-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحصاد المـر

الحصاد المـر

يَغْرُبُ هذا العام بوجهه الحزين عن أعيننا، فيتملكنا شعور بالارتياح. كان عاماً مثقلاً بالبلايا والرزايا، مخضبا بالدموع والدماء والجراح.فقد ظللنا نعد أيامه الثقيلة، بمشاعر أنفاسنا الكليلة، ونعاني تبعات لياليه الطويلة، بنبضات قلوبنا العليلة، سئمنا فيه هول التدمير، ودوي التفجير، وأفزعتنا مأساة الترويع والتهجير.

ذلك هو شأننا مع العام، الذي تنقضي أيامه ولياليه، فلم نأسف عليها، ولم نذرف دمعة لديها.  

وعلى العكس يستقبل العالم الغربي، العام الجديد، بالصخب والأفراح، وبالأنغام والانشراح والليالي الملاح، يسكبون الخمور أنهاراً، ويعربدون فجوراً جهاراً، وما دروا بما يحدث لشعوبنا، العربية الإسلامية، من قهر ودحر، ومن قمع ونحر، في كل أجزاء وطننا العربي الإسلامي، من النهر إلى النهر.

لذلك، يحق لنا ونحن نستعرض أحداث العام المنصرم، أن تستوقفنا ويلاته ومأساته، التي زرعت في كل بيت غصة، وجعلت من كل مواطن أو مواطنة ملحمة وقصة.

أما آن لليل العرب والمسلمين، بعد هذا الظلام الحالك، الدامي، أن ينجلي، بفجر جديد يبدد المخاوف، ويعيد للناس بسمة التصالح، والتوادد والتحالف.

إن عالمنا العربي الإسلامي يمعن في التخلف كل سنة أكثر، وقد بلغ الدرك الأسفل من الانهيار في هذا العام الذي نودعه. إنه عام جف فيه الحقل، وطار العقل، وجمد النقل، حيث ساد الختل، وعم القتل.

نريد نَطِساً -على قلَّة وجوده في عالمنا اليوم- أن يبين لنا لماذا يتقاتل الليبيون، ولأية غاية –من القتل- يهدفون؟ ونريد سياسياً حكيماً سورياً يعلل لنا إصرار القيادة السورية على ترويع شعبها وتهديم ربعها، وتصميم المعارضة السورية على تشتيت صفوفها، ومصارعة بعضها، في حين أن الخاسر الأكبر في كل هذه المعارك الهوجاء، هو الوطن السوري، بتراثه ورموزه، والنظام السوري بشكله ومضمونه، والطراز الشامي بفنه وحصونه؟

هل يستطيع عالم ديني ضليع، أن يبين لنا علة الصراع الدموي الدائر في اليمن السعيد بالأمس، الشقي اليوم، ما هي أهدافه وغاياته؟ وما هي مقاصده ومآلاته؟

أيبيح ديننا السمح، الحنيف، الذي ندين به جميعاً، قتل الأخ المسلم لأخيه، واستعانة هذا الأخ بالأجنبي، على مواطنيه، والحال أن نصوصنا التشريعية تنص على عدم جواز قتل المسلم لأخيه، وما كان الإسلام الذي تشير إليه هذه النصوص بالإسلام السني أو الشيعي، والآية صريحة:﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾[الأحزاب/ 40].

فعندما ننزل هذه النصوص المقدسة، على واقعنا  الإسلامي المتردي، يقض مضجعنا ما يحدث في العراق، وفي اليمن وفي سوريا، حيث يلتقي المسلم الشيعي، مع الملحد الروسي، لقتل المسلم السني، لكن دفاعاً عن أية قضية، وحماية لأي مذهب؟

لقد اختلطت في هذا العالم أوراقنا، وتنابزت أعراقنا، وتدهورت أخلاقنا، لأننا فقدنا القيادة الحكيمة، التي ترشِّد إنفاقنا، وتحول دون إغراقنا.

فهل رأيتم نظاماً يستعين على شعبه بمليشيات المرتزقة؟ ويرهن مصيره بين السندان والمطرقة؛ فلا يبقي من مواطنيه إلا الميتة والمنخنقة ؟

وهل يحدث مثل هذا في بلاد غير المسلمين، كبلاد الكفار؟ معاذ الله ! فالقانون يطبق –بعدل- على الكبار والصغار، ويتساوى المواطنون جميعاً في حقوق الملكية والإيجار، ويتقاسم الناس الفضاء الوطني بالقانون في كل فصل، البارد منه أو الحار.

وإذن، أين تكمن المفارقة؟ وكيف يتمّ تفكيك المعادلة العربية الإسلامية، مقارنة بمعادلة المنظومة الغربية؟

ما سر هذا التباين بيننا وبينهم؟ وما سبب التناقض الذي نجده في مكونات حياتنا ولا نجده عندهم؟ لماذا تتأزم الحياة عندنا إلى حد الاختناق والاحتراق، وتنساب الحياة عندهم، إلى حد الانعتاق والانطلاق؟

هل أزمتنا هي أزمة سياسي زعيم، يحاط –بدل الناصح العليم- بالدعيّ الزنيم؟ هل هي أزمة عالِم حكيم يسخر علمه، بدل أن يكون في خدمة المواطن السليم، ليكون في خدمة المال والنفوذ العظيم؟ هل تأزمنا هو تأزم شعب لئيم، يرى الخير في دينه ووطنيته وهويته، فيلجأ إلى التقليد الأعمى، للأجنبي القطيم؟

إن الأزمة في أمتنا، هي مزيج من كل هذا. فهي تأخذ من كل شيء بنصيب.

 إنها، كما يقول حافظ إبراهيم:

أمة قذفت في ساعدها    

بغضها الأهل وحب الغرباء

هي أمة فقدت كل مقومات الذات الحضارية، فاستبدت بها أهواء السياسة وأهواء المال وأهواء الجاه وأهواء الحزبية، فاجتثت من فوق الأرض ما لها قرار.

إن أمتنا للأسف الشديد، تقطعت بها السبل ولكن كيف يكون علاج حالها؟ ومن أين تكون البداية؟ هل نبدأ بإصلاح القمة أو بإصلاح القاعدة؟ ومن يصلح من؟

لقد اتسع الخرق على الراقع، ولا يجدي إلقاء المسؤولية على طرف فيها دون الآخر، بل كلنا وعلى مستويات متفاوتة، مسؤولون عن هذا العار والدمار والشنار الذي نكابده في هذه النار، ونار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون.

ماذا عسانا أن نقدم من صلوات وقرابين لله في محراب هذا العام الذي نعد أيامه، ويعد ساعات معاناته؟ نقول لربنا وهو أعلم بحالنا: ربنا لقد مسنا الضر من هذا الحصاد المر وطوقنا الشر من الجو والبحر والبر ! فهل من صادق صدوق، يخرج من صفوفنا طاهر اليد وطاهر الذمة، صافي القلب وصافي العقل، ليزيل عنا معالم هذه الغمة؟

لقد بلغ السيل الزبى، وما بعد هذا الويل من ويل. ألْـهِم اللهم شعبنا إلى الوعي بالملمات، من أجل العودة إلى الذات، وأيقظ حكامنا وعلماءنا وحكماءنا وعقلاءنا من هذا السباة الذي يشبه المماة!

إن الوطن يتمزق وإن الإنسان يغرق وإن الطوق يزداد تضييقاً على أعناقنا ونحن نتفرق، فارحم يا الله ضعفنا وعجزنا، فمنك الرجاء وإليك الدعاء، في هذا العام الذي لم نعرف فيه إلا الدماء والبلاء والشقاء !.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!