاهير الإسلاميين، ولكني أظن أنه من الصعب جدا تفشى هذه الظاهرة بين الفتيات الملتزمات لأن تفكيرهن عادة ما يتسم بالعقلانية، وعندما تفضل  داعية عن آخر يكون السبب  الرسالة وطريقة الأداء والأسلوب، والتعلق تعلق بالأسلوب، والطريقة لا تعلق قلبي وهوى مشاعر بالداعية ذاته”.

وتعلق  آسيا (20 سنة) مصر قائلة:” لي طريقتي الخاصة في الإعجاب بالأبطال، فكل غرفتي مغطاة جدرانها بآلاف الصور للشهداء والدعاة والمنشدين، أحب أن أنظر لصورهم كثيراً، حتى إني أتخيل أحياناً إني أتحدث إليهم لعلي أكون مثلهم يوماً ما.. ولا أدري لماذا يكره خطيبي الأستاذ عمرو خالد، فتعلقي بالاستماع إليه لن يسبب له أي مشكلة مستقبلاً، لكنه لا يتفهم ذلك”.

ويتفق معها قليلاً  محمود( 16 سنة) مصر: ” دائماً أحمل في بطاقتي صورة للشيخ أحمد ياسين وأخرى للمنشد أبو راتب، لا أرى إن بها أي مشكلة، فهذا الحب  لن يؤثر عليّ سلبياً على الإطلاق، بل بالعكس فأنا أتمني أن أكون يوماً كالشيخ ياسين وحبي له يدفعني أن أعرف كل تفاصيل حياته “.

 اللوم على الدعاة!

أما سمية (23 سنة)  الأردن فكان لها رأياً آخر: ” في الحقيقة أنا أعذر هؤلاء الفتيات اللاتي يتعلقن بالدعاة أو المنشدين لأنهنّ غير عاقلات، فقد يكون هذا سببا في تأخرا زواجهن، لأنهن قد يقارنّ كل من يتقدم لخطبتهن بهؤلاء وهذا خطأ كبير، قد تصبح لديهن عقد نفسية … كما إني أرى أن بعض الدعاة اللذين يظهرون على القنوات الفضائية، أو المنشدين اللذين يقومون بطبع ملصقات لصورهم الشخصية على غلاف الأشرطة بشكل ملفت للغاية قد يقع عليهم اللوم، خاصة وأنهم يفقدون السمت الإسلامي بهذا الشكل”.

وتشاركها الرأي ولاء ( 27 سنة ) مصر حيث تقول: “بعض الفتيات يتميزن بالعاطفة الشديدة والاندفاع وبناء الآراء من منطلق عاطفي وليس عقلاني مما يؤدى إلى أن تربط في عقلها وقلبها بين الداعية أو المنشد وبين الشخص الذي تريده زوجاً لها، وتقارن بينه وبين صورة وهمية في عقلها، وفى رأيي أن هذه المشكلة ظهرت بسبب غياب القدوة الصالحة سواء في المجتمع ككل أو على مستوى الأسرة أو العائلة، بالإضافة إلى الفراغ العاطفي الذي تعانى منه بعض الفتيات الملتزمات”.

ويتفق معها ماهر 38 سنة قائلاً: ” كنت أحب حضور دروس الشيخ محمد يعقوب لكن لفت نظري تعلق بعض الشباب به لدرجة تفقدهم صوابهم، فأحد أصدقائي المتزوجين مصمم على الزواج بأخرى فقط لكون الشيخ يعقوب لديه أكثر من زوجة، رغم إننا نحاول أن نوضح له الظروف الخاصة بالشيخ والتي سمحت له بذلك، في حين أنه غير ميسور مادياً وزوجته وضحت له أنها ستطلب الطلاق في حال زواجه لكنه لا يعي هذا الأمر، فأنا أعتقد أن بعض الشباب يفتقد إلى القدوة الحقيقة التي تساهم في تغيير الخلق والسلوك لما هو أفضل فيتجهون إلى الاقتداء بما هو ظاهر فقط، أو بالتحديد ما يتماشى مع أهوائهم”.

فرصة للهروب من الحرام!

حملنا هذه القضية وتوجهنا بداية إلى الأستاذ مسعود صبري الباحث الشرعي بالمركز العالمي للوسطية بالكويت، والمشرف على موسوعة الأسرة المسلمة والذي يوضح قائلاً: ” تعلق الفتيات بالمنشدين ومشاهير الدعاة له عوامل مزودجة، فهو جزء من التعلق الطبيعي بالمشاهير، بعيدا عن مجالهم، فأي مشهور له معجبون وأتباع في فنه، وليس الحقل الإسلامي ببعيد عن ذلك؛ لأنه سلوك إنساني بحت. أما الأمر الآخر، فهو حاجة الفتيات إلى الهروب من المجالات السيئة التي يدخلها الحرام، ورغبتها في أن تمارس حقها في الإعجاب في مجالها، فيعجب الفتيات الداعية ( السوبر)، كما يعجبهن غالب المنشدين الإسلاميين؛ لأنهم يمثلون لونا من ألوان الترفيه عن النفس بالمباح، وإن كان التحريم واردا في الأغاني الماجنة، فإن الفتيات يعتبرن ذلك فرصة للهروب من الحرام إلى شيء مباح، حتى لو أخذ شكل الإعجاب.

وهذا التعلق يحتاج إلى نوع من الضبط النفسي، فنحن لسنا بحاجة إلى التعلق بشخص بعينه، سواء أكان داعية أو منشدا أو غيره، وإنما نتعلق بما يقدم لنا الداعية من نصح وإرشاد وبيان للقرب من الله تعالى، فيكون سبيلا للقرب من الله والتعلق به سبحانه وتعالى، فيكون التعلق بالمقصد لا الوسيلة، وخاصة أننا مطالبون بالاتباع لا التقليد، كما قال ابن مسعود – رضي الله عنه-: لا يتبعن أحدكم دينه رجلا، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر”. فنحن نفيد من الناس ولا تتعلق قلوبنا بهم، إلا إذا كان تعلقا لله تعالى، كأن يكون تقديرا للداعية، من باب أنه يشغل نفسه بالدعوة إلى الله ، وهي من أجل الوظائف،  أو احتراما للمنشد من باب أنه يقدم فنا هادفا بعيدا عن الفن الهابط الذي يضر ولا ينفع.

التعلق بالله وفقط

وعن رأيه في سبل التخلص من هذه المشكلة يضيف قائلاً: “تعلق الشباب والفتيات بالدعاة المشاهير والمنشدين الإسلاميين فيه شيء من الضرر؛ لأن فيه انحرافا عن المقصود، فالقلب يجب أن يكون متفرغا لله تعالى، وإلا ما الفارق بين من يتعلق بمغن من المغنيين أو من يتعلق بمنشد إسلامي، فكلاهما تعلق بشخص، والقلب يجب أن يكون متعلقا بالله تعالى، ولكن هناك فرق بين الإعجاب العام بالإنشاد أو بالدروس ويأتي الإعجاب بمن يقوم به من باب التبعية لا القصد، وألا يكون ذلك مؤثرا بشكل كبير على حياة الشاب أو الفتاة، فمثل هذا لا يضر.

والعلاج يتخلص في التعلق بالله تعالى، فمن صدق تعلقه بالله لم يدخل قلبه شيئا إلا أن يكون تابعا لمحبة الله تعالى، فينفي كل شيء سواه، فيكون حبنا لغيره متفرعا عن حبنا سبحانه وتعالى له.

الأمر الثاني: تقديم ما أوجب الله تقديمه، من حب الله تعالى ورسوله، كما قال سبحانه ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”.

الأمر الثالث: الإفادة بقدر، فالسماع إلى الإنشاد الإسلامي يكره الإسراف فيه، وإنما يكون من باب الترويح على النفس ليس إلا.

الأمر الرابع: أن ندرك مكمن الإعجاب، هل الإعجاب بالداعية لأنه ( سوبر) وإنسان أنيق في ملبسه وطريقة كلامه، أم أننا نعجب به لما فيه من العلم الغزير وما يبدو عليه من علامات الصلاح ونحوها، فالإفادة يجب أن تكون منضبطة ومدركة وواعية، وأن تراجع كل فترة، هل تؤثر على الإيمان؟ وما تأثيرها سلبا وإيجابا؟ حتى نقوم مسيرة أفعالنا”.

التعلق المرضي وعلاجه

ويتفق معه الداعية الشيخ وجيه سعد الإمام والخطيب بالمجمع الإجتماعي الثقافي للجالية الإسلامية بريجو إيمليا بإيطاليا والذي يوضح أسباب هذا التعلق قائلاً: “هذه القضية يجب دراستها في ضوء مجموعة من المفاهيم منها أن الله سبحانه وتعالى ركب في الانسان مجموعة من المشاعر، والأحاسيس والميل تجاه الجنس الآخر وما أحكامه عز وجل والتي تتعلق بهذا الجانب إلا تاكيداً على ذلك، فلماذا تمنع الخلوة إذا لم يكن الغالب هو الميل الذي ربما يؤدي الى الوقوع في الفاحشة، ولماذا تأمر المرأة بالحجاب إن كان تكشفها وعدم خضوعها بالقول ليس له تأثيره في تلك المشاعر، بل لماذا تحرم إطالة النظر إن لم يكن لذلك تاثيره السلبي في النفوس، إذا فلا بد من الإقرار بوجود ميل أصلي بين الجنسين، وهو في الحقيقة إذا ضبط بضوابط الشرع فسيعتبر من أهم عومل قيام الحياة الزوجية.

وإذا كان هذا الميل موجوداً أصلاً وبصفة عامة، فإن هناك مجموعة من المستفزات له مما ينقله من العموم إلى التخصيص وهنا يكون السؤال كيف نتعامل مع هذه المستفزات، فهذا التعامل منه ما هو مقبول وما هو غير مقبول، وأهم هذه المستفزات من وجهة نظري أربعة أولها التميز، وثانيها التركيز في هذا المستفز، وثالثها الاستدامة والاستمرارية، ورابعها الاستسلام وعدم المقاومة له، فإذا أردنا أن نطبق هذه المفاهيم على الحالة محل البحث سوف يتضح الأمر فالميل الأصلي موجود بالطبيعة ثم جاء تميز الداعية أو المنشد وهو يعمل في العمل العام وله جمهوره الكبير، ومنه الفتيات على اختلاف أعمارهم فينتقل الأمر الى الفتاه التي يخرج الميل الطبيعي لديها إلى التخصيص، وبعد فترة تبدأ بالتركيز حتى يصبح الوقت المناسب فيتولد شعور جديد خارج دائرة الاعجاب العادي، ثم يتم هذا الأمر باستمرار مع الاستسلام الكامل وعدم مقاومة هذا الإحساس، وهنا يكمن الخطر الأكبر، والذي نتج من كل هذه المراحل.

الزواج وأحلام اليقظة!

والفتاة لا تستطيع التمييز بين الاستماع للداعية والاستجابة له، وبين التعلق الشخصي به إلا في المراحل المتأخرة، لأن التعلق الشخصي بالداعية أيضا هو أمر ضروري وليس هذا مكمن الخطر، والسبب أن ما يطرحه الداعية يطرحه غيره، ولكن تعلقي بهذا الداعية أكثر من غيره راجع في المقام الأول بعد فضل الله سبحانه الى الجانب الشخصي لدى الداعية، وهذا عند كل محبيه رجالاً كانوا أو نساءاً، كباراً أو صغاراً. لكن قد يصل التعلق لدى بعض الفتيات إلى حد مرضي، فهذا الداعية على المستوى العلمي لا تقبل بغير رأيه بل، ولا تقبل أن يختلف مع ما يقوله أحد، وعلى المستوى الشخصي أصبح اسمه والوان ملابسه وشكله وصوره هم المعايير التي تقيم على أساسه الآخرين، بل أن هناك فتاة متدينة وجميلة ولكنها ترفض بغير سبب واضح كل من يتقدم لخطبتها، وتريد فقط أن تعيش مع أحلام اليقظة مع داعية بعينه وذلك لان التطابق التام غير وارد، وهنا فإن الاسراف في كل شئ منهي عنه ولو كان في العبادة المحضة.

وعن اقتراحاته لمواجهة هذه المشكلة يضيف قائلاً: ” من الضروري محاولة ضبط ذلك النوع من اللقاءات المفتوحة التي يتقارب فيها الجميع مع الداعية بشكل ملحوظ خاصة اذا كان ذلك بحضور عدد من الفتيات، وعلى الاخوة الدعاة التعامل الجاد مع مثل هذا النوع من القضايا خاصة مع الرسائل الموقعة بصفات غير مريحة سواء البريد العادي او الالكتروني”.

السلوكيات الخاطئة للدعاة هي السبب

أما الكاتب والداعية المصري الأستاذ فتحي عبد الستار فقد كان له رأي آخر حيث يضيف قائلا: “يحدث هذا التعلق نتيجة عدم اكتمال الفهم لدى هؤلاء الشباب والفتيات، وتأثره بالثقافة السائدة في المجتمع، من التعلق المذموم بالمطربين والفنانين ولاعبي الكرة وغير ذلك، كما أنه يعبر عن افتقاد القدوة لديهم، وبحثهم عمن يوجهوا له الاهتمام والعاطفة”.

ويساعد على ذلك بعض السلوكيات الخاطئة التي يمارسها بعض هؤلاء الدعاة والمنشدين، وقبولهم لهذه الممارسات وعدم الإنكار لها والتذكير بخطرها، فكثير من الدعاة يعجبه ارتباط الناس بشخصه ولا يحاول أن يحذرهم من ذلك ويوجههم غلى الارتباط بالفكرة والمنهج، فقد انتشرت مثلاً في الفضائيات ظاهرة إن واحدة تتصل وتقول للشيخ (إني أحبك في الله) !!! والشيخ يقبل منها هذا التعبير دون أن يعلق عليه أو يوضح ماذا يعني هذا التعبير والمفهوم الصحيح له، خاصة مع ارتباط كلمة الحب في زماننا بأشياء أخرى أثرت على المعنى الصافي لها.

والتعلق الشخصي للداعية له مظاهر منها: إن الفتاة لا تحب أن تسمع لأي داعية غيره، وتتابع أخباره الشخصية وتفاصيل حياته، وتدافع عنه بالحق والباطل، هذا خلاف ما يسوله الشيطان للفتيات من أحلام اليقظة التي نعرفها، ولا شك أن لهذا أثر خطير على الفتاة من عدة نواحي، أولاً من ناحية أنها ترسم في خيالها صورة ملائكية لهذا الداعية وتتصوره بلا أخطاء، وتعتبره القدوة والمثل الأعلى، وهي لا تعرف أن شخصية الداعية ليست هي فقط تلك التي تظهر على الشاشات وأمام الكاميرات والميكروفونات، وإنما له حياة أخرى وصفات أخرى بالتأكيد لا تخلو من عيوب وأخطاء، فتقع في مشكلة تقديس الأشخاص، وهو أمر قد يأخذ صورة من صور الشرك إن وصل الأمر لقبول كل ما يقول به هذا الداعية إن كان صوابا أو خطأ.

ثانيا أن هذا يجعلها ترفض الواقع من حولها والأشخاص الذين تعاشرهم كالزوج أو الأب أو الأخ وتتمرد عليهم بدعوى أنها لا تراهم كهذا الداعية الذي تتوهم فيه الكمال، أيضا قد تتعرض لصدمة نفسية إن تبين لها عيب في هذا الداعية أو سوء خلق أو تهيئ لها الظروف تعاملا معه عن قرب فترى فيه صورته البشرية بعيدا عن الصورة المتوهمة فتصدم في الدعاة كلهم وقد يؤثر هذا على دينها.

وبرأيي يجب علاج هذه الظاهرة أولاً من قبل الداعية نفسه، حيث يجب أن يراعي الداعية الإخلاص لله عز وجل وأن يؤكد على بشريته، وعلى ربط الناس بالله وبالمنهج وليس بشخصه، فإذا فعل ذلك وتعلقت به فتاة أو بلغه هذا فعليه أن ينكر هذا الأمر ويؤكد عدم صحته وضرره، أما من قبل الفتاة فعليها أن تتذكر معاني العفة وغض البصر والإخلاص ، واستحضار بشرية هذا الداعية وكونه يخطئ ويصيب، ومعرفة أن ما يظهر على الشاشات لا يعبر عن حقيقة الشخص، ومحاربة هذا الشعور إذا تولد لديها من البداية”.

مقالات ذات صلة