الرأي

الجزائر‭..‬‮. ‬لن‭ ‬يُظلم‭ ‬عندها‭ ‬أحد‭!‬

جمال لعلامي
  • 5383
  • 17

بدأت قضية اللاجئين السوريين في الجزائر، تثير علامات استفهام وتعجب، فبين من يعتبرهم هاربين من نار الاقتتال والحرب التي لا تريد أن تضع أوزارها في الشقيقة سوريا، وبين من يتهمهم بأنهم “غجر” ومجرّد “متسوّلين”، الأكيد أن الجزائر ستدفع فاتورة إضافية للتكفل بهؤلاء‭ ‬الأشقاء،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صفتهم‭ ‬وأسباب‭ ‬دخولهم‭ ‬التراب‭ ‬الجزائري‭.‬

ولتوضيح الرؤى، من الضروري أن نحلّل هذه الظاهرة التي أصبحت حتما مقضيا، بكلّ هدوء وواقعية، حتى لا نظلم هؤلاء: إذا صدق أنهم هاربون من الحرب، لماذا يرفض بعضهم تكفل الدولة الجزائرية بهم؟ وإذا كانوا “متسولين” مثلما يتهمهم ناشطون سوريون، كيف يُمكن لمتسوّل أن يمدّ‭ ‬يده‭ ‬في‭ ‬الجوامع‭ ‬والأسواق،‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬تذكرة‭ ‬ركوب‭ ‬الطائرة‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر؟

بعض الألسن الطويلة، تقول أن رجال مال وأعمال سوريين، يعيشون الفخفخة والبرستيج ويريدون جني غنائم الحرب، خصصوا ميزانية لدفع تذاكر سفر مئات الغلابى، لترحيلهم أو تهريبهم من سوريا نحو الجزائر، وذلك بهدف إحراج النظام الجزائري مع النظام السوري، ومع المجموعة الدولية‭ ‬كلها‭!‬

‭..‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬يُريدون‭ ‬استدراج‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬الفخ،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬متحفظة‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬محاور‭ ‬وقرارات‭ ‬بشأن‭ ‬‮”‬الثورة‮”‬‭ ‬السورية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬وهيأة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭!‬

فإذا احتضنت اللاجئين السوريين، اتهمها النظام السوري بدعم “الجيش الحرّ” وتوفير الحماية لأنصاره والمتضامنين معه، وإذا هي طردت الهاربين، اتهمتها بعض البلدان، بمؤازرة النظام السوري من خلال ملاحقة وترحيل خصومه والمعارضين له!

وبعيدا عن كلّ الاحتمالات والسيناريوهات، فإن الجزائر قرّرت رغم كلّ “المخاطر” والتحديات، أن تتكفل باللاجئين السوريين، دون أن تبحث عن صفتهم وهويتهم، المهمّ أنهم إخوة سوريون هاربون من الجحيم والموت وطالبون للنجدة والحماية وعدم التسليم، في انتظار عودتهم إن شاء الله‮ ‬إلى‮ ‬بلادهم‮ ‬سالمين‮ ‬غانمين‭.‬

نعم، التاريخ القديم والحديث، يثبت أن الجزائر مثلما هي قبلة الثوار، هي أيضا محضنة ومحمية لمن يستجير بها، وتكاد الجزائر تكون من البلدان القلائل، التي مازالت تسارع إلى تقديم يد المساعدة لكلّ من هو في خطر. لكن هذا لا يعني خرق القوانين وضرب تقاليد وأصول الضيافة‮ ‬من‮ ‬طرف‮ ‬الضيوف‭.‬

لقد استقبلت الجزائر أفرادا من عائلة الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، عندما طلبوا نجدتها وإنقاذهم من ملاحقة “المجلس الانتقالي”، ورغم “الضغوط” مازالت الجزائر إلى اليوم، ترفض تسليمهم للسلطات الليبية، طالما أنهم ليسوا “مجرمين” ولا هم من المبحوث عنهم دوليا أو‭ ‬المطلوبين‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭.‬

لا يُمكن للجزائريين أن يحشدوا سكاكينهم عندما يسقط الثور، وهم يقولون للسبع “فمّك فايح” وجها لوجه، لأنهم يكفرون بنظرية الطعن في الظهر والتآمر والدسائس المخزية، ولذلك استقبلت الجزائر فلسطينيين وليبيين وتونسيين ومغربيين وماليين وغيرهم، من الهاربين من الحروب والتصفيات‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬والاستبداد،‭ ‬واحتضنت‭ ‬أيضا‭ ‬آلاف‭ ‬‮”‬الحراڤة‮”‬‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬المجاورة،‭ ‬فكانت‭ ‬الفاتورة‭ ‬غالية،‭ ‬لكن‭ ‬الجزائر‭ ‬لا‭ ‬تمنّ‭ ‬أبدا‭ ‬على‭ ‬ضيوفها‭.‬

إن الدوافع الإنسانية، وروابط الأخوّة والدين وحسن الجوار وقرابة الدم، تبقى بالنسبة للجزائريين أولوية الأولويات، بعيدا عن الحسابات السياسية والحساسيات الحكومية ومخططات تجار المحن.. والجزائري لن ينسى أبدا ملحمة أشقائه الذين هجروا ولجأوا إلى سوريا هربا من بطش المستعمر،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬دفن‭ ‬واستقرّ‭ ‬هناك‭..‬‮ ‬فمن‭ ‬دخل‭ ‬الجزائر‭ ‬فهو‭ ‬آمن‭ ‬ولا‭ ‬خوف‭ ‬عليه‭ ‬ولا‭ ‬هم‭ ‬يحزنون،‭ ‬والأهمّ‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬بها‭ ‬شعب‭ ‬لن‭ ‬يُظلم‭ ‬عنده‭ ‬أحد‭. ‬

مقالات ذات صلة