الرأي

الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثالثة

الشروق أونلاين
  • 4117
  • 6

تنسى بعض الدول أعيادها الوطنية وحتى الدينية، وتتذكر الحادي عشر من سبتمبر الذي حوّلته الولايات المتحدة الأمريكية إلى يوم عالمي تذرف فيه المعمورة دمعة خاصة على ضحايا متميزين ينتمون لبلد ليس ككل البلدان، رغم أن المآسي التي عاشتها الكثير من البلدان الصغرى وحتى العظمى مثل روسيا واليابان لا تقارن بفاتورتها الدموية مع أحداث نيويورك، ولكن نوع الضحية هو الذي صار يُرسّم قيمة الفاجعة، وهو الذي يُرسّم نوعية الرد، الذي تحوّل مع مرور الأيام إلى حرب عالمية.

ولكنها أطول وأكثر شراسة من الحربين الكونيتين الأوليين، وأخذت الحرب العالمية الثالثة التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية أبعادا فكرية وعقائدية وإلكترونية وأخلاقية واقتصادية ناهيك عن دمويتها، وإذا كانت الحرب العالمية الأولى قد عمّرت من عام 1914 إلى عام 1918 وعمّرت الحرب العالمية الثانية من 1939 إلى عام 1945 ولم تتجاوز مدة الحربين معا التسع سنوات فإن الحرب العالمية الثالثة تبدو من دون نهاية، حيث مازال الضحية هو نفسه رغم أن انتقامه طال الكثير من الدول ورغم أن المتهم الأول قد تم القضاء عليه، كما أن الحرب الثالثة تتلون من سنة إلى أخرى. وإذا كان هتلر وحده من قاد الحرب العالمية الثانية التي انتهت بخسارته وانتحاره، فإن رؤساء أمريكا يتغيّرون والحرب تتواصل، فقد رسمت الولايات المتحدة أعداء من العالم الإسلامي بكل مذاهبه وأطيافه، فحاربت سلفية تنظيم القاعدة وقضت على زعيمها أسامة بن لادن، وعلى الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بجزيرة العرب السعيد الشهري، وحاربت بعثية صدام حسين وقضت عليه، وقطعت شرايين المذهب الصفوي في سوريا ولبنان وإيران، وهي التي زقزقت وأشرقت وأينعت وأوهمت ضحاياها بأنهم يعيشون ربيعا عربيا سيمنحهم الديمقراطية والحرية المزعومة، فقدمت أغرب حرب عالمية، الضحايا هم الذين يقودوها‭ ‬ضمن‭ ‬عملية‭ ‬انتحار‭ ‬لشعوب‭ ‬بعضها‭ ‬صنع‭ ‬التاريخ‭ ‬مثل‭ ‬العراق،‭ ‬والجميع‭ ‬تصنع‭ ‬بهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تاريخها‭.‬

الآن وقد مرت إحدى عشرة سنة عن ذكرى أحداث نيويورك، يعود إلى الأذهان الخطاب الباكي الذي ألقاه الرئيس الأمريكي السابق، الذي لم يتردد في القول بأن حربا صليبية جديدة ستندلع، ونشرت أمريكا قائمة سوداء بمطلوبين، وأعطت معنى للإرهاب تُطلقه على من تريد، وتضخمت القائمة‭ ‬وبقيت‭ ‬مفتوحة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوحي‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬رابعة،‭ ‬لأن‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثالثة‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬لها‭ ‬نهاية،‭ ‬ما‮ ‬دام‭ ‬قد‭ ‬صار‭ ‬للربيع‭ ‬مرادف‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الزهور‭ ‬والطيور،‭ ‬وللإرهاب‭ ‬مرادف‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬النار‭ ‬والدمار‭. ‬

سيحتفل العالم بعد سنتين بمرور قرن عن بداية الحرب العالمية الأولى، وهي الحرب التي أجمع المؤرخون على أسباب اندلاعها وعلى أحداثها وعدد ضحاياها من حادثة سراييفو إلى يوم وضعت فيه أوزارها، لكنهم الآن ورغم الفترة الوجيزة التي شرّقت فيها الولايات المتحدة وغرّبت دمارا‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬مازال‭ ‬الكثيرون‭ ‬غير‭ ‬مقتنعين‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬ذات‭ ‬حادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001،‮ ‬ومعروف‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وفي‭ ‬الحروب‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬جهلت‭ ‬سيناريو‭ ‬البداية‭ ‬فلا‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تتصوّر‭ ‬النهاية‭. ‬

مقالات ذات صلة