الرأي

الجزائر الجديدة

الجملة الأكثر تداولا في الفترة الأخيرة من الدولة والشعب وأهل الحَراك، هي ضرورةُ الدخول في “الجزائر الجديدة”، مع اختلاف في شرح معنى الجزائر الجديدة وكيفية بلوغها، بين من يرى أن الأمر معنويٌّ بالكامل ويتطلب صرامة أخلاقية، ومن يراه ماديا يتركز على ضرورة إيجاد الثروة وبلوغ درجة الرخاء، ومن يضع شروطا قاسية لأجل تحقيق جزائر جديدة، ومن يكتفي بقليل من النيّة والإرادة. وبين هذا وذاك، يتحدّ الجميع على رفض الواقع والقطيعة مع الماضي، ثم يتوقفون في جدل شرح معنى الجزائر الجديدة، إن كانت مبنية على احترام الآخر، أو إزاحته من الطريق نهائيا؟

الجزائر الجديدة هي التي تُوقف الهجرة السرية والمخاطرة بالنفس من أجل العيش في بلادٍ أخرى والافتخار بالوطن المزدهر، حسب حالمين، وهي مشروع القرن وكل الأزمان يتَّحد لأجله الجميع من دون إقصاء، حسب الواقعيين.

الرئيس تبون يقول إن لبنة الجزائر الجديدة قد وُضعت، ومنتقدوه يطالبون بالجزائر الجديدة، والذين مازالوا يصنعون مشاهد الحراك كل يوم جمعة، لا شعار لهم سوى المطالبة بالجزائر الجديدة، وهو حلم الفلاح والطبيب والإمام والفنان والعاطل عن العمل… الجميعُ يطالب بالإسراع في بعث الجزائر الجديدة، من دون أن يعتبر كل فرد نفسه معنيا قبل غيره بالالتزام بالجزائر الجديدة، وبقواعد الجزائر الجديدة التي تفرض على كل جزائري أن يجدّد نفسه نحو الأفضل، وأن لا يبقى حاملا للسوط، يجلد غيره، ويرى نفسه ليس مُتهما في جريمة التخلف التي اقترفها الجزائريون جميعا في حق الجزائر.

كلمة “الجديدة” استعملت في غالبية الثورات الاجتماعية والاقتصادية على مرّ الأزمنة والأمكنة، فقد أعلن اليابانيون عن يابان جديدة، وأعلنها الأتراك والإندونيسيون والبرازيليون… وفي كل البلاد بلغت “الجديدة” مداها من طرف الشعب الذي خرج من قوقعته واستسلامه للتخلف، وتمكّن من الوصول بالبلاد إلى مرحلة “الجديدة” التي قدَّمت لنا نماذج من بلاد لا تمتلك جزءا من الثروات المادية والتاريخية والجغرافية التي تمتلكها الجزائر، ولكنها تحوّلت إلى قوى عظمى، أو على الأقل بلاد محترمة لا تجوع ولا تعرى، وبأبنائها تصنع الحياة الكريمة، وتصدّرها أيضا إلى بقية بلاد العالم.

حالة التوقف والجمود التي عاشتها الجزائر عقوداً طويلة، فصار الجزائريُّ أشبه بالمشلول الذي يصاب بالحساسية، كلما ذُكر العملُ أو الجهد أمامه، تتطلب جزائريين جددا في جميع المجالات يؤمنون بأن بلوغ الجزائر الجديدة تشترط بعض الوقت وبعض الصبر وكثيرا من الجهد، وحينها فقط سيشعر كل جامد بأنه مجرد “ورم” في الجسد “الحراكي المتحرك” وجب عليه أن يذوب إراديا، قبل أن يبيده العلاج الكيمياوي.

وإذا كان بعض أهل الحَراك محقين عندما ينتقدون خطاب الدولة الذي يتحدث عن بناء جزائر جديدة، وضمن البنائين من كانوا في عهدات الدمار والفساد، فإن الشعب أيضا مازال يرى نفسه من أهل الحقوق دون الواجبات، وغير مؤمن بأن التغيير لن يكون إلا إذا غيّرنا ما بأنفسنا، وإلا ستبقى الجزائر الجديدة مثل مفردات سابقة تداولناها مثل: الرجل المناسب في المكان المناسب، وجزائر العزة والكرامة، فنالت منها الألسن، وما نالت منها لا العين ولا الفؤاد.

مقالات ذات صلة