-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

الحلقة (4): الفِصام بين الفلسفة وعلم الكلام

خير الدين هني
  • 1084
  • 0
الحلقة (4): الفِصام بين الفلسفة وعلم الكلام

الاختلاف بين الفلسفة وعلم الكلام في النظر، يتقرّر في أن الفلسفة تبحث في الوجود بحثا خالصا، من غير الانطلاق من عقائد دينية مسلّم بها، تبحث في الوجود بما هو موجود بمادته وحقيقته، وماهيته وجوهره وأعراضه وأجزائه التي لا تتجزأ وكلياته التي تحكم نظمه وقوانينه، وتبحث عن أصل المادة وطبيعتها ومن أين جاءت هذه المادة، وكيف تجمعت وانتظمت وتفاعلت؟ وما هي غاية وجود هذا العالم؟ وما حقيقة الإنسان والعقل والتفكير والإدراك والروح؟ وإلى أين تسير غاية هذا العالم والإنسان؟ وهل المادة التي خلق منها العالم والحياة والإنسان أزلية سرمدية لا تموت ولا تفنى، أم إنها فانية وزائلة وسيعود الخلق إلى العدم؟ وما يميز منهج الفلسفة في البحث أنها تبدأ بالشك في كل شيء من غير مسلمات سابقة، ثم تنتهي بعد البحث والاستقصاء والتأمل إلى اليقين.

أما علم الكلام فيبحث في طبيعة المادة وأصل الخلق والوجود، والماهية والجوهر والعرض والإنسان والعقل والروح والإدراك والخلود والفناء بحثا دينيا خالصا، وينطلق في أبحاثه من اليقين الذي أثبته النصوص، خلافا للفلسفة التي تنطلق من الشك في كل شيء، والمتكلمون مؤمنون بالله والرسول والكتب والملائكة والجزاء والمسلمات الدينية المثبتة في القرآن الكريم، فتنطلق  أبحاثهم من المسلمات الدينية التي يؤمنون بها إيمانا خالصا، ولذلك نراهم يذهبون كل مذهب ويسيرون في كل الاتجاهات، لإيجاد دليل عقلي حين تعترضهم شبهة عقدية أو دينية أو وجودية أو نبوية أو قرآنية، يطرحها ملحد أو متشكّك أو زنديق أو مارق ضلّت به الطريق، على نحو ما هو  ذائع الانتشار في أيامنا هذه من مارقة العصر.

ومن نافلة القول: أن نسوق ما قاله ابن خلدون في المعتزلة بتصرف: “اعتاد المتكلم اتخاذ الدليل على وجود الله بملاحظة الفاعل، بينما يقتصر الاهتمام عند الفيلسوف، على دراسة كنه الحقيقة باستعمال النظر والملاحظة، لطبيعة الحركة أو السكون التي تحكم الأشياء والموجودات، من غير نظر إلى الخالق الذي أوجدها وأتقن صنعها ونظامها”.

نخلص من هذا إلى أن غاية الفيلسوف هي البحث عن الطبيعة التي تحكم الحقيقة، دون اهتمام كبير بالبحث عن كنه العقل السامي أو العلة التي تقف وراء حركة الفعل في الحقيقة، خلافا لغرض المتكلم الذي ينصبّ جهده على إثبات عقيدة دينية يؤمن بها، وهي التي قررتها نصوص القرآن الكريم، ويحاول إثباتها بالنظر والتأمل والدليل العقلي المشفوع بالدليل النقلي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!