الرأي

الحقيقة.. لكن !

جمال لعلامي
  • 888
  • 2
ح.م

صحيح أن الحقيقة حقّ مقدّس، يجب قولها ولو كانت مرّة، والساكت عن الحقّ “شيطان أخرس”، لكن أحيانا وفي وقت الشدة والاستثناءات والطوارئ والحروب، فإن “الكذبة البيضاء”، تصبح “حلالا طيّبا”، ليس بهدف رعاية الكذب والتضليل والتغليط، ولكن، من أجل “كسب المعركة”، وقيادتها إلى نهايتها، وطبعا فإن قاموس الحروب يقول “ليس كلّ ما يعرف يقال”!

ترويع الناس بالأخبار الكاذبة والصور التضليلية والمعلومات المفبركة، هي كذلك “خدع سينمائية”، والمصيبة أن مروّجي أن النوع من “الشو ميديا”، يزعم بأنه ينقل “زعمة زعمة” الحقائق للرأي العام، دون زيادة ولا نقصان، ليترك الحكم النهائي والفاصل للقارئ والمشاهد، لكنه يتجاهل تسبّبه في ترويع الناس، وترهيبهم والنيل من معنوياتهم، في وقت يتطلب الأمر دعما معنويا ونفسيا لإحراز النصر، خاصة إذا تعلق الأمر بعدو غير مرئي!

الحقيقة لا تعني تدمير النفوس، وضرب المعنويات، وإثارة الهلع والفزع، وتفريخ الإشاعات والدعايات، والحقيقة لا تعني أيضا كشف “كل الأسرار” في قلب الحروب المصيرية، ولا تعني مطاردة شهرة زائفة أو مصالح مؤقتة، قد ينقلب فيها السحر على الساحر!

الجزائريون كغيرهم من شعوب العالم، التي تواجها حربا مفتوحة ضد وباء كورونا، يريدون الحقيقة، لكنهم يريدون كذلك الحكمة والعقل والتبصّر والدهاء، لتجاوز المحنة بإذن الله، بأقلّ الأضرار والتكاليف والخسائر، وإن كان أيّ نتيجة هي من قضاء الله وقدره!

لا داعي في مثل هذه الظروف الحرجة والخاصة، إلى التنظير والفلسفة والدروس المجانية في السياسة والإعلام والتسيير والطبّ والاقتصاد، لكن المطلوب، هو الانضباط والالتزام والتقيّد بنصائح المختصين، بعيدا عن الشكّ والتشكيك في كلّ شيء، ومقارعة الأمور بأضدادها، واللجوء إلى منطق “خالف لتعرف”، في وقت يستدعي التكاتف والتضامن والتنازل عن الأنانية والنرجسية!

ليس بالتهوّر والاندفاع، يتمّ كسب الحروب وتفادي الأسوأ، والحقيقة في الحروب لا تعني “كشف كلّ شيء”، وإخفاء بعض التفاصيل- حتى وإن حدث في أيّ بلد – ليس معناه التعتيم في كلّ الأحوال والحالات، وإنّما للضرورة أحكام، وما لا يجب قوله اليوم، سيتمّ قوله غدا، وطبعا من هو جالس على جمرة، ليس كمن يضع رجليه وأيديه في الماء البارد!

المرحلة التي يجتازها العالم، اليوم، حسّاسة ومفصلية، وممهّدة لبناء “نظام عالمي متجّدّد” على أنقاض “نظام عالمي جديد”، يبدو أن كورونا قد بدأت تهشّم أركانه وأساساته وبنيته التحتية، ولذلك، علينا كجزائريين مؤمنين، أن نتضرّع إلى العلي القدير ونتوكل عليه، ليُنير طريقنا، ويرفع عنا البلاء والوباء، وينصرنا في هذا الابتلاء، الذي مثلما قال المثل الشعبي الشهير “ما يسلك فيها غير طويل العمر وقاسح الكبدة”!

مقالات ذات صلة