-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الأستاذة الدكتورة فتيحة بوشعالة لـ "الشروق":

الحداثيون الذين يهاجمون السنة النبوية سرقوا أعمال المستشرقين

حسن خليفة
  • 1430
  • 0
الحداثيون الذين يهاجمون السنة النبوية سرقوا أعمال المستشرقين
الدكتورة فتيحة بوشعالة

في هذا الحوار مع الدكتورة فتيحة بوشعالة أستاذة الحديث النبوي الشريف، في جامعة الأمير الإسلامية، والكاتبة والمدوّنة، محاولة لإشراك النّصف الآخر للمجتمع، ممثلا في نُخبة المثقفات والعالمات والأستاذات، وهو حوار متشابك انطلق من الحديث عن العمل التغييري الواعي إلى الواقع المعيش وملابساته، وعرّج على دور المرأة الجزائرية في الإصلاح وصناعة الوعي، مع اهتمام بكيفيات الرد على الطاعنين في السنة النبوية الشريفة، دون أن يُغفل مسألة الأسرة وما تواجهه من أخطار، وما يجب حيال ذلك من جهود ونهوض… وإلى الحوار.

دكتورة.. دعيـنا نبدأ من الهمّ الرئيس الأكبر.. كيف تنظرين إلى الواقع الدعوي الإصلاحي في بلادنا؟

العمل الدعوي في الجزائر بخير والحمد لله، ولكنه يحتاج إلى زيادة تطوير وتوسيع، نعم انكفأ بعض الشيء وذلك راجع لما مرت به تجربة الحركة الإسلامية من انتكاسات، بعضها مخطط له من طرف الخصوم والأعداء لتشويه حركة الإسلام، وبعضه راجع لأخطاء وقع فيها العاملون في الحقل الدعوي. ومن تلك الأخطاء التركيز على التعبئة السياسية الحركية وإغفال الإعداد التربوي والعلمي.
ومن الأخطاء أيضا جر الدعوة الإسلامية إلى وحل التحزب السياسي مما نتج عنه أمراض عديدة، أفقدت الدعوة الإسلامية أصالة منهجها وأداء دورها الرباني.
ولكن ما نشهده الآن من ثورة القرآن شيء يبهج القلوب، حيث صارت كل ربوع الجزائر ترتل قرآنا وتحفظ وتتقن القراءات، كل هذا يبشر بمستقبل مزهر بإذن الله.
وعلى القائمين على ذلك أن لا يقفوا عند حدود التحفيظ فنحصل على نسخ جديدة من المصاحف، بل علينا أن نتخطى ذلك إلى مرحلة تكوين نشء يحمل القرآن سلوكا وإنجازا، نريد قرآنا يمشي على الأرض كما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن ربّاهم وأعدّهم وكوّنهم.
وفي تصوري المتواضع أعتقد أن الدعوة الإسلامية والحمد لله تعلمت من أخطاء الماضي، وصححت كثيرا من ذلك، فصارت تراهن على التكوين العلمي الجيد وتنويع العمل الدعوي، والتوجه نحو العمل المؤسساتي، كل هذا جيد، ويحتاج إلى تكاثف الجهود وتطوير الأدوات والمناهج.
ثمة إشكال يحتاج إلى تفكيك وتفسير.. ارتباط العلم بالعمل.. كيف تقاربين هذا الأمر؛ حيث نرى علما كثيرا وعلماء ومثقفين وخبراء، ولكن دون أن يكون لهم آثر في الواقع المعيش للناس، ويجب التأكيد هنا أنك “حادّة” في التوصيف وتسمية الأمور بأسمائها في هذا المجال، في كتاباتك؟

العلم الذي لا يثمر عملا لا بارك الله فيه، العلماء أو الباحثون الذين لا يكون لهم أثر، بل آثار متعددة، في مجتمعاتهم ما فائدة علمهم وأبحاثهم؟
العالم والأستاذ هو قدوة للناس، إن كان يرى المنكر ولا ينكره، ويسكت عن الاعوجاج الحاصل في مجتمعه ولا يسعى إلى تقويمه هو في نظري فاشل، وسكوته ذلك راجعٌ إلى خوف أو طمع.
وأما ما وصفتني به من حدّية فما هي إلا تعبير عن حرقة تجاه هذه الأمة وهذا الوطن، وأنا يصلح فيَّ وصف أحد الشعراء، حين قال: “ومن أروع ما شاهدته في الجزائر، أنّ كل جزائري تقابله يُشعرك بأنه هو الثورة، فهي موجودة في نبرات صوته وبريق عينيه وحركات يده، وكبريائه وعنفوانه، وطبيعته المتفجرة، وطقسه الذي لا يعرف الاعتدال…” كما أنني أحب كثيرا شخصية العالم الثائر مولود قاسم نايت بلقاسم رحمه الله، وأنا متأثرة به كثيرا.
أرجع إلى حال كثير من العلماء والدعاة والأساتذة في وطني خاصة ممن هم في مناصب حساسة، عليهم أن يتذكروا أن المناصب زائلة وأنهم مسؤولون أمام الله على العلم الذي يحملونه في صدورهم إذا خانوا أمانة التبليغ، فهم قدوات عليهم أن يسموا المنكر منكرا ولا يخافوا في الله لومة لائم، وكما يقول سفيان الثوري رحمه الله:
يا رجال العلم يا ملح البلد.. من يصلح الملحَ إذا الملحُ فسد؟

يلاحظ المتابع للشأن الفكري والديني والثقافي كثرة الطاعنين في السنة النبوية المطهّرة، كمتخصصة في الحديث النبــوي.. ماذا تقولين للقرّاء؟

الطاعنون في السنة النبوية ليسوا وليدي اليوم، فالسنة كانت عرضة للطعن والتشكيك منذ القرون الأولى من طرف أعداء الإسلام؛ من الـزنادقة وبعض المعتزلة، وبعض غلاة الصوفية، والرافضة، وغيرهم من الفرق المنحرفة عن المنهج السليم، وأما الطعن المعاصر في السنة النبوية فيتصدره من يسمون أنفسهم “الحداثيين” وقبلهم مَن سُموا “التنويريين” و”العقلانيين” و”القرآنييـن”… المسميات كثيرة والمضمون واحد والهدف واحد وهو ضرب السنة النبوية والتشكيك فيها من جميع الجوانب، لا بغرض النقد وإنما بنية النقض، وهذه الهجمة على السنة ليست السنة هي المقصودة بذاتها فحسبُ، بل الإسلام برمته، وإنما يتخفَّى هؤلاء وراء غطاء النقد العلمي للسنة لأنهم عجزوا عن نقد القرآن الكريم، وفي الحقيقة هم ليسوا سوى نسخة مشوّهة للاستشراق، ما قدّموه من نقد هو نقلٌ تام لبضاعة المستشرقين، حتى الأمثلة نجدها نفسها، فأمثال أحمد أمين وأبي رية ينقلون أفكار جولد زيهر وشاخت بحذافيرها وأمثلتها دون الإحالة عليهم، وكذا ما فعله الجابري والعروي وحسن حنفي مجرد اجترار لشُبهات المستشرقين، يستخدمون مُعدات ووسائل الاستشراق نفسها، فعندك مثلا كتاب أحمد أمين (فجر الإسلام ) محشوٌّ بأفكار بل عبارات المستشرق ماكدونالد، وكتاب أبي رية (أضواء على السنة المحمدية) محشو بأفكار جولد زيهر وشاخت. وكتاب الجابري (بنية العقل العربي) جل أفكاره أخذها من المستشرق هنري كوربان.
نجد أيضا فهمي جدعان في كتابه (المحنة.. بحثٌ في جدلية الديني والسياسي في الإسلام) سلخ فيه أعمال المستشرق فان إس سلخًا، ثم بكل وقاحة يدّعي الابتكار، حيث قال: “أن يكون هذا الذي بذلته من وسع مذهبا جديدا في النظر إلى مادة التراث.” وخلاصة القول إن هؤلاء الحداثيين امتهنوا مهنة السطو على أعمال المستشرقين في الطعن في السنة ثم ادّعوا الابتكار والتجديد.
والغرض من الطعن في السنة هو الطعن في الإسلام برمته، فمن يدعي أنه يؤمن بالقرآن ويتبعه دون السنة هو في الحقيقة مخادع، فلا قرآن بلا سنة، إذ هي الشارحة والمفصِّلة والمبيِّنة لكليات القرآن، فهل يستطيع الحداثي أن يصلي صلواته بمجرد الرجوع إلى القرآن، أو يزكي أو يحج؟ وهؤلاء الرواة الذين يطعنون في نقلهم للسنة النبوية هم أنفسهم الذين نقلوا لنا القرآن الكريم. فأي ميزان ومعيار نرجع إليه في قبول بعض ما أتوا به ورد الآخر؟.

نقطة أخرى في هذا النقد الذي يمارسه أعداء السنة هو مردودٌ عليهم، كونهم ليسوا من أهل التخصص، فإذا رجعنا لتخصصات القوم، نجدهم كلهم دون استثناء لم يدرسوا العلوم الشرعية، ولا تخصصوا فيها، فهم إما متخصصون في الأدب أو الفلسفة، ثم يتطاولون على السنة، ومنهم من لم يدخل جامعة أصلا ولا له شهادة مطلقا، أمثال جمال البنا الذي توقف تعليمه في المتوسط بسبب ضعف مستواه.

فهل يستطيع واحدٌ من هؤلاء الخوض في أي علم آخر ونقده؟ هل يستطيع الخوض في علم الطب ونقد فروعه؟ هل يستطيع الخوض في الهندسة ونقد نظرياتها؟ هل يستطيع الحداثي العربي الخوض في علم النفس ونقد نظرياته؟ هل يستطيع الخوض في علم القانون الجنائي أو الدستوري؟ حتما سيصير أضحوكة بين المتخصصين.

في حين نجده يتطاول على العلوم الشرعية ويخوض فيها بكل جرأة وهو لم يقرأ يوما كتاب البخاري، أو كتاب مالك أو كتاب أبي حنيفة، وكل ما يعرفه عنها هو ما قرأه عند المستشرقين.

وما المطلوب لمجابهة هؤلاء والرد عليهم؟

بالطبع يكون ذلك بالبحث العلمي لكشف عوار هؤلاء وفضح طروحهم وبيان التزييف الذي يمارسونه حول السنة النبوية وتاريخ علومها، ولا يمنع هذا أن ننصف بعض النقد، مما يستوجب مراجعات في فهم السنة النبوية وفي كثير من الأحاديث المردودة التي شوّهت الفكر الإسلامي، فهي تحتاج إلى غربلة، كتلك التي تهين المرأة وتحط من قدرها في حين تبيَّن بعد البحث العلمي والمنهج النقدي أن تلك الروايات واهية لا ترقى إلى درجة الاحتجاج.

كامرأة.. بكل ما لديك من اهتمام وانشغال كيف ترين دور المرأة المسلمة؟ وهل يمكن القول إن دورها باهت للغاية؟

تقصد دور المرأة في نهضة الأمة، أنا أؤمن إيمانا قاطعا أنّ أول دور للمرأة المسلمة في عملية الاستنهاض والتغيير الحضاري المنشود هو في بيتها، كونها مربية الجيل، والحاضنة لبذوره، (والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم) فمن هنا يبدأ التغيير الحقيقي، حين تنشئ المسلمة المثقفة الواعية أطفالا على عقيدة التوحيد وعلى شريعة الله، وعلى الأخلاق والقيم الوطنية، تكون قد قدمت للأمة نصف الحل، فإذا كان لديها مزيدُ جهدٍ وقدرة على العطاء فلها أن تفيد المجتمع بعلمها وخبرتها في المجال الذي تتقنه، والمرأة المسلمة المحتشمة بحجابها هي في حد ذاتها دعوة للإسلام دون أن تتكلم، فإذا مارست وظيفتها كأستاذة أو طبيبة أو مهندسة أو محامية أو أي تخصص آخر فهي تقدم النموذج الصحيح للإسلام وللقيم وللأخلاق.
أما أن تخرج للمجتمع وتهمل الأسرة بحجة الدعوة إلى الله، فهذا مناقض لمقاصد الدين، وخطأ في ترتيب الأولويات.
أما عن سبب خفوت دورها الدعوي فذلك راجع حسب رأيي إلى كون المجتمعات العربية عموما والجزائري خصوصا إلى كونها مجتمعات ذكورية بالدرجة الأولى، (وأتحدث عن الذين يحملون المشروع الإسلامي) ترى في المرأة مواطنا من درجة ثانية، ينحسر دورها في كونها للمُتعة وللقيام بشؤون البيت، إلا من رحم ربي.
أما دورُها العلمي والدعوي فمسألة ثانوية عندهم، وإذا سُمح لها ببعض العمل فتحْتَ أعينهم وبتسيير منهم، لأنهم يرونها قاصرة، أو فاقدة للأهلية. أعطيك مثالا، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مجلسها العلمي الحالي ليس فيه امرأة، على كثرة النساء العالمات.

وماهي برأيك أهمّ الأخطار التي تهدد المرأة المسلــمة؟

الأخطار التي تهدد الأسرة المسلمة، من نَسَوية، ومِثلية، وجندر، وما بعد النسوية، كلها تياراتٌ هدامة تسعى لتحطيم آخر القلاع المسلمة وهي الأسرة، بإخراج المرأة عن فطرتها وعن رسالتها وعن قيمها، وقد نجحت إلى حد ما، السبيل إلى مجابهة ذلك، يكون بالإيمان والعلم والوعي، كيف ذلك؟
على المرأة المسلمة أن تسعى لتقوية صلتها بربها وبتعاليم دينها، ونشر ذلك بين بنات جنسها، وفي أسرتها، ثم التسلح بمختلف العلوم التي تفضح زيف هذه التيارات وكشف مخططاتها العدائية المغرضة.
والفكرة تُقرع بالفكرة، على الباحثة المسلمة أن تتصدى لهذه الأفكار ببحوث رصينة وفق المنهج العلمي تُثبت فيها أصالة المنهج الإسلامي قرآنا وسنة، وتكشف زيف تلك الأفكار الوافدة من الغرب، وأنها ليست فقط مناقضة للدين بل للفطرة البشرية وللقيم الإنسانية المجمع عليها بين كل الأديان والأعراف السليمة.
على المرأة المسلمة أن تحذر خطر الإعلام في تمرير تلك الأفكار الهدامة، فالحداثة تجاوزت المحافل الأكاديمية ونزلت إلى الشارع، وتسرَّبت إلى البيوت عبر المسلسلات والأفلام والأغاني والصور، وكل ما هو متاح إعلاميا. فهذا المخرج السنيمائي المصري، يوسف شاهين يقول: “لقد آن للفكر التنويري أن يصبح فكرَ الجماهير، ويخرج من قوقعة النُّخب الثقافية.” وبالفعل عمل جاهدا من خلال أعماله على تجسيد ذلك.
وهذه الأخطار التي تهدد الأمن الأسري لا بد أن يتصدى لها المرأة والرجل على حد سواء، وتتكاتف جهودهما لحماية الأمة والأسرة من كل ما يهددها.
على المستوى الأكاديمي، بتشجيع الأبحاث العلمية التي تصبّ في هذا المجال، على المستوى الاجتماعي بالنزول إلى واقع الناس عبر كل منافذه، مساجد، مدارس، مراكز ثقافية، وعلى المستوى الإعلامي، باستغلال كل المنصات الإعلامية المتاحة لنشر الوعي والأمن الأسري والتحذير من المخاطر المحدقة به.
وفي الأخير: أوجِّه كلمة للمرأة المسلمة، تسلحي بالعلم الشرعي الثابت المستمد من القرآن والسنة الثابتة، فهو الأساس لتكوني ركيزة أساس في البناء الحضاري، ثم تخصصي في العلوم التي توائم فطرتك لتفيدي المجتمع والأمة، اجعلي أسرتك هدفك الأول والقاعدة الصلبة التي تراهني عليها في صلاح هذا المجتمع، رتِّبي أولوياتك، كوني قوية بطاعتك لله، بعلمك، بأخلاقك، والرجل ليس ندا لك، بل سند ونصير، تتكاملان للقيام بأعباء الاستخلاف والشهادة على الناس. (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!