-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجامعة عام 2030: التعاون بدل المنافسة 

الجامعة عام 2030: التعاون بدل المنافسة 

في نهاية شهر ماي، تم الإعلان عن “خارطة الطريق 2030” العالمية للتعليم العالي، وذلك خلال مؤتمر اليونسكو العالمي للتعليم العالي الذي نظم بمدينة برشلونة الإسبانية. وفي هذا اللقاء عقدت نحو 120 مائدة مستديرة، وألقيت 86 محاضرة حول موضوع “التعليم العالي من أجل التنمية”. وقد اختتم المؤتمر أشغاله يوم الجمعة 20 ماي.

والواقع أن المؤتمر كان مبرمجا عام 2021، لكن ظروف جائحة كورونا حالت دون انعقاده خلال السنة الماضية، وكانت اليونسكو قد أعدّت لهذا الغرض وثيقة عمل فاق مضمونها 40 صفحة.

235 مليون طالب

وما دفع اليونسكو إلى تنظيم هذا المؤتمر هو بوجه خاص تزايد أعداد الطلبة حيث بلغ الآن نحو 235 مليون طالب مسجلين في التعليم العالي عبر مختلف بلدان العالم. إنه رقم تضاعف منذ مطلع هذا القرن، ومن المتوقع أن يتضاعف مرة أخرى خلال العقد القادم. وأمام هذا التحدي الكمي، تناول مؤتمر برشلونة سبل ضمان جودة التعليم العالي بطريقة تتكيّف مع التحديات المعاصرة، مثل التنمية المستدامة، وكيفية دعم التنقل الأكاديمي الدولي للطلبة بوجه خاص. كما تطرّق لِلْعِبَر المستفادة من جائحة كورونا.

وهكذا حضر المؤتمر نحو 1500 مشارك تابعين للجامعات والحكومات والوكالات ذات الصلة بالتعليم العالي والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتبادل الخبرات والأفكار. والهدف من هذا التجمّع هو رسم خارطة طريق عالمية مشتركة للعِقد المقبل. وقد افتتحت المؤتمر المديرة العامة لليونسكو ووزير الجامعات الإسبانية، ورئيس حكومة كاتالونيا (في إسبانيا).

وما تلاحظه اليونسكو أن هناك زيادة محسوسة في الالتحاق بالتعليم العالي حيث بلغت نسبة الالتحاق 200% خلال العقدين الماضيين في مناطق عديدة، مثل جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا. ومع ذلك لا تزال الفوارق قائمة، إذ التحق بالتعليم العالي ما بين 40% و50% في شرق وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، بينما لم يلتحق سوى 25% في وسط وجنوب آسيا. وتنخفض هذه النسبة إلى 9% في جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا.

وأشارت نائبة المديرة العامة لليونسكو في نهاية المؤتمر إلى أن ما تمخض عليه هذا اللقاء من توجيهات ورؤى لا يمثّل وثيقة ختامية صادقت عليها الحكومات والهيئات الرسمية، بل هي وثيقة تعبر عن الأولويات المتفق عليها لتوجيه التنمية المستقبلية الخاصة بالتعليم العالي. وقد تم وضعها بعد عامين من المشاورات المكثفة.

وتدعو خارطة الطريق التي وضعها المؤتمر إلى التغيير والتحوّل في العقليات والسلوكيات باعتبار أن التحولات الحاسمة ضرورية للتركيز على “التعاون بدل المنافسة، وعلى التنوع بدل التوحيد، وعلى التعلم المرن بدل نماذج التعليم التقليدي…”. غير أن الانفتاح ضروري أيضًا إذ نحن “بحاجة إلى نظام مفتوح للتعليم العالي يسعى إلى إقامة الجسور وتعزيز الشراكات في جميع أنحاء العالم.” وتصبو خارطة الطريق إلى وضع أجندة 2030 متفق عليها دوليًا، وتسطير أهداف التنمية المستدامة وتلك المصممة لحماية الكوكب و”بناء السلام والازدهار”. كما تهدف بشكل أكثر طموحًا إلى رسم ملامح التعليم العالي في آفاق عام 2050.

التعاون من أجل التميّز بدل المنافسة

ولاحظت ممثلة اليونسكو أن العالم يواجه مجموعة من التحديات المترابطة، من الجائحة الصحية والأضرار المترتبة عليها، إلى أزمة المناخ التي تهدد بقاءنا وتهدد كوكبنا، إلى الميول نحو سياسات عقيمة ظهرت بشكل متزايد في العديد من البلدان والمناطق. وفضلا عن ذلك توجد عوامل أخرى كثيرة تجعل المجتمعات أكثر هشاشة وتوترًا.

وهكذا نلاحظ أن “التعليم العالي يتأثر بكل هذه التهديدات، وهو جزء لا يتجزأ من الحل الذي نطمح إليه. ولذا يتعيّن على التعليم العالي أن يتعامل وأن يواجه حركيته وتحولاته الخاصة، سيما ظاهرة توسعه الهائل، والزيادة في تنقل  المنتسبين إليه عبر العالم، والتغيير الحاصل في سبل تمويله، والدور الكبير الذي تحظى به التكنولوجيا في جميع المستويات. ومن ثمّ وجبت إزالة الحواجز التي تحول دون التغيير القائم والذي سيحدث في المستقبل. وفي هذا السياق، توصي خارطة طريق 2030 بالمبادئ التالية بوجه خاص:

  • التعاون من أجل التميّز بدل المنافسة.
  • الحرية الأكاديمية المتوازنة مع المساءلة العامة.
  • النزاهة والأخلاق.
  • خلق علاقة ديناميكية مع المجتمع.
  • إطلاق العنان لإمكانات كل نوع من أنواع المعرفة العلمية.

ومن جهة أخرى، أكد المؤتمر على أن المنافسة مهمة عندما يتعلق الأمر بتحسين مستوى المؤسسات الجامعية، لكنها تسوء فعاليتها عندما تركّز على هاجس تحسين التصنيف العالمي. ولاحظ المجتمعون أنه ينبغي أن يتم إنتاج المعرفة من خلال تداخل الاختصاصات فيما بينها والابتعاد عن تجميع كفاءات مختلفة دون تفاعل فيما بينها… فمثلا ينبغي ربط العلوم البحتة بالعلوم الإنسانية وغيرها. وبهذا الصدد يحثّ المؤتمر مؤسسات التعليم العالي على تبني خطة عام 2030.

وقال أحد كبار المشاركين من اليونسكو، وهو مكلف بالأبحاث المجتمعية وبالمسؤولية الاجتماعية في التعليم العالي: “أنا سعيد بهذا التقرير. أعتقد أنه أفضل تقرير عن التعليم العالي يصدر عن اليونسكو. وسيتردد صداه في جميع أنحاء عالم التعليم العالي. وسيتم الإشارة إلى هذا التقرير مرارًا وتكرارًا”. ورغم ذلك، لم يُخف المؤتمرون خشيتهم من الحواجز الهائلة التي تواجه خارطة الطريق المرسومة، مثل الاتجاهات نحو تسويق التعليم العالي والتركيز المتزايد على التصنيف، مما يؤدي إلى زيادة المنافسة العقيمة بين الجامعات. ومن ثم ظهرت شكوك لدى رؤساء الجامعات إذ تساءلوا عما إذا كان يمكن تحقيق تحول الجامعات بالطرق التي تتصورها خارطة الطريق دون تغيير السياق الذي يعملون فيه، قبل هذا وذاك.

وعلى كل حال، فقد دُعمت خارطة الطريق 2030 بكمّ من الأبحاث في 10 محاور، أنتجتها مجموعات الخبراء التقنيين، بما في ذلك تقرير فريق الخبراء العالمي المستقل التابع لليونسكو بشأن الجامعات وخطة عام 2030. ومع كل ذلك، قالت أستاذة فخرية في جامعة فيكتوريا الكندية إنها لا تعترف بهذه الوثيقة كخارطة طريق، وذلك لغموضها ولوجود دلائل على أن واضعيها ينظرون إلى التعليم العالي نظرة لا تراعي بكفاية تنوّع السكان في المعمورة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!