-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الخطأ الجسيم لأحمد الريسوني

خير الدين هني
  • 1809
  • 0
الخطأ الجسيم لأحمد الريسوني

خطأ الجاهل قاصِمٌ للظهر وخطأ العالم قاصِمٌ للدين والأمة، والعالم التقي الورع الأمين هو الذي يحافظ على توازنه العقلي والنفسي والوجداني عند الحديث أو التصريح أو الحوار، ويحافظ على هدوئه ورزانته ويضبط نفسه ويتحكم في عواطفه وغرائزه وسلوكه، ولا يحشر نفسه في ألاعيب السياسة والمنازعات بين الإخوة والأشقاء، لأنه محسوب الأنفاس والحركات ومراقَب من الناس في كل الأحوال والظروف، وألا يكون كلامه مخالفا لأفعاله ومُثله العليا، ولاسيما إذا كان يشرف على منصب ديني أو علمي أو وعظي، لقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” (الصف: 2، 3)، وقول شوقي:

“لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله…عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

والدكتور الريسون المتخصص في علم المقاصد، ورئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وقع في خطأ جسيم حينما دعا إلى تحريض ملكه على اعتماد سياسة توسّعية على أرض موريتانيا وأجزاء من أرض الجزائر الجنوب غربية، وكأنّ الشيخ وقع له شيء من وسوسة الضمير أو فقدان الذاكرة، فاعتقد أن الزمن رجع به إلى ألف سنة إلى الوراء(448- 541 هـ) أي: إلى الفترة التي حكم فيها المرابطون وامتدت حدودها إلى حيث كانت الحدود في تلك الفترة من التاريخ الوسيط لا تتقيد بحدود معينة، وإنما كانت تتسع وتضيق بحسب قوة البزوغ والأفول، وألغيت هذه الحدود عند الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي برمّته وكثير من بلدان العالم، ومواثيق الأمم المتحدة تقرّ الحدود الاستعمارية وتعترف بها، حتى لا تنشب المنازعات والحروب بين الدول المستقلة.

وأحمد الريسوني –لامحالة- وقع تحت تأثير أحد الأمرين: الأول: أن يكون المخزن هو من أوحى إليه بهذه الرسالة، للتشويش على المشروع العملاق للحديد بغار جبيلات بتندوف، أو وقع تحت تأثير تخصصه المتعلق بعلم المقاصد (قسم علم المقاصد الخاصة)، وهو العلم الذي يستهدف الوصول إلى أهداف محددة ضمن ضروب الحياة، في الحقول السياسية والاقتصادية والتجارية والأحوال الشخصية، ومن هذه المقاصد حفظ النفس التي تدخل في الأحكام التفصيلية في الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى نصرة المظلوم في كل مكان، حتى لو اضطرَّ إلى خوض الحرب من أجل ذلك، كما شرّعها الله في بند الجهاد في سبيل الله.

والجانب السياسي الذي ربما أوّله الريسوني في باب علم المقاصد في نصرة المظلوم، ينطبق على الدولة الإسلامية في كينونتها العامّة، على نحو نصرة الفلسطينيين المظلومين المقهورين من سلطة الكيان المغتصب، لأنهم جزءٌ من الأمة العربية والإسلامية، وهذا أحد أهم المقاصد الشرعية في علم المقاصد لأنه يدفع الظلم عن المسلمين، أما تأويلُ “نصرة المظلوم”  لصالح حكومة المخزن وأطماعها التوسُّعية، لكون ملكهم مازال يحلم بمقولة “أمير المؤمنين” التي كانت تتناسب مع عقلية القرون الوسطى، وهو يريد أن يبيّن لهم بأن المغرب “مظلوم” لكونه سُلبت منه أرض المرابطين، من قبل موريتانيا والجزائر وحتى السنيغال وربما يخرج بخرجة جديدة فيقول أرض الأندلس، فهذا تأويلٌ فاسد وهو يعلم بأنه لا يراد به وجهُ الحق ويستحيل تحقيقه، وإنما كان يريد به استرضاء المخزن لغايات سياسية خطط لها المخزن مع الكيان، لتمرير مشاريع عدوانية على دول الجوار، وربما كان التخطيط في الغرف المظلمة من دول كبرى معروفة بولائها الأعمى للصهيونية العالمية، والغاية ليس تحقيق سياسة التوسّع لأن القانون الدولي يمنع ذلك التوسّع، والمغرب أضعفُ وأجبن من أن يفكر في إعلان ما سماه الريسوني “إعلان الجهاد على موريتانيا وغرب الجزائر”، أو يكون إعلانه موجها من السياسة العامة للمخزن بعد الاستقواء بالكيان، وهو صناعة خفية تحالف على فتلها وحبكها دول المحور المتصهين من العرب والعجم، لإزعاج الجزائر وبث الرعب فيها لأنها وقفت محايدة في الحرب الروسية الأوكرانية.

وسياسة الترهيب والتخويف كما بدت لهم، ستحمل الجزائر على التراجع في سياستها مع روسيا وسياسة التطبيع والدين الإبراهيمي الذي يُعدّ ردّة عن الإسلام، لقوله تعالى: “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ”، (آل عمران:85)، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ”.

والنبرة الحادة التي لوحظت على لهجة الريسوني وهو يدلي بأوهامه حول قضية التوسُّع والبيعة لـ”أمير المؤمنين”، هي آية أنه لم يكن يتكلم من تلقاء نفسه ومن تقريراته الخاصة، لكونه لا يحمل صفة سياسية رسمية حتى يُقحم نفسه في هذا الكلام العدواني الخطير، لأن التحليل النفسي الذي يستعمَل في الطب النفسي أو في تحليل الخطاب أو محاولة فهم دواخل الإنسان وطريقة تفكيره ودوافعه، أو في استنطاق الجناة والمجرمين في مراكز  الأمن والمباحث، يقتضي مراعاة لغة الجسد التي تظهر في تعابير الوجه وحركات اليدين والعينين ونبرة الكلام وحدّته أو ليونته.

أما تأويلُ “نصرة المظلوم” لصالح حكومة المخزن وأطماعها التوسُّعية، لكون ملكهم مازال يحلم بمقولة “أمير المؤمنين” التي كانت تتناسب مع عقلية القرون الوسطى، وهو يريد أن يبيّن لهم بأن المغرب “مظلوم” لكونه سُلبت منه أرض المرابطين، من قبل موريتانيا والجزائر وحتى السنيغال وربما يخرج بخرجة جديدة فيقول أرض الأندلس، فهذا تأويلٌ فاسد وهو يعلم بأنه لا يراد به وجهُ الحق ويستحيل تحقيقه، وإنما كان يريد به استرضاء المخزن لغايات سياسية.

كان الشيخ –غفر الله له إن تاب وأناب- حماسيًّا في كلامه إلى أقصى درجات الحماسة، كما لو أنه كان مدفوعا في تصريحه بقوة الأمر أو بالترغيب و الترهيب، ولم يراع منصبه العلمي الكبير الذي يفترض أنه منصبٌ متحفّظ في القضايا الخلافية بين الدول العربية والإسلامية، لأنه منصبٌ يمثل الدين ومقاصد الشريعة ووحدة الأمة وتماسكها، وجامعا لشتات الأمة وتفرّقها وتشرذمها فضلا عن إثارة القلاقل والفتن بين أفرادها المجتمع الإسلامي والعربي، ولم يكن من وظائف هذا المنصب الدعوة إلى إحياء النعرات الجاهلية والعرقية والجهوية والعصبية والثقافية، ومفرِّقا ومشتِّتا وباعثا للمنازعات والفتن والحروب وإراقة دماء المسلمين.

والريسوني يعلم بحكم التخصص أن من علم المقاصد الكبرى هو حفظ الضروريات الخمس: حفظ النفس والدين والنسل والعقل والمال. ولما كانت الفتنة من أكبر المفاسد في الأرض، وتتعارض مع المقاصد الشرعية، قال فيها النبي (ص)” الفتنةُ نائمةٌ لعن اللهُ مَن أيقظها”.

وحسب ديباجة القانون الأساسي للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، فإنه مؤسسة إسلامية عالمية مستقلة وحرة في عملها واجتهادها، ولا يتبعُ أي دولة أو جماعة أو طائفة كما أنّه لا يُعادي أي حكومة بل يسعى إلى فتح نوافذ التعاون من أجل الخير للإسلام والمسلمين، وينضوي تحت لوائه 90 ألف من علماء المسلمين، وهو لذلك غير موجَّه من أي حكومة أو سلطة أو جماعة أو لوبي أو كيان سياسي، وبموجب القانون الأساسي للاتحاد فإن الريسوني خالف القانون الداخلي للاتحاد، حين خضع لرغبات المخزن وصرَّح بكلام جارح مفرِّق ومشتِّت ومحرِّض على الفتنة تحت مسمى “الجهاد” الذي تستخدمه التنظيمات المتشددة في إعلان “الجهاد” على المجتمع الإسلامي وهو محرَّم، لأن الجهاد يكون عند الدفع أو نشر الإسلام، وليس للاقتتال بين المسلمين حول حدودٍ موروثة ومصادق عليها بين الدول.

واعتبار لهذا الخطأ الجسيم الذي وقع فيه الريسوني، فإن الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، مدعو إلى إقالته من منصبه لأنه سيّس هذا الاتحاد وجعله منبرا دعائيا لسياسة المخزن، وخرج به عن قواعد الاتحاد وأهدافه الوحدوية المرسومة، ولا يمكن اعتبار تصريحه الخطير بأنه “رأيٌ شخصي”، لأنه شخصية علمية كبيرة ومسؤول اتحاد عالمي كبير، يجعله يتحفظ في أقواله ويحتاط في تصريحاته ومواقفه، وإذا بقي في منصبه مجاملة له، فإن الاتحاد يضع نفسه في موقع الحرج والشبهة، ويفقد مكانته البارزة ودوره الفعَّال في نفوس المسلمين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!