الرأي

الحاخامات والدعاة!

لم يُفاجَأ متتبعو الحدث الفلسطيني برد فعل الحكومات ولا الشعوب في العالم الإسلامي، فهي متشابهة تقريبا منذ سنة 1948 إلى الآن، فقد لخّص الوضع الشاعر السوري الراحل نزار قباني في قصيدة: “متى يعلنون وفاة العرب”، فأكد في أبياتها بأنهم يُرعدون ولا يُمطرون ويدخلون الحروب ولا يخرجون وهم يعلكون جلود البلاغة ولا يهضمون، ولكن الجديد هذه المرة هو المواقف المخجلة من الكثير من الذين أسموا أنفسهم، برجال الدين والدعاة وحتى فقهاء ومفتين، من مختلف الفرق الإسلامية من كل البلاد، حتى تكاد تظن بأن بعضهم ليس مطبّعا فقط وإنما ينتمي لتيار صهيوني، أكثر دفاعا عن الصهيونية من الإسرائيليين أنفسهم.

عندما تقرأ تغريدات للاعبي كرة من العرب والمسلمين ينشطون في أندية كبيرة على غرار رياض محرز متضامنا مع الفلسطينيين في محنتهم، ونقرأ تغريدة من دعاة ومحسوبين على الدين الحنيف من أمثال وسيم يوسف الذي استنكر إمطار تل أبيب بالصواريخ، نتساءل عن الجامعات الإسلامية التي كوّنت هؤلاء، وهم أقل وعيا من رجل مهنته الوحيدة هي لعب الكرة؟

الطامة الكبرى ليست فقط في دعاة ورجال دين ينتمون إلى مختلف الطوائف والمذاهب من الذين أعلنوا صراحة تأييدهم للتطبيع مع إسرائيل وشجب كل أشكال المقاومة وإسقاطهم لفريضة الجهاد، وإنما في الصامتين أو الذين يؤدون دورهم التوعوي بشكل روتيني يخيّل لنا بأنه تحت الطلب أو مُتحكَّمٌ فيه عن بُعد، إذ لا يتقن أحسنهم غير تكرار أدعية مكتوبة قرأها على مسامع الناس في اجتياح لبنان سنة 1982 وكلما تعرضت غزة للقصف والقدس للانتهاك، من دون أي تحديث أو اجتهاد لأجل تغيير لبّ الخطاب وطريقة التنبيه.

 وحتى إن كانت النيات طيبة، فإن مواجهة العدوان الوحشي بالأدعية فقط، هو أمرٌ غير كافٍ دائما، خاصة إذا كان العدوان متواصلا ومتجددا منذ أكثر من سبعين عاما.

ما يقوم به حاخامات الدولة العبرية لصالح قضيتهم، وتطورهم وإلمامهم بالعلوم الدنيوية ودراساتهم المتواصلة إلى أرذل العمر في كل العلوم هو الذي جعلهم يتطورون ويقفون إلى جانب الكيان الصهيوني، يقودونه أحيانا في الكثير من أفعاله وحتى في تطوره في المجالات العلمية والاقتصادية وحتى الفضائية، بينما استسهل الكثير من رجال الدين في البلاد الإسلامية العمل التوعوي والدعوي والجانب الفكري، وصار بعضُهم أشبه بـ”الكومبارس” في الفرقة الغنائية الذي يكرر ما يؤديه المطرب وما يكتبه الشاعر ويلحِّنه الموسيقار، فجاءت أغانيهم، عفوا، خطبهم وتغريداتهم متشابهة، بل لا تختلف إطلاقا عما يقوله أبسط إنسان في العالم الإسلامي.

هناك من يلوم وسيم يوسف أو عمرو خالد أو غيرهما عن مواقفهما السلبية، بل والداعمة لإسرائيل، لكن اللوم على الذين صدَّقوا هذه الظواهر الصوتية ومنحوها الألقاب الدينية، بل ودعوها من أموالهم إلى المنتديات واعتبروها رمزا من رموز الإسلام، وفي الحروب الحقيقية نجدها مثل النعامات إما تدسُّ رأسها في التراب أو تهادن وحوش الغابة.

مقالات ذات صلة