-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحلف الأطلسي في المصيدة الأوكرانية؟

الحلف الأطلسي في المصيدة الأوكرانية؟

يَعقد الحلف الأطلسي قمته الحالية بالعاصمة الليتوانية “فيلنيوس” بعد 74 سنة من تأسيسه. وكأنه يريد أن يعود إلى نقطة البداية بعد أن عرف عدة هزات كادت تعصف به وتُنهيه من الوجود كما حدث لنظيره حلف “وارسو” الذي يصغره بست سنوات وتم حله سنة 1991. يبدو من الخارج وكأنه وحدة متآلفة ليست بينها خلافاتٌ وتلعب أدوارا مُتناسقة، ولكنه في الداخل يعرف أكثر من صراع وخلاف لولا التأثير الكبير للولايات المتحدة.

سنة 1966 تركت فرنسا القيادة العسكرية المشتركة، ولم تعد إليها إلا بعد 43 سنة بعد ترحيل أكثر من هيئة مركزية كانت قائمة بأراضيها نحو بروكسل، وقبل 4 سنوات فقط من الآن أعلن الرئيس الفرنسي “ماكرون” الموت السريري للحلف قائلا في7 نوفمبر 2019 “أن الحلف مات سريريا ولم يعد يستطيع ضبط أعضائه كنظام” وأنه “لا تنسيق في القرار الاستراتيجي بين أعضائه إذ تشن تركيا (عضو رئيس) عدوانا في إحدى المناطق (يقصد سوريا) وتجعل مصالح فرنسا (العضو المؤسس) في خطر، وتنسحب الولايات المتحدة من شمال سوريا لتترك المجال لـ”داعش” من دون تنسيق أيضا مع فرنسا”… وقبله بسنتين وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحلف بأنه منظمة “عفا عنها الزمن” ودعا أعضاءه إلى تقاسم الأعباء الخاصة بتمويله.. واليوم يعبّر الرئيس الأوكراني عن استيائه من تأخير انضمام بلاده إلى أجل غير مسمّى مادامت في حرب مع روسيا، وكأنهم يؤكدون له صحة المقولة الروسية “الحرب ضد روسيا إلى آخر أوكراني”… فالجميع يخشى حربا مباشرة مع روسيا، لا يريدونها سوى حرب استنزاف وإن بقيت أوكرانيا تنزف لعشرات السنين. بل هي الرسالة المُشفَّرة باتجاه روسيا، عليك بالإبقاء على الصراع قائما، إذا ما أردتِ ألا تُصبِح أوكرانيا عضوا في الحلف.

ومن ناحية أخرى تتزايد الشكوك في الدور التركي الذي بات يطالب بالعضوية في الاتحاد الأوروبي، ولِمَ لا وهو القوة العسكرية الثانية في الحلف ولسان حال الأتراك يقول: لماذا نُدافع عن الأوروبيين وهم يرفضون عضويتنا بينهم؟ لذلك تجد الأتراك إلى اليوم يشترون السلاح الروسي ويتعاونون مع روسيا في مجال الطاقة النووية، ويمتنعون عن الالتزام بالعقوبات المفروضة من قبل الغرب على جارتهم الشرقية كما يقتضي الأمر بين الحلفاء، إن كانوا حقيقة حلفاء بالمعنى التام.

أما أخطر مسألة بين أعضاء الحلف فذلك التوجس من أن الولايات المتحدة تعمل لأجل جر أعضائه الأوربيين نحو صراع لا يهمهم ضد الصين.. وإلى ضم دول آسيوية مثل كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا إلى المنظمة الأطلسية، لذلك نجد فرنسا تعارض في هذه القمة فتح مكتب اتصال للحلف في اليابان باعتبارها أولى خطوات جرِّها نحو صراع لا مصلحة لها فيه، وماذا ولو اندلعت حربٌ بين الصين والولايات المتحدة؟ هل يتدخل الاتحاد الأوروبي؟ إنها الشكوك المتزايدة لدى الأوروبيين في أن الولايات المتحدة إنما لا تريد فقط استخدام الحلف ضد روسيا بل ضد الصين أيضا، وهل يُعَد هذا الخلاف بالأمر الهيّن؟

يبدو أن الصورة التي يريد الإعلام الغربي إيصالها للعالم عن وحدته ليست حقيقية. هناك بالفعل تطابق مصالح مؤقت بين الأعضاء، وهناك سعيٌ حثيث من قبل الولايات المتحدة لاستغلال الحرب في أوكرانيا إلى أبعد الحدود حتى تستعيد هيمنتها المُترنّحة على أوروبا والعالم، لكن هذا التطابق لن يستمر طويلا، عندما يكتشف الأعضاء المنتمون للاتحاد الأوروبي، (23 دولة من بين 31)، حقيقة المصيدة الأوكرانية ولو بعد حين.. عندها سيعود الحلف الأطلسي إلى نقطة الصفر، وبدل أن يتجدَّد سيعرف مصيرَ حلف وارسو الذي انتهى قبله إلى التفكك النهائي، ويعرف العالم تشكُّلات جديدة، من دون شك ستُعزِّز من التحوُّل الإيجابي في مكانتنا الإقليمية ووضعنا الجيواستراتيجي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!