الجزائر
خليط بين الاستهانة والاستعطاف وطلب الدعاء

التقاط ونشر صور لموتى ومرضى في وضعيات حرجة يثير استياء الجزائريين

صالح سعودي
  • 6841
  • 7
ح.م

انتشرت في المدة الأخيرة ظاهرة خلفت الكثير من الاستياء وسط الجزائريين ورواد التواصل الاجتماعي بالخصوص، ويتعلق الأمر بالتقاط ونشر صور لموتى أو مرضى في وضعيات صحية صعبة وحرجة، وذلك على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لا يتوانى البعض في وضع صور وحتى فيديوهات لمرضاهم وحتى موتاهم دون مراعاة الكثير من الأخلاقيات والخصوصيات، وسط اختلاف في النوايا بين الاستهانة والاستعراض والاستعطاف وطلب الدعاء.

أجمع الكثير من المواطنين الذين تحدثت معهم “الشروق”، وكذا شريحة واسعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم من عدم احترام حرمة الميت أو المرضى الذين يعانون من وضعيات صحية صعبة، في ظل التقاط ونشر صور لهم في الفضاء الأزرق، دون مراعاة الكثير من النواحي الأخلاقية والإنسانية التي يتوجب التحلي بها، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الاستياء في عدة حالات صنعت الحدث في مواقع التواصل الاجتماعي، من ذلك التقاط صور للشاعر الراحل عثمان لوصيف حين كان في غرفة الإنعاش بمستشفى بسكرة، وهذا موازاة مع الزيارة التي خصها له وزير الثقافة، والكلام ينطبق على الدكتورة عويسات عائشة (أستاذة بجامعة الودي) التي وافتها المنية بمستشفى ورقلة إثر تعرضها للسعة عقرب، حيث دعا الكثير من زملائها وتلامذتها إلى الكف عن نشر صور لها وهي في غرفة الإنعاش، وهي نفس المشاهد التي تعرض لها مرضى من طرف أبنائهم ومقربيهم، حيث يتذكر البعض نشر صورة لفقيد من باتنة التقطت له صورة ونشرت وهو في وضعيات صحية صعبة، حتى إن هذه الصورة لا تصلح للنشر من الناحية الإنسانية والأخلاقية، في الوقت الذي يعج اليوتوب والفضاء الأزرق فايسبوك بصور وفيديوهات لمرضى وصلوا درجة متقدمة من المعاناة، لكن أهلهم لا يتوانون في نشرها وفق نوايا مختلفة، تجمع بين الاستعراض والاستعطاف أو طلب الدعاء، في الوقت الذي كان من المفترض حسب البعض أن يتم طلب ذلك دون اللجوء إلى صور تسيء إلى حرمة المرضى والموتى على حد سواء.

.. أصحّاء يتباهون بصور تسيء إلى الموتى وتحرج المرضى

لم يخف الأستاذ مصطفى عاشوري استيائه من هذه الممارسات التي باتت تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قال في هذا الجانب: “ونحن أحياء، نتفنن في اختيار أحسن الوضعيات وأبهاها لالتقاط الصور لأنفسنا أو لبعضنا البعض، وفي الغالب لا ننشرها إلا بعد إذن المعنيين، فلماذا نلتقط صورا لمرضانا بل حتى لموتانا للأسف الشديد، ثم ننشرها عبر كل وسائل التواصل… ولو تمكنا من استشارتهم في الأمر لما رضوا بكل تأكيد! معتبرا ذلك بمثابة تعد على حق من حقوقهم أحياء وأمواتا؟ وقال في سياق حديثه: “ألا يعتبر ذلك مخالفة لأمر الله سبحانه وتعالى لنا بإكرام الإنسان حيا وميتا مصداقا لقوله تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم..”.

ويذهب حسان بن لمبارك في ذات الاتجاه، حيث يقول: “من الشروط الواجبة على من يغسل الميت ألا يبوح إلى أحد مما رأى من الميت، فما بالك بمن يأخذ صورا للميت أو المريض وهو على فراش الموت، فليسأل كل واحد منا نفسه هل يرضى أن تؤخذ له صور إن كان مريضا أو ميتا؟”، في المقابل اعتبر الأستاذ المتقاعد مصطفى جغروري أن الأمر تجاوز حدود اللباقة واللياقة والدين والعرف، مؤكدا أنه من المفروض ألا نتعدى آداب المعاملة والتعامل في ما بيننا، وألا نمس ونجرح مشاعر المريض أو أهله أو أهل الميت. وقال مصطفى جغروري في هذا الجانب: “في الغالب صور هؤلاء مؤثرة لكن قد يكون تأثيرا إيجابيا وقد يكون سلبيا، فاتقوا الله في مرضاكم وفي موتاكم وفي أهاليكم، ودعونا من الصور المؤثرة. ودعوا مرضاكم يقضون أيام مرضهم في دعة وسلام وراحة حتى يمن الله عليهم بالشفاء، وترحموا على موتاكم، وادعوا لهم بالرحمة والمغفرة، وانقشوا ذكراهم في قلوبكم وعقولكم لا على صفحات التواصل الاجتماعي”.

كما اعتبر الأستاذ أحمد شاطري عرض أي صورة لأي شخص سواء كان مريضا أم ميتا عملا مرفوضا إنسانيا وأخلاقيا، فالمريض حسب قوله عندما يرى صورته ويجد نفسه في وضع لا يعجبه فهذا يسبب له إحراجا، وبالتالي الذي التقط له هذه الصورة فقد آذاه وهذا ينبذه ديننا الحنيف، أما عند عرض صور للأموات ودون إذن فهذا يحيي الأحزان من جديد لدى أسرة وأهل الميت، فهذا أيضا هو أذى للآخرين في نظر الأستاذ أحمد شاطري.

الدكتور مقلاتي صحراوي: يجب أن نحفظ للناس حرماتهم كما يحفظ الطبيب أسرار مرضاه

أكد الدكتور مقلاتي صحراوي من كلية الشريعة بجامعة باتنة 1، في حديثه إلى “الشروق”، أن تصوير المرضى في حالة مرضهم وعرض ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، عادة ما يتم عن طريق بعض الأهل وهم يقصدون طلب الدعاء من الأصدقاء الذين في الصفحة، وهذا قصد حسن حسب محدثنا، وحسن ظن بالأصدقاء، وهو قصد محمود ولكن فيه اعتداء على حرمة المريض وحياته الخاصة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية اعتبره الدكتور مقلاتي صحراوي بمثابة إخلال بالقواعد الأخلاقية التي توجب حسب قوله احترام خصوصيات الناس، مضيفا أن هناك كثيرا من الناس لا يريدون الظهور في مثل تلك الحالة التي يرثى لها، فربما شمت فيه من يكرهه، وربما أحزن من يحبه إن كان بعيدا عنه وهكذا، أما إذا كان دون إذنه فالأمر حسب الدكتور مقلاتي صحراوي بين عدم جوازه وكذلك إذا منع الطبيب ذلك ولا أعلم أحدا ممن يعتد بعلمه سئل في هذا الأمر وقال فيه بالجواز، وإنما يحذر منه، وهو خلاف للذوق والأخلاق والأعراف، فيجب حسب محدثنا أن نحفظ للناس حرماتهم كما يحفظ الطبيب أسرار مرضاه.

مقالات ذات صلة