الجزائر
رسالة أضخم استعراض عسكري في ستينية الاستقلال

الجزائر خط أحمر.. الجيش جاهز برّا وجوّا وبحرّا

نوارة باشوش
  • 9860
  • 0
جانب من الاستعراض العسكري

كما كان متوقعا، في جو مهيب بعث الطمأنينة في نفوس الجزائريين، استعرضت الجزائر في عيد استقلالها الستين، مكامن قوتها في حفل بهيج انتظم على الواجهة البحرية ببلدية المحمدية بالعاصمة، شهد عرضا لمختلف الأسلحة والعتاد والنخب العسكرية للجيش الوطني الشعبي.
الحفل انتظم في مكان له رمزية لا تخطئها ذاكرة العارف بتاريخ الجزائر الحديث، فالفضاء الذي يحوي جامع الجزائر الأعظم، ومسرح هذه الاحتفاليات، كان مقرا للمقر التبشيري للكاردينال شارل مارسيال لافيجري، الذراع الديني الكنسي للاستعمار الفرنسي، في رسالة خاصة عابرة للبحر المتوسط، حيث لا يزال الحالمون بـ”جزائرية فرنسية” يتباكون على ضياع “الإلدورادو”.
عقارب الساعة كانت تشير إلى السادسة صباحا، عندما تكفلت طائرات الهليكوبتر، بإيقاظ سكان العاصمة، لاسيما القاطنين في “المحمدية” وما جاورها من أحياء، بعد أن ظلت تحوم على ارتفاع منخفض في سماء زرقاء مرفوقة بأشعة الشمس التي كانت تسطع بين الحين والآخر. وصولنا إلى عين المكان جعلنا نقف على إنزال غير مسبوق للقوات الأمنية من مختلف التشكيلات التي احتلت جميع الأزقة والأرصفة، المؤدية إلى مكان الاستعراض، الذي تزين بالأعلام الوطنية وصور شهداء الثورة التحريرية، فيما اكتست كل الشوارع “الحلة الزرقاء” من خلال انتشار عناصر الشرطة وسيارات ومدرعات مكافحة الشغب في كل حدب وصوب، فيما سدت جميع المنافذ والمداخل عاصمة البلاد من طرف أصحاب البذلة الخضراء، من دون الحديث عن جزء كبير من عناصر الأمن الذين كانوا بالزي المدني.
ما سجلناه هو توافد كبير لجموع الجزائريين، رجالا ونساء، أطفالا وشيوخا، موّشحين بالرايات الوطنية ومرددين شعارات وأناشيد وطنية، والفرحة بادية على وجوههم، كيف لا، وهو يوم أشرقت فيه شمس الحرية على أرض الجزائر بعد أن ارتوت بدماء الشهداء الطاهرة، كانت كل قطرة منها وصمة عار تطبع جبين المحتل، وعز وشرف تكتب لصالح بلد المليون ونصف المليون شهيد.
وفي حدود الساعة العاشرة صباحا، وصل رئيس الجمهورية إلى موقع الاستعراض في موكب رسمي، أرفق بإطلاق 60 طلقة مدفعية بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لعيد الاستقلال، حيث حظي باستقبال كبير من قبل الجماهير الحاضرة بعين المكان.
وقد بادل الرئيس تبون آلاف المواطنين التحية ووقف مطولا أمام الجماهير التي توافدت إلى منتزه “الصابلات” منذ ساعات الصباح الأولى لحضور هذا الاستعراض.
وقبل التحاقه بالمنصة الشرفية والاستماع إلى النشيد الوطني، قام رفقة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، بتفتيش المربعات المشاركة في هذا الاستعراض والتي يناهز عددها المائة مربع، تمثل كافة قوات الجيش الوطني الشعبي، ليعطي إشارة انطلاق الاستعراض وسط حضور رسمي لضيوف الجزائر من رؤساء وشخصيات مختلف الدول الشقيقة والصديقة.
ويتعلق الأمر بكل من رئيس الجمهورية التونسية، قيس سعيد، رئيس دولة فلسطين، محمود عباس، رئيسة جمهورية إثيوبيا، ساهلي وورك زودي، رئيس النيجر، محمد بازوم، رئيس جمهورية الكونغو، دونيس ساسو نغيسو، رئيس الجمهورية العربية الصحراوية، الأمين العام لجبهة البوليساريو، ابراهيم غالي، رئيسة مجلس الشيوخ الإيطالي، ماريا اليزابيتا ألبيرتي كازيلاتي، وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، وزير التسامح الإماراتي، نهيان بن مبارك آل نهيان، إلى جانب الحضور الشعبي المهيب.

“الجيش ـ الشعب خاوة” وصقور الجو يبهرون الحضور


وسط هتافات المواطنين لحظة عبور مروحيات الجيش، مرددين “جيش ـ شعب .. خاوة خاوة”، انطلق الاستعراض الضخم بالقوة الضاربة للجيش المتمثلة في سلاح الجو، حيث تقدمت أزيد من 100 طائرة حربية وقتالية من مختلف الأصناف وآخر الطراز، مشكّلة في سماء “المحمدية” لوحة فنية أطلقت من خلالها ألوان الراية الوطنية، رمز الهوية والاستقلال والانتماء للوطن المفدى، يؤديها نسور الجو الأشاوس وفاء منهم للعلم الوطني رمز الأمة ووحدة الشعب، ووفاء لتضحيات الشهداء الأبرار والمجاهدين الأخيار.
كما أقحمت طائرات من الجيل الرابع “سوخوي 30م ك أ” مكونة من ثماني طائرات للإسناد والتوغل، بالإضافة إلى تشكيلات مختلفة من المروحيات والحوامات وطائرات النقل التكتيكي والدعم الناري والمناورة والبحث والإنقاذ والمراقبة الجوية والحماية المدنية.
إلى ذلك، شهدت سماء الجزائر الاستعراض الجوي من خلال تشكيل جوي يتكون من 3 طائرات استطلاعية متعددة المهام، “ب أ 1900” ، الموجهة لمهام الاستطلاع الجوي والمراقبة الجوية، من خلال عبور يجسد الانسجام بين الأطقم والسيطرة الجوية المحكمة في الأجواء للسيادة الوطنية.
وفي أجواء الاستعراض، حلقت أيضا طائرتان من دون طيار من طراز CHB4، موجهة لمهام الاستطلاع والمراقبة الجوية، وكشف وتدمير الأهداف الثابتة المتحركة، بفضل تجهيزاتها الحديثة وأسلحتها المتطورة، كما تم عرض وحدة فرعية من دبابات القتال تي 62 المعصرنة، بأبراج بيريزوك، وتخصص لتدمير الأهداف خفيفة التدريع والأفراد، مزودة بمدفع “A42” وقاعدتين لإطلاق الصواريخ، كل قاعدة بها صاروخين، من نوع كورنيت لتدمير الأهداف ذات التدريع المدعم، مزودة بقاذف قنابل أوتوماتيكي “AG30” ورشاش خفيف “CH4B”.
وبالمقابل، فإن هذا الاستعراض الكبير أراد من خلاله صقور الجو الأشاوس، الذين كانوا يقودون مختلف المقاتلات الجوية متعددة المهام في جولات طيران بالقرب من “المسجد الأعظم” بطريقة متوازية ومسارات متماوجة، أن يثبتوا للجميع أعلى درجات الاستعداد وتحقيق التوافق والتكامل العملياتي ورفع الجاهزية العملياتية والتدريبية لعمليات الإسقاط الجوي التكتيكي، مصرين على تقديم رسالة لمن يهمه الأمر على “جاهزية” حماية الإقليم الجوي الجزائري من كل التهديدات والمخاطر التي تحدق به.

مجاهدو ثورة التحرير حاضرون
في صورة تقشعر لها الأبدان، فاجأ منظمو الاستعراض المتابعين بدخول تشكيلة من رجال الجيش وهم يرتدون لباس مجاهدي ثورة التحرير الكبرى، عرفانا للرجال الذين رفعتهم البطولة إلى السماء، إلى جوار الأبرار والصديقين، متبوعين بمربع أشبال الأمة الذين يمثلون “الذخيرة” و”خزان” ضباط الجيش، في إشارة إلى انتقال قيم جيش التحرير الوطني عبر الأجيال.

مغاوير قوات الجيش في الصدارة


“غردي يا جزائر وافخري فأرضك أنجبت أبطالا أحرارا.. حل الاستقلال وأشرقت عروس الحرية.. وعلى أرض المليون ونصف المليون شهيد يعم الاستقرار”، بهذه العبارات شرعت القوات المشاركة والمكونة من مربعات في الخروج تباعا وتتقدمهم القوات الجوية التي تمثل “صقور الجو” التي تحمي سماء الجزائر، يليها مربع قوات الدفاع عن الإقليم وهي بمثابة المظلة لتغطية الوطن من الأعداء ثم القوات البحرية التي يقهر ربانها الصعاب ويحفظون عزة الوطن والكرم، لتأتي قوات الدرك الوطني الذين يسهرون على أمن المواطنين وممتلكاتهم ليلا ونهارا.
ضباط المدرسة العسكرية المتعددة التقنيات هم بدورهم شكلوا مربعا خاصا بهم، مؤكدين أنهم يشكلون حصانة للجزائر ويعطون الأمان للجزائريين، فيما أثبت مهندسو المديرية المركزية للعتاد أنهم اليد الطولى للحفاظ على معدات الجيش وصيانتها، مقابل التحدي الذي رفعه ضباط دائرة الإشارة وأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية في خوض المعركة التكنولوجية الحديثة والتصدي لأعداء الجزائر في العالم الإلكتروني والافتراضي.
ودون أن ننسى من هم ساهرون على أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم في المناطق الحضرية، رجال الأمن الوطني الذين شكلوا مربعا متناسقا بطريقة تؤكد أنهم مستعدون للتضحية من أجل ضمان الأمن وراحة الجزائريين في كل زمان ومكان، محاطين برجال الحماية المدنية الذين يمثلون العين الساهرة لحماية المواطنين، ومستعدون لتقديم التضحية من أجلهم في الطوارئ وكل الظروف، ليتقدم من تقع على عاتقهم مسؤولية حماية الاقتصاد الوطني من الفساد ومختلف الخروقات وهم من فئة الجمارك.
وسيُجت مربعات الاستعراض بالرجال المغاوير من القوات الخاصة الذين يشكلون الدرع الحصين للجزائر بقوتهم البدنية والسرعة في التدخل والحزم في الفعل ورد الفعل في قلوبهم قوة لا تخاف الموت وأمنيتهم أن يراهم الله في ساحة الفداء، لتتبع برجال يصنعون فرحة الجزائريين ويمتعهم بأنغام على سمفونية تقليدية لأناشيد جزائرية، إنهم فرقة المزاود التابعة للحرس الجمهوري والتي أدت وصلات موسيقية شهيرة من الموسيقى الجزائرية الأصيلة، تعالت فيه الزغاريد مذكرة بلحظات تشييع الشهداء، وأفراح الحرية والانعتاق.

مدرعات ودبابات وصواريخ لمن يتجرأ ..


وتضمن الاستعراض العسكري الضخم أيضا عرضا لأرتال من دبابات ومدرعات القوات البرية وعربات قتالية، حيث شاركت دبابات “تي 55 وتي 72″معصرنة، وهي دبابة قتال رئيسية، تتخصص لتدمير الأهداف المدرعة وخفيفة التدريع، مزودة بمدفع A242 وطلقة صاروخ موجه OG ورشاش مواز ورشاش مضاد للطائرات، ومنظومة لتوليد الستائر الدخانية، كما تم استعراض دبابات القتال T90 والتي تعتبر من أحدث الدبابات مجهزة بأحدث التجهيزات، ومزودة أيضا بنظام التشويش الالكتروني.
وتقدمت بجانب المنصة الشرفية، وحدة فرعية بقوام سرية استطلاع على متن العربات القتالية FOX2 وهي عربة مدرعة سداسية العجلات، تستخدم للقيام بالمهام الاستطلاعية، مزودة بنظام الحماية ضد أسلحة الدمار الشامل. وكذا بنظام تحديد الموقعGPS، بالإضافة إلى منظومة إطفاء الحريق أوتوماتيكيا.
وفي غضون ذلك، تقدم فرع آخر للوحدات الفرعية لسلاح المدرعات BMPT ذات القدرة العالية على المناورة، مزودة بأسلحة قوية وفعالة وأجهزة متطورة لقيادة عمليات إخماد النيران، وبحماية ديناميكية مدرعة ضد الوسائل المضادة للدروع، تناور بجانب المدرعات وتسديدها، خلال مختلف أنواع القتال في جميع الأراضي، وخاصة منها المناطق الحضارية، قبل أن يليه سلاح لا يقل أهمية عن الأول، وهو سلاح المشاة الميكانيكية، حيث تقدم على متن العربات القتالية المجنزرة “2 BNP ” مهمتها إبادة القوى البشرية المعادية، في الآراء وخلف السواتر، ولتدمير الدبابات والعربات المدرعة. وهي مزودة بمدفع من طراز A242 ورشاش خفيف وقاعدة لإطلاق الصواريخ الموجهة المضادة للدروع برق.
كما حضرت أيضا منصات صواريخ برق ومدفعية صاروخية صمارش ب م – 30 وقذائف طوس 220 مم ومنظومة الدفاع الجوي س 300 وعربات قتالية مزودة بمنصة إطلاق الصواريخ “كوكو رس”، على غرار مدرعة القتال T 62، متبوعة باستعراض استعراض سارية مشاة ميكانيكية على متن العربات القتالية المعصرنة الجيل الأول وهي عربة قتالية مجنزرة لنقل أفراد المشاة، ولإبادة القوى البشرية المعادية في العراء وخلف السواتر، ولتدمير الدبابات والعربات، وهي مزودة بمدفع من طراز 2A42. ورشاش خفيف وقاعدتين لإطلاق الصواريخ الموجهة المضادة للدروع برق وقاذف القنابل AG30.، فيما تم تجهيز محطة الرمي بقاذف قنابل الدخان وبجهاز قياس المسافة وكاميرا حرارية للرؤية الليلية، وأخرى للرؤية النهارية.

القوات البحرية… جاهزية تامة لقلب الموازين


وفي نهاية الاستعراض الذي تخلله إنزال مظلي لتشكيلة من الفريق الوطني العسكري للقفز المظلي ذكور وإناث وعرض تشكيلات من فرق الدراجات النارية التابعة للدرك الوطني، فُسح المجال للاستعراض البحري، حيث شاركت القوات البحرية في المياه المقابلة للمنصة بنماذج من أسطولها البحري على شاكلة الغواصات المجهزة بصواريخ بحرية وقطعتي أعالي البحار المساند والمنجد والغرابان متعددي المهام الظافر والفاتح والفرقاطة الرادع والقورصو وسفن حربية أخرى، من شأنها تغيير قواعد اللعبة وقلب الموازين على القوى العظمى التي كانت تنطبق عليها مقولة “من يملك البحر فهو يملك العالم”.
وأبُهر الحضور بإبحار السفينة الشراعية المدرسة “زورق الملاح 938” المزودة بتقنيات متقدمة في مجال الملاحة البحرية، وهي تستخدم لأداء مهام تكوينية وتدريبية متعددة، على غرار تأهيل الطلبة الضباط لممارسة الملاحة في ظروف الإبحار الصعبة.
كما لفت انتباههم سفينة الحربية قلعة بني عباس التي يمكنها حمل عدّة حوامات وعربات بريّة دفعة واحدة، ويمكن استعمالها كمركز قيادة متنقّل في المعارك البحرية، كما تستخدم لإنزال القوات البرية على الشواطئ غير المهيأة.

مقالات ذات صلة