الرأي

الحوثيون.. ماذا لو كانوا جماعة سنية؟

سلطان بركاني
  • 2923
  • 41

هو سؤال يطرح نفسه بإلحاح في ضوء الحقيقة السّاطعة التي طفت إلى السّطح بُعيد أحداث الـ11 سبتمبر 2001م، حين تصدّرت إيران قائمة الدّول الإسلامية التي سارعت إلى شجب الهجوم الذي تعرّض له برجا التجارة في نيويورك، وأبدت استعدادها للتعاون في مجال “الحرب على الإرهاب”، وبدأت هذه الحقيقة تلفت الانتباه مع الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003م، وتجلّت أكثر في السّنوات الثلاث الأخيرة، بعد أن كانت قبل ذلك من الطابوهات التي يُتّهم من يخوض فيها بالعمالة للمشروع الصهيو-أمريكيّ!؛ حقيقة التناغم الإيراني الأمريكيّ في مشروع “الشّرق الأوسط الكبير”، ومشروع “الحرب على الإرهاب” الذي انخرطت فيه إيران مبكّرا لتحقيق مآربها الطائفية في المنطقة، ولقطع الطّريق أمام دول الانبطاح العربيّ حتى لا تستأثر بغنائم هذا المشروع، وقد أثمر هذا التناغم تعاونا اضطُرّ الطّرفان إلى الاعتراف به في أكثر من مناسبة، وكان من نتائجه أنّ أمريكا أطلقت يد المليشيات الشيعية الموالية لإيران في كلّ من العراق واليمن وسورية، وحالت دون بحث إدراجها على قوائم الجماعات الإرهابية.

أمريكا تحُول دون إدراج الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب!

الحوثيون جماعة مسلّحة تنكّبت المذهب الزّيديّ المعتدل الذي يعتنقه أكثر من 08 ملايين يمنيّ، وتبنّت كثيرا من العقائد الشيعيّة الإثني عشرية الموغلة في الانحراف والغلوّ، وطعَن كثير من قادتها في الخلفاء الراشدين وانتقصوا أمّهات المؤمنين، ما حدا علماء الزيدية لإصدار بيان يتبرّؤون فيه من هذه الجماعة ومن عقائدها.

كما أبدت الجماعة ولاءها الكامل لإيران ولسياساتها الطائفية في المنطقة، واستباحت دماء اليمنيين المخالفين لمعتقداتها في المناطق التي سيطرت عليها، وارتكبت جرائم مروّعة في دماج وعمران وصعدة، وفجّرت أكثر من 30 مسجدا ودارا لتحفيظ القرآن الكريم، ناهيك عن المساجد التي منعت إقامة الصّلاة فيها، وسمحت لأتباعها بتحويلها إلى مقاهي لتعاطي القات والسّجائر!.

كلّ هذا لم يكن كافيا لحمل أمريكا على بحث إدراج الجماعة ضمن قوائمها للإرهاب، وعندما سئل السفير الأمريكيّ في اليمن “جيرالد فايرستاين” عن موقف بلاده من جماعة الحوثي، قال “إنّ الولايات المتّحدة لم تقم بإدراج الجماعة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية لأنّها لم تلحظ أنّ الحوثيين قد وصلوا إلى المرحلة التي توجب اعتبارهم منظمةً إرهابية”، مؤكداً أنّ الأمريكيين يحكمون على الأفعال وليس على الأقوال، وهو ما يعني بصورة واضحة أنّ أمريكا تدرك جيدا أنّ الشعارات التي ترفعها جماعة الحوثي ومن خلفها إيران من قبيل “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل” لا أثر لها في الواقع، ما دامت الكلمات توجّه إلى أمريكا وإسرائيل والأسلحة توجّه إلى رقاب المسلمين.

بل إنّ أمريكا تذهب بعيدا في غضّ طرفها عن الحوثيين، لتمنع نشر أيّ تقارير حقوقية تسلّط الضّوء على جرائمهم، وقد نقل الصحفي في جريدة  أخبار اليوم” اليمينة، محمد مصطفى العمراني، عن أحد الإعلاميين العاملين في مجال حقوق الإنسان، أنّه أعدّ تقريراً مفصلاً وموثقاً عن جرائم الحوثيين وأرسله إلى مقر إحدى المنظمات الحقوقية، فلم تنشره، وبعد إلحاح منه لمعرفة السبب الذي حال دون نشره، أبلِغ بأنّ هناك توصية من السفارة الأمريكية بعدم نشر أي شيء ضد الحوثيين!.

وتبعا للموقف الأمريكيّ فإنّ الحكومة اليمنية تتعامل مع الحوثيين بيد من حرير، وتبدي استعدادها لتقديم كافة التنازلات، بما فيها تقديم استقالتها، إرضاءً للجماعة التي تريد فرض خياراتها بالقوة.

ولعلّ اللافت في الأمر أنّه وفي الوقت الذي يتساهل فيه النّظام اليمنيّ مع جماعة الحوثي، فإنّه لا يتوانى في شيطنة التجمّع اليمنيّ للإصلاح الذي يتولى العلامة عبد المجيد الزنداني رئاسة مجلسه الشوري، وهو الموقف الذي يوافق هوى كثير من الدّول العربية والخليجية التي ترى في التجمّع ظلا لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن.

الإرهاب أصبح “ماركة” سنية بإجماع عربيّ غربيّ إيرانيّ!

في الوقت الذي يسلَّط الإعلام في الدول العربية لشيطنة كل جماعة سنية تناوئ الأنظمة القائمة، ويتطوع الكتاب بمختلف توجهاتهم لإعلان الحرب عليها ووصفها بكلّ نقيصة، وصولا إلى استدعاء الغرب لإعلان الحرب عليها، ما يحمل تلك الجماعة على مزيد من التطرّف والغلوّ؛ في مقابل هذا، تدافع إيران بكلّ قوة عن الجماعات الشيعية المسلّحة وتسخّر إعلامها لتبرير مواقفها والتّغطية على جرائمها، وأبلسة مخالفيها واتّهامهم بالعمالة للشّيطان الأكبر!.

وهو ما يفعله الصهاينة في الدّفاع عن إرهابهم الممنهج ضدّ الفلسطينيين وإرهاب الجماعات اليهودية التي تستهدف الآمنين وتستولي على مساكنهم وأراضيهم وأملاكهم، ويفعله النصارى حين يغضّون طرفهم عن الإرهاب الأعمى الذي تمارسه الجماعات النّصرانية في نيجيريا وأفريقيا الوسطى وغيرهما.

ويبقى أهل السنّة وحدهم يمارسون جلد الذات، وتقديم كلّ جماعة تجنح إلى الغلوّ قربانا لأمريكا على مذبح الإرهاب، ولو كان الحوثيون جماعة سنية لَتداعى أهل السنة حكاما وعلماءَ وإعلاميين وكتابا للبراءة منها، واستدعاء التدخل الأمريكي ضدّها، ولَتوالت الطائرات الأمريكية من دون طيار لقصف مواقعها واغتيال قادتها، كما تفعل مع كلّ جماعة سنية في أيّ بقعة من هذه الأرض، في مقابل غضّها الطّرف عن عشرات الجماعات الشّيعيّة المسلّحة في العراق وسوريا واليمن.

مقالات ذات صلة