-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان‭ ‬

التلفزة‮ ‬المحلية‮: ‬النفور‮.. ‬السّالب‮.. ‬

محمد عباس
  • 2406
  • 0
التلفزة‮ ‬المحلية‮: ‬النفور‮.. ‬السّالب‮.. ‬

يا حسرة على زمن كانت برامج التلفزة الوطنية فيه اسما على مسمّى! عندما كانت جزائرية قلبا وقالبا بنسبة عالية! كان أكثرنا يجدون أنفسهم فيها، رغم قليل انفتاحها على المجتمع، وكبير انشغالها بالرسميات الحدثية منها والتشريفية!

  • اليوم لم تعد أغلبية الجزائريين تشعر بأنها والتلفزة تنتميان إلى وطن واحد إلا لماما، وفي لحظات عابرة هي بمثابة الاستثناء الذي يؤكد قاعدة التباين والتنافر، كانت التلفزة بالأمس حرة محررة، وهي اليوم مستلبة سالبة: مستلبة لغربتها عن الجزائر العميقة، وغلبة ميولاتها‮ ‬المترنحة‮ ‬غربا‮ ‬وشرقا؛‮ ‬وسالبة‮ ‬لأنها‮ ‬تعمق‮ ‬الاستلاب‮ ‬بالنفور‮ ‬منها‮ ‬وبالنفور‮ ‬الذي‮ ‬يعمق‮ ‬الاستلاب‮.‬
  • بحثت‮ ‬عن‮ ‬برامج‮ ‬القنوات‮ ‬المحلية‮ ‬في‮ ‬أهم‮ ‬الصحف‮ ‬الصادرة‮ ‬بالعربية،‮ ‬فلم‮ ‬أجد‮ ‬لها‮ ‬أثرا‮! ‬لعل‮ ‬هذه‮ ‬الصحف‮ ‬أصبحت‮ ‬تستنكف‮ ‬من‮ ‬تقديم‮ ‬هذه‮ ‬الخدمة‮ ‬البسيطة‮ ‬لقرائها‮. ‬ولو‮ ‬في‮ ‬شكل‮ ‬مختارات‮ ‬محدودة‮.‬
  • لأنها‮ ‬باتت‮ ‬محرجة‮ ‬بفقر‮ ‬برامجها‮ ‬وضحالة‮ ‬مادتها‮! ‬وهذا‮ ‬ما‮ ‬يصدق‮ ‬عليه‮ ‬تعبير‮ “‬النفور‮ ‬الذي‮ ‬يعمق‮ ‬الاستلاب‮”!‬
  • فقد‮ ‬تصفحنا‮ ‬أخيرا‮ ‬خمسا‮ ‬منها‮ ‬بطريقة‮ ‬عشوائية،‮ ‬اعتمادا‮ ‬على‮ ‬أربعة‮ ‬مؤشرات‮ ‬هي‮ ‬ذكر‮ ‬القناة‮ ‬مرفوقا‮ ‬بدرجات‮ ‬ثلاث‮:‬
  • أ- درجة الحظوة ويرد فيها ذكر برنامج القناة كمجرد جدول للحصص أو مختارات من الحصص، مشفوعا بمكانة متميزة لأكثر من حصة، هي في الغالب لأفلام أو لمطربين أو لحصص ترفيهية (بالصورة والتعليق) ونجد في هذه الدرجة من الحظوة حسب الترتيب: ت. ف 1، فرنسا 2، م 6. وتليها في الحطوة‮ ‬حسب‮ ‬الترتيب‮ ‬دائما‮: ‬فرنسا‮ ‬3،‮ ‬آرتي،‮ ‬قناة‮ ‬‭+‬‮.‬
  • وبالنسبة‮ ‬للقنوات‮ ‬العربية‮ ‬فقد‮ ‬ورد‮ ‬ذكر‮ ‬الجزيرة‮ ‬الرياضية‮ ‬و‮ ‬م‮.‬ب‮.‬س‮ ‬بدرجة‮ ‬الحظوة‮ ‬مرة‮ ‬واحدة‮ ‬فقط‮ ‬مقابل‮ ‬مثلا‮ ‬5‮ ‬‭/‬‮ ‬5‮ ‬و5‮ ‬‭/‬‮ ‬2‮ ‬لقناة‮ ‬ت‮. ‬ف‮ ‬1،‮ ‬التي‮ ‬تحتل‮ ‬المرتبة‮ ‬الأولى‮.‬
  • ب‮- ‬درجة‮ ‬التقدير‮ ‬الجيد،‮ ‬ونجد‮ ‬فيها‮ ‬كلا‮ ‬من‮ ‬ت‮. ‬ف‮ ‬1‮ ‬وفرنسا‮ ‬2‮ ‬بـ‮ ‬5‮ ‬‭/‬‮ ‬3،‮ ‬تليهما‮ ‬م‮ ‬6‮ ‬وفرنسا‮ ‬3‮ ‬وآرتي‮ ‬بـ‮ ‬5‮ ‬‭/‬‮ ‬2،‮ ‬ثم‮ ‬فرنسا‮ ‬4‮ ‬ونسمة‮ ‬بـ‮ ‬5‮ ‬‭/‬‮ ‬1‮ ‬فقط‮ ‬ذكرا‮ ‬وتقديرا‮.‬
  • ج- درجة مجرد الذكر مرة واحدة (على 5) في شكل جدول لحصص اليوم، ونجد فيها القناة الفرنسية الخامسة الموجهة إلى الشرق الأوسط مع كل من القناتين الجزائريتين: الأرضية وقناة الجزائر بالفرنسية، أي أن هاتين القناتين تحتلان – مع الخامسة – مؤخرة الترتيب!
  • يؤكد‮ ‬هذا‮ ‬العرض‮ ‬السريع‮ ‬للصفحات‮ ‬الخاصة‮ ‬بأربع‮ “صحف‮ ‬هامة‮” ‬وخامسة‮ “متوسطة‮” ‬مقولة‮ “الاستلاب‮ ‬بالنفور‮”! ‬بمعنى‮ ‬أن‮ ‬النفور‮ ‬من‮ ‬القنوات‮ ‬المحلية،‮ ‬جعل‮ ‬هذه‮ ‬الصحف‮ ‬تقدم‮ ‬خدمات‮ ‬جليلة‮ ‬للقنوات‮ ‬الفرنسية‮ ‬تحديدا‮..‬
  • وهي ظاهرة لا نجد نظيرا لها، في صحافة الأقطار الشقيقة المجاورة كالمغرب وتونس مثلا، وهي ظاهرة غريبة ونشاز، لأن المفروض أن يتركز الاهتمام أولا على التلفزة الوطنية بصرف النظر عن مستواها، وأن يكون الإشهار المساعد للمنتوج المحلي سينما وطربا وترفيها.. لأن هذه بضاعتنا،‮ ‬ولا‮ ‬تعكس‮ ‬إلا‮ ‬ما‮ ‬نحن‮ ‬عليه،‮ ‬ولا‮ ‬مفر‮ ‬من‮ ‬قبولها‮ ‬بعلاتنا‮. ‬لأن‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬باختصار‮ ‬إقرارا‮ ‬واعترافا‮ ‬بحقيقتنا‮ ‬المعبرة‮ ‬عن‮ ‬هويتنا‮ ‬وواقع‮ ‬مستوانا‮ ‬الإبداعي‮ ‬في‮ ‬مجال‮ ‬الاتصال‮ ‬والثقافة‮.‬
  • لكن‮ ‬الملاحظ‮ ‬أن‮ ‬الصحف‮ ‬الخمس‮ ‬المعنية‮ -‬وأخواتها‮ ‬كثيرات‮!- ‬تمارس‮ ‬عبر‮ ‬صفحاتها‮ ‬الإشهارية‮ ‬للقنوات‮ ‬الفرنسية‮ ‬خاصة‮ ‬هروبا‮ ‬واضحا‮ ‬من‮ ‬الذات،‮ ‬وارتماء‮ ‬سافرا‮ ‬في‮ ‬أحضان‮ ‬الآخر،‮ ‬يكرس‮ ‬ما‮ ‬تعانيه‮ ‬من‮ ‬استلاب‮ ‬وضياع‮.‬
  • ويطرح‮ ‬هذا‮ ‬الإشهار‮ ‬اليومي‮ ‬الواسع‮ ‬للقنوات‮ ‬الفرنسية‮ ‬أسئلة‮ ‬محرجة‮ ‬على‭ ‬الصعيدين‮ ‬الثقافي‮ ‬والتجاري‮:‬
  • 1‮- ‬على‮ ‬صعيد‮ ‬الانتماء‮ ‬والهوية،‮ ‬هل‮ ‬من‮ ‬المعقول‮ ‬أن‮ ‬تولي‮ ‬صحف‮ ‬تصدر‮ ‬بالجزائر‮ ‬الأهمية‮ ‬المطلقة‮ ‬للقنوات‮ ‬الفرنسية؟‮!‬
  • وهل‮ ‬اطلعنا‮ ‬في‮ ‬يوم‮ ‬من‮ ‬الأيام‮ ‬على‭ ‬صحيفة‮ ‬فرنسية‮ ‬واحدة‮ ‬تعاملنا‮ ‬بالمثل؟‮ ‬أي‮ ‬تشهر‮ ‬للقنوات‮ ‬الجزائرية‮ ‬على‭ ‬حساب‮ ‬نظيراتها‮ ‬الفرنسية؟‮!‬
  • 2- على الصعيد التجاري هل أن هذا الإشهار اليومي الواسع مجاني أم بمقابل؟! ولنقف عند الشطر الأول فقط، لنقول إن كان مجانا فهذا عين الاستلاب! وهو أمر في غاية الخطورة، لأن الاستلاب على هذا النحو فيما يمكن اعتباره من الصغائر، لا يستبعد أن يجري في الكبائر كذلك!
  • وأخيرا‮ -‬وليس‮ ‬آخرا‮!- ‬كيف‮ ‬أصبحنا‮ ‬نمارس‮ ‬في‮ ‬الاتصال‮ ‬مثل‮ ‬هذه‮ ‬الأمور‮ ‬الشاذة‮ ‬ونتقبلها‮ ‬أو‮ ‬نسكت‮ ‬عليها‮ ‬وكأنها‮ ‬شيء‭ ‬عادي‮ ‬تماما؟‮!‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!