جواهر

الحرمان المضمر أقسى وأخطر!

جواهر الشروق
  • 7041
  • 0
ح.م

إن أقسى ما يمكن أن يتعرض له بشر في الوجود، هو حرمانه من مشاعر الحب والحنان وغياب من يدعمه بالإهتمام والمشاركة في حياته، وما يزيد الأمر سوءا وتعقيدا، أن هذه الأساسيات تفتقد إلى ما يجعلها حقوقا موثقة مرسمة، يعاقب القانون المقصر في منحها لمن لهم حق عليه؛ لأنها تتعلق بجوهر الإنسان وشخصيته وأخلاقه.

وقد أخذت ظاهرة حرمان المرأة من حقوقها المادية، حظا وافرا من المعالجة المدعومة بالإحصائيات، والمعقبة بالحلول الردعية والتربوية، لكن الحرمان المضمر المتمثل في الجفاء على المرأة وتظميتها شعوريا، لم يحظ بالإهتمام المستحق رغم كونه لا يقل خطورة عن سابقه، بل يفوقه لكونه المفرخة الأولى لكل أشكال القسوة، فهو ذلك الناسك الفاتك المرخص له باسم الأعراف المدججة بالنزعات البشرية المختلفة، لا صوت لضرباته، لكنه يدمي القلوب يوما بعد يوم إلى أن تتحجر وتتصحر، ويتمرد أصحابها على قيم وضوابط مجتمعاتهم .

ولأن المرأة أحوج لمشاعر الإحتواء من الرجل، فهي الأكثر تأثرا وتأثيرا إن تعرضت إلى هذا النوع من الحرمان، الممارس بشكل نمطي في الكثير من أسر مجتمعنا، إذ تجد أنها وفي جميع مراحل حياتها لا تستطيع المطالبة بحقها في نيل الحب والحنان، وتقدير مشاعرها من والدها أو أخيها أو زوجها أو حتى ابنها، كما تملك حق مطالبتهم بالإنفاق عليها وقضاء حاجياتها الملموسة، وإن حدث وطالبت بذلك؛ ينظر إليها بعين الاستغراب والاستنكار وربما بتهكم.

وسبب استهجان هذا الحق لا يكون دائما واضحا مباشرا؛ إنما في غالب الأحيان يكون بسبب العلاقات السطحية بين أفراد العائلة الواحدة، غياب ثقافة التعبير عن المشاعر، غياب عنصر الحوار، والخلط بين الحياء المحمود والخجل المنبوذ، وهي ركام من مخلفات الأعراف المنافية صراحة للدين الإسلامي.. فمن النادر أن تجد في مجتمعنا أخا يضم أخته الكبيرة، و يقبلها ويعبر عن حبه لها حتى لو كان يحبها، وقلما تجد رجلا يفعل كذلك مع ابنته أو مع أمه أو حتى زوجته، وهذا الكلام يقودني إلى استحضار نتائج لسبر آراء أعلنت عنها الإذاعة الوطنية قبل سنوات قليلة، حيث سئلت فيه عينة من الرجال عن مدى حبهم لزوجاتهم، فعبر أغلبهم وبنسبة حوالي سبعين في المئة؛ عن جهلهم إن كانوا يحبون زوجاتهم أو يكرهونهن، فيما أفصح آخرون عن كرههم لهن، وجاءت نسبة الرجال الذين عبروا بكل أريحية عن حبهم لزوجاتهم محتشمة جدا!

فالحب حتى لو كان موجودا بين أفراد العائلة، وكانت أفعالهم تعبر عنه، لكن غياب ثقافة التعبير الجهري عنه هو ما يجعل تقدير تلك الأفعال وربطها به يتقلص بمرور الزمن، وتصبح ترى على أنها واجبات روتينية لا تؤدي الغرض، ومن هنا تبدأ حاجة المرأة في ملء شغورها العاطفي تخلق لها المشاكل، فإما تجدها تتمرد على قيم المجتمع، وتقفز خارج أسوار المباح للبحث عما يروي ضمأها العاطفي، مهزومة الرشد، متجاهلة لقسوة المصير إذا ما وقعت بين براثن الذئاب البشرية المتربصة بأمثالها، إما تجفو وتفقد بدورها القدرة على احتواء غيرها، وترجمة مشاعرها الطيبة اتجاههم، وينعكس ذلك في معاملاتها حتى مع أقرب الناس إليها وهم أبناؤها.

ولأجل كل ما تقدم ذكره لا بد للرجل في مجتمعنا، سواء كان أبا أو أخا أو زوجا؛ من تطوير ثقافة تقدير حق المرأة العاطفي، و عدم اعتباره قاعدة سرية مغلقة في دواخلها، ينظر إليها بعين التهكم إن هي كشفت عنها، ولهم في رسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان لطيف المعشر، سابغ العطف، لين العريكة، لا يتردد ولا يفتر، ولا يفوت فرصة التعبير عن حبه لزوجاته وبناته وأمهاته بالأفعال، يعززها برقائق الكلام، ولطائف الحركات، و جميل التواضع دون عقدة أو جلافة.

مقالات ذات صلة