-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر وفلسطين وهرطقات سدنة المخزن

سمير خلف الله
  • 1678
  • 0
الجزائر وفلسطين وهرطقات سدنة المخزن

إن نظام المخزن لا يمكن أن يكون، نصيرا للقضايا العادلة، ولا للشعوب المضطهدة، ذلك أنه يقف في الجهة المقابلة، لمطالبها الشرعية والمشروعة، لكونه يعتنق عقيدة استعمارية توسُّعية، تحوَّل معها إلى دولة استعمارية بامتياز. وعليه فهو يرى بأن مكانه الطبيعي، ليس إلى جانب القضية الفلسطينية، ولا إلى جانب المضطهَدين. وإنما إلى جانب الكيان الغاصب، لأنهما يشتركان في نفس العقيدة. فكما أن لا أحد منا يتصور وقوف يابان ما قبل 1945، إلى جانب المستضعفين، لأنه هو نفسه كان خلال تلك الفترة دولة استعمارية، لا لشيء سوى لتبنيه العقيدة التوسعية الغربية.
كذلك حال نظام المخزن اليوم، فهو يتبناها ويتبنى نفس عقيدة وسردية الكيان الغاصب. ولذلك فقد ربط وجوده ومصالحه به، منذ تأسيس هذا الكيان، وبعد استقلاله (المغرب) لم يجهر بمد جسور المودة جهارا، فالمرحلة كانت مرحلة تصفية استعمار ومد ثوري، فجارى الواقع إلى أن تبدلت المعطيات والظروف. أما أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق فينظر إليهم نظرته للغريب وللآخر البعيد، نظرة تماثل نظرته للصحراويين. وهنا نجده يتقاطع مع الصهاينة، الذين تربطه به صلة رحم ودم، مفادها أن قرابة المليون من سكان الكيان الغاصب من اليهود المغاربة، قرابة يلاحظ أنه يفاخر بها، كأنه لا يعلم بأن لا ولاء لليهود، إلا لمصالحهم ولتوراتهم وتلمودهم.

إن من يرى كيفية تعامل المخزن مع القضية الفلسطينية، يلاحظ بأن هناك إشارات قوية، تخبر بأنه لا يمكن للفلسطينيين، التعويل عليه مطلقا، أو بناء أمال كاذبة، فيما يخص نصرته للقضية الفلسطينية، حتى لو ترأس كبيرُهم وملكهم “لجنة القدس” التي ما هي إلا واجهة للضحك على المغفلين، وتلميع صورة المخزن، عبر الادّعاء الزائف بنصرة القضية الفلسطينية.

ونحن هنا نتحدث عن المخزن لا عن الشعب المغربي الشقيق، المطحون والمسحوق بنظام بوليسي قمعي لا يتوانى عن استخدام القوة وأبشع أنواع الاضطهاد، والتنكيل لقهر المغاربة. إن المظاهرات الأخيرة التي اجتاحت 36 مدينة مغربية رفضا للهرولة والانبطاح، أثبتت أن الشعب المغربي يسعى جاهدا لكي لا ينخرط في مشروع التطبيع الذي يراهن عليه جلالته، ولهذا فالمشكلة ليست مع الشعب المغربي، وإنما مع نظامه الفاسد الذي تقوده عصابة من الفاسدين.
إن التاريخ يخبرنا بأن خيانة المخزن للقضية الفلسطينية ليست أمرا طارئا أو استثنائيا، فهذا التوجُّه هو ديدن حكام المغرب الأقصى، مع ما سبقها من قضايا الأمة المصيرية. فالذي يستقرأ التاريخ، يجد بأن سجلّ المخزن، كان ولا يزال حافلا بالخيانات للقضايا العادلة. ونحن هنا لا نعمِّم وإنما نتحدَّث عن حكام، كانوا استثناء كمحمد السادس ووالده، وهذا ما سجَّله عنهم التاريخ الذي لا يمكن تغييره بأثر رجعي.

ولذلك وكتحصيل حاصل، فإنه ليس من المستغرب تحالفه الاستراتيجي مع عصابات تل أبيب. وإن كان تحالف السيد مع العبد، والآمر مع المأمور، لا تحالف الأنداد والأكفاء والعدلاء. ولذلك فالأمر منطقي، فهو لن يتجه صوب من اتخذهم أعداء، وصوب من يناصرون القضايا العادلة، وحقوق الشعوب المحتلة. إنما هو حتما سيوجه نظره، صوب المستعمِرين أمثاله، ممن لا يخجلون من عار الاستعمار.

أخيرا نقول إنه يتوجب على المخزن أن يتوقف عن ممارسة خطيئة الشحن وتلفيق الأكاذيب ضد الجزائر، وزرع العداوة وروح الاحتقان، ضد كل ما هو جزائري. كم هم حمقى، هؤلاء الذين أوحوا، للملك بأنه يمكن استنساخ ذلك الوضع البائس، الذي كان قائما بين فرنسا وألمانيا، عقب حرب 1870 م واسقاطه على الجزائر. في محاولة يائسة لشحن الرأي العام المغاربي والافريقي، والعربي والدولي ضدها، وتصويرها بصورة العدو رقم واحد للقوى الدولية ولمصالحها، وشيطنتها تمهيدا للقضاء عليها. هذه لعبة حقيرة، ودرس تعلمناه ونحفظه جيدا، ومن المحال أن تنطلي خطط المخزن الساذجة على أحد.

كما أنه يتوجب عليه أن يتوقف عن زرع ثقافة الكراهية وحالة التحارب، التي أعلنها من جانب واحد ضد الجزائر. وأن يُلجم صحافته التي تعتاش على الأكاذيب وزرع روح الحقد والكراهية، وأن يتصدر المشهد العقلاء والحكماء الذين غيِّبوا من قبل.

يتوجب على المخزن أن يتصالح مع ذاته ومع محيطه الطبيعي الذي هو حاضنته، والسدّ الذي يحول بينه وبين أعدائه. أمّا الكيان الغاصب، فلا ينظر إليه سوى كونه أداة يوظفها لخدمة مصالحه، ثم يرميه عندما تنتفى الحاجة إليه. هذا هو تاريخ ما يسمى “إسرائيل”، لا صديق ولا حليف، وإنما مصالح ثابتة ومعها تتغير الولاءات والتحالفات.

وكيف للمخزن أن ينسى بأن الكيان الغاصب راحلٌ لا محالة كما رحل الرومان والوندال والبيزنطيون، والاسبان والفرنسيون، ويومها ماذا سيفعل باتفاقيات العار التي وقّعها معه، وبماذا سيبرر وماذا عساه أن يقول؟ نعم بعد زوال الكيان الصهيوني ماذا سيفعل المغرب، بكل هذه القنابل التي زرعها في المنطقة؟ وكيف لنظام المخزن أن ينسى بأن السلالات راحلة والثابت الوحيد هي شعوب المنطقة. ترى أين هم الأدارسة والمرابطون، والموحدون والمرينيون والسعديون؟ لقد رحلوا جميعا، وكذلك سيلتحق بهم العلويون وإن طال الزمن. ولو نجح انقلاب الصخيرات، لما وجد الملك بيومنا هذا عرشا يجلس عليه، ولكنا نراه يتسكع في إحدى العواصم الغربية. مثله مثل من سبقوه، كالملك فاروق وشاه إيران، والقائمة طويلة.

نعم إن شعوب المنطقة هي وحدها الباقية، ولهذا لا يجوز للملك أن يبني بينها الأسوار، أو أن يحفر خنادق الأحقاد والكراهية. بل الواجب أن يسعى ليجعل العلاقة بينها، علاقة تعاون ووفاق لا صراع وعداء. فهذا هو الرهان الوحيد لتحقيق رفاهية الجميع. أمّا عقلية التباغض والتحاسد، التي يتبناها المخزن، فلن تترك وراءها سوى الخراب واليباب. ولذلك فنظام المخزن، مطالب بأن يتصالح مع ذاته. كما فعلت ألمانيا بعد 1945، ذلك أنه لا خيار له غير هذا، فلا هو يستطيع تغيير الجغرافيا، ولا هو يستطيع نقل جغرافية جيرانه بعيدا عنه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!