-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحج.. فريضة دينية أم عادة وثنية؟!

خير الدين هني
  • 1448
  • 1
الحج.. فريضة دينية أم عادة وثنية؟!

أصبح التشكيك اليوم يمثل مدرسة قائمة بذاتها، وهي المدرسة التي تأثر أصحابها  بالمدارس المادية والنفعية، ممن تفسر قوانين الطبيعة تفسيرا ماديا وليس تفسيرا روحيا، وقد امتلأت بهؤلاء الرهط  فضاءات القنوات الخاصة والوسائط التكنولوجية، إذ أصبحوا يشكلون طابورا توليفيا، يأخذ بعضهم عن بعض، ضمن محاور تضليلية واحدة، جعلهم يرددون مقولات مرجفة استنسخها متأخروهم عن متقدميهم، في ترانيم مزجاة أخذت إيقاعا صوتيا واحدا، منذ ظهور حركات الزندقة في العصر العباسي الأول، واستمرت تترى إلى يوم الناس هذا.

ولم يكن كلامهم في ترديداتهم، إلا تراكما من تزاحمات أخيلتهم، عنّت لهم عنينا وقد شحنتها نوازع العداء والكراهية والبغضاء للإسلام والمسلمين، لأن كلامهم لا يستند إلى أي منهج علمي رصين، وهم من طالما تغنُّوا بالاستناد إليه في خطبهم وكتاباتهم ومحاضراتهم ودعاياتهم التهديمية، ولا نعلم إن كانوا ملمِّين كثيرا أو قليلا، بخطوات البحث العلمي التي تنتهج في تحليل الظواهر الدينية والاجتماعية والسياسية، أم هي مجرد كلمات استوحوها من المصادر المعادية لمشاريع الأمة، منذ أن هُزم أسلافهم وأشياعهم على أيدي الفاتحين في اليرموك والقادسية ونهاوند، وبلاط الشهداء والزلاقة وحطين، وغير ذلك من المعارك التي بنت أمجاد الإسلام والمسلمين.

ولَشدّ ما يثير أن مقولاتهم المترنمة، لا تحمل أي قيمة منهجية أو علمية أو بحثية أو تاريخية أو دينية، مما  تستدعيه خطوات المنهج العلمي في أي دراسة أو بحث، وإنما اعتادوا على ترديدات غلب عليها منهج التعميم في ارتجال أحكام التشويه والتضليل والإرجاف، وهو أسلوبٌ لا تقره مناهج البحث  المعتمدة  في مجال الدراسات المقارنة في أي منهج من مناهج الدنيا، أو في أي بحث أكاديمي يتسم بالطابع العلمي الموضوعي، إذا لم تكن الدراسة محل البحث غير  ممنهجة في خطواتها، ولا مدقّق في ترتيب عناصرها، ولا ممحّص في طرح فرضياتها، وتحليل علاقاتها،  واستخلاص  نتائجها.

إنّ تحليل الظواهر الدينية تحليلا علميا، لا يكون بالتحليل الإنشائي  الارتجالي، الذي تغلب عليه الانفعالات الشخصية والنزوات الذاتية والاتجاهات الفكرية والنزعات الفردية، الخاضعة لسلطان الأنا القهري، وهو السلطان الذي تتداخل في تكوينه القوى المتصارعة في الذات الإنسانية، بين الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، والحق والباطل، والمصالح الخاصة والعامَّة، مما يجعل صاحب الأنا القهري يعاني من حالة مرضية ميئوس من علاجها في الطب النفسي.

وأعراض الأمراض النفسية الخاضعة للأنا القهري كثيرة، أخطرها مرض جنون العظمة، وهو حالة شعورية تجعل صاحبها يتمركز حول ذاته، ويتظاهر بالتميُّز والتفوُّق في خصائصه المتفرِّدة، ويزداد الأمر سوءا إنه لا يعلم بأنه يعاني من أزمة نفسية خطيرة، إما من نوازع الكبت والانطواء، أو من عقدة الغرور والاستعلاء، أو من نرجسية الشعور بالتفوق، فتجعله ينزع نحو إشباع ميوله وغرائزه، وهذه الحالة الجنونية هي من تجعله يبحث عن التعويض لإبراز ذاته المتفوقة، فتنشأ في نفسه غريزة الميل إلى عبادة الذات وحب الظهور وطلب الشهرة، لذلك شُ حنت نفسه بمشاعر الكراهية والبغضاء والروح العدوانية لكل مقدس، فيتمرد على الدولة والمجتمع والدين والأخلاق والقيم والمُثل العليا، لأن نفسه المريضة لا ترى شيئا جميلا في الوجود إلا ذاته.

وهذه الحالة المرضية، هي ما يعاني منها المتمردون على الدين والأخلاق والمجتمع، لذلك جعلوا من أنفسهم معاول هدم لكل قيمة لها اعتبار ديني أو أخلاقي أو وطني أو قومي، فاتخذوا من الارتجال في التحليل منهجا لدعايتهم التضليلية، وأهملوا خطوات المنهج العلمي التي تجلي الحقائق على صورها الحقيقية، وعناصر المنهج العلمي تختلف باختلاف  موضوع الدراسة.

ومن خطواته المعيارية في تحليل الظواهر الدينية، أن تعتمد على تحليل الخلفية المرجعية للظاهرة ومقارنتها مع نظرائها من الظواهر المشابهة لها في البنية التركيبية والتصورية والغائية، من طريق وضع شبكة مصفوفية من العلاقات بين عناصر الظواهر المتشابهة وغير المتشابهة، ثم تفرز البيانات في أعمدة متقابلة ضمن جداول الإحصاء المعياري، وتستخلص نتائج الدراسات بالمقارنة بين العناصر، كيما تبرز حقائق التوافق والتشابه والاختلاف بين الظواهر الدينية محل الدراسة.

وحينما نحلل مقولات أصحاب المدارس التشكيكية، على ضوء ما يطرحونه من أفكار خطلة مستهجنة، نجدها تفتقر إلى أبسط المعايير المنهجية والعلمية في تحليل مقولاتهم، وهم من يحلو لهم تسمية أنفسهم “علميين متنورين حداثيين”، إذ إن الحداثة الفكرية ليست مقولات تلوكها ألسنة المتعطشين لفوضى الكلام، وإنما هي فلسفة ثورية تُبنى تصوراتها المعرفية على المدركات الحسية المعلَّلة بالأدلة والبراهين، ولغة المنطق التي لا تضادّ في علاقات بنياتها التركيبية.

ويكون ببناء شبكة من العلاقات الموضوعية، بين عناصر موضوع الدراسة، ثم يتمّ طرح كل فكرة تتناقض فيها التصورات، ولا يترك في شبكة العلاقات إلا التصورات التي ترتبط فيما بينها بروابط المنطق، وهي الروابط التي لا يقع تناقضٌ بين عناصرها.

ولذلك حينما نجعل فريضة الحج كما شرَّعها الإسلام، محل دراسة مقارنة مع العادات الوثنية التي لبّسها بالحج متطرفو الفكر من المتشككين، نجد مقولاتهم لا تستند إلى أي دليل يدعم مذاهبهم ، لأن الأصل الذي بُنيت عليه فريضة الحج هو أصلٌ شرعي وليس وثنيا، وشعائر الحج التي تمثل عناصر الدراسة، تختلف في مضامينها وغاياتها عن عناصر العادات الوثنية، لأن البيت الذي يُـنسب إلى الله نسبة تشريف، وليس نسبة إيواء وراحة وحماية من عاديات الطبيعة، هو معلمٌ أرضي جعله الحق سبحانه، مثابة للمؤمنين (مرجع)، يجتمعون فيه ليذكروا الله كثيرا في أيام معدودات وفي أمكنة محددة تحديدا توقيفيا.

وكل شعائر الحج التي شرَّعها الحق سبحانه على أيدي رسله، إبراهيم وإسماعيل ومحمد عليهم أفضل الصلوات وأزكى التسليم، توحد الله وتعظّمه و تنزّهه عن المشابهة والمماثلة، والأساس الذي ينعقد به ركن الحج هو النية الخالصة لله وحده دون شريك، “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”.

وعمرو بن لَحْيّ سيد خزاعة سادنة البيت، هو أول من أحدث في دين إبراهيم، وأول من أدخل الوثنية إلى بلاد العرب، وأول من أمر أهل مكة بعبادة الأصنام من دون الله سبحانه، بعدما جلبها من الشام ووضعها حول الكعبة، وهبل من جملة هذه الأصنام، وأول من سيّب السوائب، والسائبة هي الناقة التي تطلق بغير قيد لتأخذ مرعاها، وهي التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يُحمل عليها شيء، وأول من بحّر البحيرة، وهي التي توقف على  الأصنام،  فلا يحلبها أحدٌ من الناس، وأول من قرب القرابين إلى  الآلهة عند إساف ونائلة، وليس لله سبحانه، كما كان في دين إبراهيم وإسماعيل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “رأيتُ عمرو بن لحي يجرّ قصبه في النار”. ومع مرور العصور غيّروا مناسك الحج، وأوقفوها على آلهتهم، ومناسك الحج توقيفية كبقية مناسك الصلاة والصوم وسائر العبادات.

وهذا ما أغفله متطرفو الفكر من أصحاب المدرسة التشكيكية، ليحرفوا الإسلام بالعماية والتدليس “واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون”. وغيَّروا تلبية التوحيد فجعلوها تلبية وثنية وشرك، قال اليعقوبي في تاريخه (1/296): “وكانت العرب إذا أرادت حج البيت الحرام وقفت كل قبيلة عند صنمها، وصلّوا عنده ثم تلبّوا حتى تقدّموا مكة، فكانت تلبياتهم مختلفة:

كانت تلبية قريش: لبّيك، اللهم، لبّيك! لبّيك لا شريك لك، تملكه، وما ملك.

وكانت تلبية كنانة: لبّيك اللهم لبّيك! اليوم يوم التعريف، يوم الدعاء والوقوف.

وكانت تلبية بنى أسد: لبّيك اللهم لبّيك! يا رب! أقبلت بنو أسد أهل التوانى والوفاء والجلد إليك.

وكانت تلبية بنى تميم: لبّيك اللهم لبّيك! لبّيك لبّيك عن تميم قد تراها قد أخلقت أثوابها وأثواب من وراءها، وأخلصت لربها دعاءها.

وكانت تلبية قيس عيلان: لبّيك اللهم لبّيك! لبّيك أنت الرحمن، أتتك قيس عيلان راجلها والركبان.

وكانت تلبية ثقيف: لبّيك اللهم! إن ثقيفاً قد أتوك وأخلفوا المال، وقد رجوك.

وكانت تلبية هذيل: لبّيك عن هذيل قد أدلجوا، بليل في إبل وخيل.

وكانت تلبية ربيعة: لبّيك ربنا لبّيك، لبّيك! إن قصدنا إليك، وبعضهم يقول: لبّيك عن ربيعة، سامعة لربها مطيعة.

وكانت حمير وهمدان تقولان: لبّيك عن حمير وهمدان، والحليفين من حاشد وألهان.

وكانت تلبية الأزد: لبّيك رب الأرباب! تعلم فصل الخطاب، لملك كل مثاب.

وكانت تلبية مذحج: لبّيك رب الشعرى، ورب اللات والعزى.

وكانت تلبية كندة وحضرموت: لبّيك لا شريك لك! تملكه، أو تهلكه، أنت حكيم فاتركه.

وكانت تلبية غسان: لبّيك ربّ غسان راجلها والفرسان.

وكانت تلبية بجيلة: لبّيك عن بجيلة فى بارق ومخيلة.

وكانت تلبية قضاعة: لبّيك عن قضاعة، لربّها دفاعة، سمعاً له وطاعة.

وكانت تلبية جذام: لبّيك عن جذام ذي النهى والأحلام.

وكانت تلبية عك والأشعريين: نحجّ للرحمن بيتاً عجباً، مستتراً، مضبباً، محجبا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • حقو

    عنوان المقال بهذا الشكل يوحي بانه لازال هناك شك في المعلوم من الدين. من المفروض يجب كتابة العنوان بطريقة تثبت ركنية الحج و ليس تساؤل عن ركنيته ام وثنيته. و مقال كهذا لا يسمن و لا يغني من جوع. لان اركان الاسلام ثابتة و معلومة و ليس هناك اي ضرورة او حتى من باب التعليم اثبات ركنية الحج.