الرأي

الجمعية المغضوب عليها وغير الضالة

بالأمس مرّ تسعون عاما منذ وفّق الله –عز وجل- طائفة من خِيرةِ عباده الجزائريين وسراتهم إلى تأسيس ما وفّقني الله -عز وجل- إلى تسميتها: “خير جمعية أخرِجت للناس”، ولا أعني إلا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي ما تزال شمسُها بازغة، ونورُها ساطعا، رغم محاولات إطفاء ذلك النور من فرنسا قديما ومن ورثتها في الجزائر حديثا.

منذ أُسِّست هذه الجمعية المباركة في 05/05/1931، على تقوى من الله ورضوان، وهي “في قائمة المغضوب عليهم”، كما سمّى الـأستاذ أحمد حمدي ديوانَه الشعري.

هي –والحمد لله- ليست مغضوبا عليها من الله –عز وجل- ولا من عباده الصالحين، لأنها ما أسِّست إلا للدعوة إلى دين الله الحق، وصراطه المستقيم، ومُنابَذة أعدائه الخارجيين، وخصومه الداخليين، الذين غلبت عليهم شقوتُهم، واتّبعوا شهواتِهم، وباعوا أنفسَهم لفرنسا وللشيطان بثمنٍ بخس، فكان جزاء الجميع أن غضب الله عليهم. وأمْرُهم إليه يوم يقال: (لمن الملكُ اليوم) فيتمنّون أن لو يكونوا تراباً.

ظنّت فرنسا الطاغية الصليبية أن أولئك “الأشياخ النّجب” هم كمن عرفت من أشياخ باسطي الأذرع، مادّي الأيدي بوصيدِها، فرخّصت لهم تأسيس هذه الجمعية، وما درت إلا بعد أمّةٍ قصيرة أنّ مسماراً  كبيرا قد دُقّ في مخططها الصليبي اللئيم في الجزائر المسلمة المجاهدة.

للأسف كان ضمن الأعضاء المؤسسين لجمعية العلماء عددٌ قليل سمّاعون لفرنسا، وأعْيُنٌ وآذانٌ لها، وهم أطوع لها من أبنائها، وهؤلاء هم الذين أوعزت إليهم بعد عام على تأسيس الجمعية أن يُخبِلوا أمرَها، ويُفشلوا مشروعها، ويُفسدوا عملها، ناسين أن الله –عز وجل- (لا يُصلح عمل المفسدين)، ولو تظاهروا بالإسلام، وتسمّوا بـ”السُّنَّة” التي ما كانت إلا  “سُنّة كسكسية” كما سماها الإمام الإبراهيمي.

لما فشل أولياءُ فرنسا في مواجهة مشروع أولياء الله، وبدت سوءاتُهم، في موالاة فرنسا الصليبية، تولّت هي نفسها منازلة هؤلاء المجاهدين العزّل إلا من سلاح الإيمان القويّ بالله، والثقة بنصره، والعزيمة في مواجهة المخطط الصليبي الفرنسي.

فرضت فرنسا رقابةً شديدة على أعضاء الجمعية، وأحصت حركاتِهم، وسكناتِهم، وأنفاسَهم، ومسّتهم بنُصبٍ وعذاب؛ أغلقت مدارسَهم، سجنت معلميهم، أوقفت جرائدهم، غرّمت أنصارهم، وتردّت بفرنسا الدناءة والخسّة إلى دركة منع بيع الشاي في نوادي الجمعية لإفلاسها.. أليست فرنسا أكثر مكرا وخبثا من الشيطان؟

استعانت فرنسا أيضا في محاربة جمعية العلماء بهؤلاء “الجزائريين” الذين سمّاهم شعبُنا الأصيل “مخلوقات الفرنسيين” ممّن أشرِبوا حبَّ فرنسا، وثقافتِها الخليعة، وأخلاقِها الذميمة، وفلسفتِها الملحدة من شيوعية ووجودية الخ.. واستعانت حتى ببعض “محتكري الوطنية” و”مُدَّعيها”.

ولكن الجمعية صبرت وصابرت وجاهدت بكل وسيلة حتى جاء نصرُ الله، وغُلب هنالك المبطلون، وعلى رأسهم فرنسا، ورجعت الجزائر إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

وجاء عهد “الاحتقلال” فظننَّا أن شمس الجمعية ستزداد إشراقا، وإشعاعا، ونورا، لخير الجزائر والجزائريين، فإذا ببعض من تولّوا قيادتها كانوا للجمعية أشدَّ عداوة من فرنسا، فحرموا الجزائريين من خيرٍ كبير، وكانت نتيجة ذلك كله ما تعانيه الجزائرُ اليوم في مختلف الميادين. والفرق بين الفريقين أن فرنسا كانت تحارب الجمعية بعلمٍ وعن علمٍ، وهؤلاء يحاربونها بجهلٍ وعن جهلٍ.

عزاءُ أعضاء الجمعية قديما وحديثا أنها “ليست ضالة”، لا في دين ولا في دنيا، ولم يبيعوا أنفسهم بنفيس فضلا عن رخيص.

فرحم الله، ورضي، وأرضى، أولئك الأشياخ النّجب، الذين أسّسوا، والذين نشروا ووسّعوا مبادئ الجمعية وقيمَها، وحيّا الله الذين ورثوا ذلك الميراث النبيل وهم قابضون عليه كالقابض على الجمر، وإنهم واثقون بنصر الله في الدنيا، والفلاح يوم يقال لهم: هاؤمُ اقرأوا كتابكم.

مقالات ذات صلة