الرأي

الخليج بين استهلاك الحاضر وضياع المستقبل

تواصل منطقة الخليج العربي طفراتها الاقتصادية خلال القرن الواحد والعشرين في ظل عوائد النفط وتزايد حجم فوائضها المالية بما يجعلها قادرة على تطوير مشروعات البنية التحتية والارتقاء بمستوى القدرات الصناعية في مجال موارد الطاقة.
لكن الطفرة الاقتصادية في الألفية الثالثة هي طفرة في ذات المكان لم يتغير فيها سوى زمانها، فهي طفرة تقليدية لم تستوعب شروط متغيرات العصر.
موارد النفط الهائلة بانتعاش سوق نفطي عالمي لا يشبع فيه المستهلكون لم تدفع الخليجيين المثقلين بسيولة نقدية متكاثرة إلى امتلاك برامج حقيقية تنهض بواقع قدرات مواردها البشرية التي مازالت عاجزة عن أداء دورها الطبيعي في دولها.
والاتجاه إلى تطوير البنية التحتية هو استثمار لأموال فائضة عن الحاجة في مجالات لا تحتاج إلى استثمارات جديدة.. فالخليجيون الذين حددت مجالات صرفهم على المشاريع التنموية رصدوا منذ البدء جزءا من فوائض المداخيل النفطية لتطوير البنية التحتية ولم يفتحوا مجالات صرف أخرى تأخذ صفة الصرف الإنتاجي لا الاستهلاكي الذي لا عوائد له.
والخليجيون المثقلون بأموالهم النفطية الهائلة في ظل تصاعد الأسعار في السوق العالمي لم يفكروا بشيء إلا بمشاريع لا تجلب لهم إلا المتاعب على المدى البعيد بسبب غياب برامج تنموية متطوِّرة لها انعكاساتها الإيجابية على المستقبل الفاقد لضمانات الوصول إليه.
وتكشف تقارير اقتصادية سياسات تطوير النقل الجوي في دول الخليج الست التي رصدت عشرات المليارات من الدولارات لتطوير مطاراتها الحالية أو إنشاء مطارات جديدة.
وتهدف استثمارات دول الخليج في تطوير مطاراتها إلى زيادة طاقتها الاستيعابية في ظل النمو السنوي للمسافرين إلى جانب تطوير الخدمات الأرضية وتوسعة المدرجات لاستقبال الطائرات الحديثة مثل الطائرة العملاقة “الايرباص 380”.
ونفذت الكويت التي لا تحتاج بمساحتها الصغيرة إلا لمطار واحد حالها حال البحرين، خطة لزيادة سعة استقبال تصل إلى 20 مليون راكب إلى جانب إنشاء مدرّجات جديدة لاستقبال كل أنواع الطائرات العملاقة ومن بينها “الايرباص 380″ كما تضمَّنت خطة التطوير إنشاء مبنى جديد تم ربطه بالمبنى الحالي وتتراوح سعته السنوية ما بين 12 و14 مليون راكب إلى جانب بناء فندق جديد.
وتتصدر دولة الإمارات العربية المتحدة خليجيا قائمة دول المنطقة من حيث قيمة الاستثمارات التي اعتمد ضخها لتطوير البنية التحتية في النقل الجوي بقيمة تصل إلى نحو 20 مليار دولار لإنشاء مطار جديد في جبل علي وتطوير مطارات دبي وأبو ظبي والشارقة والعين والفجيرة ورأس الخيمة وعجمان.
ويعتبر مطار”جبل علي” في إمارة دبي أكبر مطارات المنطقة على الإطلاق ويوازي الحجم الكلي لمطاري هيثرو في لندن وأوهار في شيكاغو معا.
والخطط المنفذة في السعودية ركزت على تطوير مطار الملك عبد العزيز بجدة عام 2010 باستثمارات وصلت إلى نحو 5.1 مليار دولار.
ورصدت سلطنة عمان ميزانية لتطوير أكبر وأهم مطاراتها وقطر والبحرين لم يخرجا عن قاعدة الاستثمار السياحي.

والتسابق الخليجي في سوق الطيران الذي أخذ شكل تنافس في سباق لم يعرفه أحد من قبل في عالم نامي، هو سباق نحو استهلاك الحاضر وضياع المستقبل.

مقالات ذات صلة