-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مقدّمة حركة القرآن المجيد في النّفس والمجتمع والتّاريخ

الحلقة (34): أسئلة مشروعة

أبو جرة سلطاني
  • 635
  • 0
الحلقة (34): أسئلة مشروعة

عندما تسامع النّاس بفراغي من هذا الإنجاز تساءلوا: ماذا يعني بـ “حركة القــرآن المجيد في النّفس والمجتمع والتّاريخ؟”. ما الجديد فيه؟ وما فائدة تأليف جديد والمكتبات تعجّ بآلاف المصنّفات في هذا الباب؟ وما الذي يمكن أن يضيفه مصنّف جاء في هذا الوقت، وما ترك السّابقون للاّحقين من قطميـر؟ وسيتساءل آخرون: هل الأمّة الإسلاميّة اليوم بحاجة إلى “تفسير جديد” وهي أمّة قليلة القـراءة، كليلة النّظـر سريعة الملل عليلة الذّوق باهتة الأثر عديمة التّأثير؟! وقد يتساءل آخرون: لماذا لم يُذهب إلى ما هو أجدى للأمّة وأنفع لها من تحريك القرآن في أنفسها وفي مجتمعاتها وتاريخها، وهو التّنظير أو التّقعيد للسّياسة الشّرعيّة التي لم يكتب فيها علماؤنا إلاّ شذرات قليلة متفرّقة كانت صالحة لزمانهم، وقد كتبوها وألّفوا بين فصولها بنفسيّة الأمّة الغالبة، فجاء فقههم السّياسي “فقهَ متغلَّب”، ونحن اليوم أمّة تدفع الصّائل بأضعف ما تملك، وتؤسّس لمرحلة بناء جديد تهيّئ له أسباب إعادة إخراج خير أمّة سبق أنْ أخرجت للنّاس، وهو جهد كبير يحتاج إلى ضبط قواعد “فقه الاستضعاف” ورسم معالم حركة التّجديد وتذليل وظائف الاستخلاف.. وليس من سبيل إلى أخذ النّاس بعزائم فقه المتغلّب بشروطه المدوّنة في عصور الفتوحات الإسلاميّة التي كتب التّاريخ أروع صفحاتها من منطلقات غير متوفّرة في العالم الإسلامي اليوم. فأين البديل؟

جوابي على هؤلاء وعلى من آثر الصّمت وفي نفسه شيء من جراحات أمّتنا: إنّ تحريك القرآن في النّفس وفي المجتمع والتّاريخ هو جهد إضافيّ يبحث عن رواق جديد من داخل النّفس -التي منها يبدأ التّغيير- وفي محيط الجماعة وفي عمق المجتمع، فإذا تغيّر ما بالنّفس تغيّر الواقع كلّه فسهل التّقعيد للسيّاسة الشّرعيّة بربط فقه الدّعوة بـ”فقه الدّولة” في مشروع نهضة أوسع من الأقطار وأعمق من “فقه الأوراق”. إذا كان في نية الأمّة استئناف رسالتها الحضاريّة بصناعة واقع قرآنيّ جديد في منطوقه العامّ وفي مفهومه المتجدّد، بفصْل ما بين منطوق الحكم ومفهومه في واقع يحتاج إلى أكثر من سبيل لمواجهة أقضيّة الحياة كلّها في مسارات مرنة وفق منهج وسطيّ متدرّج متاح، غايته الكبرى تجسير العلاقة بين فقه النّص وفهم الواقع وترويض النّفس على حسْن تنزيل ما هو مطلوب على ما هو مرغوب لجعل الواقع غير متصادم مع الحقّ، وهذا هو المطلوب. أما مرغوبه المثالي فالنّاي بمقاصد الشّريعة عن تجاذب الزّوايا الحادّة التي تختزل شرع الله في جلد ظهـر الزّاني، وقطع يد السّارق، وقتل المرتدّ.. ليس هذا هو الإسلام، وليست هذه شرْعته، وليس هذه معركته ولا هذا ميدانها ولا الرّجال رجالها.. كما قال أبو الحسن البصري النّعيمي.

لما تبدّلت المنــازل أوجُــــــها * غير الذين عهدت مـن علمـائها

ورأيتها محفوفة بسوى الأولى * كانــوا ولاةَ صــدورها وفنائها

أنشدت بيـــتا سائــرا متقـــدّما * والعين قد شَرقتْ بجاري مائها

أما الخيّـــام فإنـــها كخيّامــهم * وأرى نسـاء الحيّ غيـر نسائها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!