الجزائر
"الحراك" يعيد ترتيب المعادلة السياسة ويعزل "الأقلية"

الحوار يفرز حركية في المواقع واصطفاف إيديولوجي!

محمد مسلم
  • 4702
  • 16
ح.م

كشفت الكيفية التي تعاطت بها مكونات الطبقة السياسية مع الدعوة إلى الحوار التي وجهها رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، عن فريقين، الأول لا يمانع في الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، باعتبارها آلية من الآليات التي يمكن أن تقود إلى اختزال عمر الأزمة، في حين يرفض الفريق الثاني الانخراط في المسعى الانتخابي، بمبررات تبدو غير مقنعة حتى لدى أصحابها.

الفريق الأول يمثل الغالبية المطلقة من الأحزاب والجمعيات، وهي التي اجتمعت بالأمس بالمدرسة العليا للفندقة بعين البنيان، غرب العاصمة، فيما عرف بـ”منتدى الحوار الوطني”، ممثلة في كل من حركة مجتمع السلم، حركة النهضة، حزب طلائع الحريات الذي يرأسه المترشح السابق للانتخابات الرئاسية، علي بن فليس، حزب الفجر الجديد، حركة البناء الوطني..

أما الفريق الثاني، فيتمثل في الأحزاب المحسوبة على ما يعرف بـ “التيار الديمقراطي”، في صورة كل من حزب جبهة القوى الاشتراكية، حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، حزب العمال، الذي تقوده لويزة حنون، المسجونة بتهمة التآمر على سلطة الجيش، رفقة كل من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق ومستشاره الخاص، ومدير دائرة الاستعلامات والأمن السابق، الفريق محمد مدين المدعو توفيق، ومنسق مديرية المصالح الأمنية السابق، اللواء عثمان طرطاق، المدعو بشير.

قاسم مشترك واحد فقط يجمع بين هذين الفريقين، وهو أن الجميع يتبنى مطالب “الحراك الشعبي” المندلع قبل أزيد من أربعة أشهر، بل يحاولون الظهور في ثوب الوسيط بين السلطة والشارع، ما دام أن “الحراك الشعبي”، لم يفوض أحدا لتمثيله.

منتدى حوار المعارضة بمن شارك فيه بالأمس، رسم معالم الخارطة السياسية في المرحلة المقبلة، والتي يمكن أن توضحها بجلاء الانتخابات الرئاسية المؤجلة، مرحلة يرجح أن تشهد حركية وتغييرا في المواقع، واصطفافا على أساس إيديولوجي لبعض الأحزاب التي كانت تتموقع حسب المصلحة واقتسام المنافع، وذلك بعد أن تراجعت فرص التموقع حسب اعتبارات المصلحة..
هذا التطور فرضته التغيرات العميقة التي يشهدها النظام، والتي لم تبدأ، وفق مراقبين، في أعقاب اندلاع “الحراك الشعبي” في الثاني والعشرين من فبراير المنصرم، بل تعود إلى عام 2015، وهي السنة التي تقرر فيها تقليم أظافر الدولة العميقة، التي أفسدت الممارسة السياسية، من خلال خلقها فضاء افتراضي قائم على نظام “الكوطة”، جعل من أحزاب أقزام تتصدر المشهد في الأرقام فقط.

تطورات المشهد الراهن، تدفع إلى ترجيح فرضية عودة عشرية تسعينيات القرن الماضي إلى الواجهة، لكن بمنطق معكوس، فالسلطة الحالية قد تتحالف مع الطبقة السياسية الأكثر تمثيلا، ممثلة في الأحزاب والجمعيات والشخصيات التي تؤمن بالانتخابات كآلية للتغيير، وهي تلك استجابت لدعوة الحوار، لإخراج البلاد من الأزمة بعيدا عن خلق الأزمات وتوظيف العنف لتسوية المشاكل السياسية، على النقيض تماما من السلطة التي حكمت البلاد في تسعينيات القرن الماضي، بقوة الحديد والنار، بعد تحالفها مع أحزاب منبوذة شعبيا، وجمعيات افتراضية لا أثر لها في الواقع إلا في أدراج وزارة الداخلية والجماعات المحلية.

مقالات ذات صلة