الرأي

“الجابوني” وانتفاضة “الورقلي”!

محمد حمادي
  • 2923
  • 14

ما إن تناهى إلى مسامع سكان ورقلة إقامة حفل غنائي بمدينتهم تحت شعار “لنفرح جزائريا”، حتى ركب رواد مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف مستوياتهم التعليمية وأرصدتهم الثقافية ومشاربهم الفكرية الموجة، ليثيروا قضية جوهرية للنقاش، اسمها ضبط أجندة تسيير الشأن العام عبر ترتيب الأوليات، مشفوعة بسؤال نابع من حياة الغبن التي يكابدونها يوميا: ما الجدوى من صرف الملايير على حفلات غنائية ونحن نعاني على كافة الأصعدة؟
سكان ورقلة الذين نزلوا إلى الشارع زرافات ووحدانا، رافضين إقامة الحفل الغنائي، ليس معناها أنهم متأخرون اجتماعيا أو ليس لديهم ذوقا أو هم ضد الفن، بل من انتفضوا ضد هذا الوضع البائس على قدر كبير من الوعي، بدليل أنهم لم يجنحوا إلى مظاهر العنف والتخريب، بل قدموا صورة راقية عن الجزائري الذي يوصل همومه وآهاته للسلطات بطريقة حضارية؛ فأدوا صلاة العشاء جماعة على مرأى ومسمع رجال الشرطة، في ساحة مقابلة لمسرح الهواء الطلق الذي كان مقررا أن يحتضن الحفل.
الشارع الورقلي لم ينتفض ضد الحفل ولا ضد شخص “كادير الجابوني” الذي كان من بين المدعوين للغناء، بل عبّر عن وجهة نظره بطريقة حضارية، معلنا رفضه لتنظيم هكذا حفلات كونها ليست أولوية لدى ساكنة الولاية، بل هناك أمور أخرى غاية في الأهمية يجب أن تصرف عليها السلطات الأموال لتحسن الإطار المعيشي للسكان.
لكن لماذا نميّع في كل مرة المطالب المشروعة ونلصق بأصحابها تهما لا أساس لها من الصحة؟ كيف يفرح المواطن الورقلي المغلوب على أمره والماء ينقطع عن الحنفيات لأسابيع، وقنوات الصرف تتدفق منها مياه القذارة لتُصدّر روائح كريهة تزكم الأنوف؟ كيف يكون سعيدا والكهرباء تنقطع مرارا وتكرارا لتعمّق معاناته في ظل جحيم الحرّ الذي يحبس الأنفاس ويهلك الأبدان؟ كيف يكون للحياة معنى وسكان هذه المناطق محرومون من أبسط فضاءات التسلية والترفيه، حتى أصبح إنجاز مسبح أو ملعب جواري للأطفال حلما بعيدا المنال؟
كيف يتمتع سكان ورقلة باغاني “أنت سبابي” و”ماما مية”..والبوحمرون ما زال يفتك بالبراءة في البلديات النائية؟
من حق القائمين على شؤون الثقافة والفن أن ينظموا حفلات غنائية للترويح عن الأنفس المضرجة بالهموم، لكن سكان ورقلة لم يكونوا ضد الفكرة بل طالبوا فقط بترتيب الأولويات في أجندة تسيير الشأن العام، مقترحين خفض فاتورة الكهرباء وتشييد مستشفيات محترمة تقدم خدمات طبية راقية لمرضى المنطقة.
وحتى “كادير الجابوني” الذي كان مبرمجا ليغني في هذه التظاهرة الفنية، خرج ليؤكد أمام الجزائريين أنه لم يكن مستهدفا من قبل الورقليين، متفهما ردّة فعلهم هذه.
باختصار، فإنّ سياسة التسيير العرجاء ساهمت في إحباط معنويات المواطن، الذي تحوّل إلى كتلة ملتهبة تنبعث منها حمم الغضب لتقذف كل من صادفته في طريقها، على وقع حالة من التذمر والاستياء التي تملكت العقول وغزت الأنفس، مؤرّخة لفصل من فصول اليأس والقنوط الذي لم تكتمل حلقته الأخيرة بعد؛ فأصبح المسؤولون المحليون في واد والمواطنون في واد آخر، وكأن الجميع من كوكب آخر لا يتقاسمون الرقعة الجغرافية ذاتها، فقتلوا الفرح في الأفئدة ووأدوا كل موعد للغبطة في المهد قبل أن يخرج إلى العلن.

مقالات ذات صلة