-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" توثّق نماذج لتطبيقات النفط و"البيومتري" و"المعلم الآلي"

“الذكاء الاصطناعي”.. ثورة منتظرة في الجزائر!

إيمان كيموش
  • 8727
  • 0
“الذكاء الاصطناعي”.. ثورة منتظرة في الجزائر!
أرشيف

تحوّل الذكاء الاصطناعي في ظرف قياسي إلى المصطلح الأكثر تداولا بين البشر، وأصبح “الرُوبوت” يفرض مفاهيمه في المزرعة والبنك والمطار والمستشفى وحتى في البيت بالدول المتطورة.
بل يجزم الجميع أن “علوم البيانات” احتلت المركز الأول في التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالعالم، وبات البعض يتحدث عن سيارات بدون سائق، مطاعم بلا عمال ومحلات بدون باعة!
أما في الجزائر فالوضع مختلف، ولا يزال مجرد تخصص يدرسه الطلبة، وتجارب تسجَّل بالمُختبرات وأفكار تدعمها مؤسسات حكومية، يقول الدكتور مصطفى عواش، مدير فرقة بحث بمركز التكنولوجيات المتطورة ببابا احسن، في إفادة لـ”الشروق”.
هذه البداية شجّعت الدكتور الباحث على محاولة توظيف “خوارزميات الذكاء الاصطناعي” التي تلقاها طيلة فترة تكوينه، وهي “خطواتٌ رياضية ومنطقية ومتسلسلة” لمواجهة أزمة تكدُّس النفايات ببلدية إقامته والمناطق الحضرية التي يتنقل بينها يوميا.
وقام الأخير بتطوير فكرة لتزويد المزابل ببطاقات ذكية ترصد مدى امتلاء الحاويات بالنفايات، وتُبلّغ هذه البطاقة المديرية المركزية لجمع النفايات بمستوى الامتلاء وأماكن تواجد المزبلة، والحاجة إلى إعادة تفريغها، بطريقة تحاكي الآلة.
مُحدِّثُ “الشروق” يؤكد أن التطبيق الجديد والذي يحمل تسمية “إي بين” محل تجربة نموذجية حاليا، وقد تعتمده السلطات الجزائرية مستقبلا لتفادي مشاكل بيئية وصحية ناجمة عن تفشي النفايات.
لكنَّ المطلوب اليوم لنجاح مشروع الدكتور مصطفى وزملائه، رفع سرعة تدفق الأنترنت، وتعجيل تعميم الرقمنة في الوزارات والمؤسسات، واستكمال مشاريع البنى التحتية وتوعية المواطنين بأهمية التفاعل بإيجابية مع هذه الحلول ذات التكنولوجية العالية.
ويُبرّر الباحث ذلك بالقول: “لا يمكن أن ينجح الذكاء الاصطناعي في بيئة ترفض الاعتراف به، أو وسط بنى تحتية غير مؤهَّلة”.

من مُستخدِمٍ إلى صانِع
ومثل الكثير من الباحثين الجزائريين، تحوّل الدكتور مصطفى عوّاش من مجرد مستخدِم للرقمنة وباحثٍ في التكنولوجيا قبل سنوات إلى مُبتكِر لمشاريع تقوم على نظرية الذكاء الاصطناعي.
هذا العلمُ ظهر رسميا سنة 1956 في كلية “دارتموث” في هانوفر بالولايات المتحدة الأمريكية، يقول عُضو مجلس التجمّع الجزائري للناشطين في الرقميات يزيد أقدال، لكنّه لا يزال شديد الحداثة في الجزائر والدول العربية الأخرى.
ويعرّف أقدال الذكاء الاصطناعي على أنه “برامج معلوماتية قابلة للتطور، يتم تدريبُها وتغذيتها بمعلومات عبارة عن تجارب إنسانية، لتمنح لاحقا أجوبة مختلفة في ميادين متعدّدة، وتقارب ذكاء الإنسان، وتهدف هذه البرامج، إما إلى تعويض الإنسان أو مساعدته في رفع الإنتاجية والفعالية في الأداء”.
ويُشتَرط للاستفادة من نظرية الذكاء الاصطناعي في الجزائر “التخلي عن طرق التسيير الورقية البالية والانتقال إلى الرقمنة بالسرعة القصوى”، يقول أقدال.

حلولٌ قيد التجريب
“الشروق” حاولت رصد الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر دقة، من خلال توثيق 7 مشاريع جديدة في الجزائر، تحاكي الآلة، قدّم أصحابُها حلولا غير مسبوقة لقطاعات الاقتصاد والصحّة والتعليم والأمن، بعضها خرج من المختبرات ويخضع حاليا للتجريب في الميدان.
وبالإضافة إلى البرنامج الذكّي لجمع النفايات “إي بين”، يقترح سهيل ڨسوم، صاحب شركة ناشئة جزائرية “سمارت دريلينغ كوربورايشيون” 3 حلول تعتمد تقنية الذكاء الاصطناعي، اثنان منها موجَّهة إلى مجمَّع سوناطراك.
ويتعلّق الحلُّ الأول بالـ”وورك أوفر”، وهو حلٌّ يحدّد مدى حاجة الآبار للصيانة ويرافق الشركة النفطية في ذلك، من خلال اكتساب خبرة من المشاكل التي تتعرَّض لها الآبار في كل مرَّة، واقتراح الحلول الناجعة لها لاحقا.
أما الحلُّ الثاني، والمتعلّق بعمليات الحفر والاستكشاف، فيقوم بناء على المعطيات المسجَّلة في الآلة، بتحديد كافة الاحتمالات التي يمكن أن تواجه الشركة النفطية عند الحفر.
وبعيدا عن المحروقات، يحمل الحلُّ الثالث، تسمية “كويك” وهو تطبيقٌ للتوزيع، يربط صاحبَه مع محل البقالة، ومن خصوصياته الذكية، أنه بمجرد ذِكر لائحة الطعام، ومن دون تحديد المكوِّنات يرصد المقادير الواجب اقتناؤُها، يتواصل مع محلات البقالة لتزويد المعني، كما يقترح هذا التطبيقُ الذكي مقتنياتٍ أخرى مرتبطة بحاجة الزبون وعاداته الاستهلاكية.
قسّوم لم يكن الوحيد الذي طور تطبيقات لمجمع سوناطراك، إذ تقترح الباحثة الثلاثينية بارودة آسيا رفقة زميل لها بمركز تنمية التكنولوجيات المتطوّرة، ببابا احسن بالجزائر العاصمة، تطبيقًا هو عبارة عن واجهات “جافا” يحدّد أماكنَ تواجد المعادن في الصخور، ويسجّلها في ملفات عبر تقنية الذكاء الاصطناعي.
وباشر الباحثان العمل على المشروع الذي استغرق 30 شهرا، بعد زيارة مسؤولي الشركة النفطية إلى المركز وطرح مشاكل يبحثون عن حلّها بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويتواجد التطبيقُ اليوم لدى الرئيس المدير العامّ للمجمع النفطي قيد التجريب، وحصل المعنيان على براءة اختراع، ويُمكن تصديرُ هذا الحلّ لاحقا إلى دول إفريقية أخرى.

“المعلّم الآلي” يدخل الخدمة
وكمثال عن التطبيقات التربوية، يقترح سعيد باباسي، صاحب شركة ناشئة “إيمتيديا”، حلولا لتلاميذ المتوسطات والثانويات، عبر منصة “المعلم الآلي”، وهي أول منصة تعليمية تفاعلية في الجزائر، تعتمد طريقة دروس الدعم غير الممنهجة.
ويهدف هذا التطبيقُ الذي دخل الخدمة منذ سنتين، حسب صاحبه، إلى تسهيل تلقي التلاميذ للمعلومات، والربط بين التلميذ، والمعلم والوليّ.
وتسمح هذه المنصة بأداء 12 نشاطا رئيسيا، 3 منها تكتسي أهمية أكبر، وهي تقييم المكتسبات والتمرُّن والتصحيح، باعتماد خوارزميات ذكية للتفاعل مع كل تلميذ حسب مستواه والذكاء الخاص به.
وتبدأ العملية باستجواب التلميذ لتقييم مكتسباته، ثم تسجيل نقاطه، وبعدها إخضاعه لسلسلة اختبارات، ليقوم المصحِّحُ الآلي بمعاينة أدائه.
أما في سياق التطبيقات الأمنية، فيقترح بن غرابي مسعود، رئيس فرقة البحث البيومتري وأمن الوسائط المتعددة بمركز التكنولوجيات المتطورة كاميرا ذكيّة، مربوطة بشبكة أنترنت، تتيح التعرُّف على الأشخاص وتسجّل وجودهم حتى في حال ارتداء النظارات والكمامات.
وتقوم الكاميرا بذلك عبر تدوين إعدادات الوجه ومعالمه، على خلاف الكاميرات المفتقِدة للذكاء الاصطناعي التي تُسجِّل فقط صورة الوجه القابلة للتغير في كل مرة، وسيتم اقتراحُ هذا الحل على وزارة الداخلية وحتى الشركات المهتمة بالتطبيقات الأمنية.

إعداد 376 خوارزمي
وتُثبت هذه التجارب كلّها أن السلطات العليا في البلاد تُبدي اهتماما متزايدا بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يترجمه قرار رئيس الجمهورية باستحداث مدرسة وطنية عليا قبل سنتين مقرّها سيدي عبد الله غرب العاصمة، وأيضا إعلان عام 2023 “سنةً للذكاء الاصطناعي”.
ويدرس اليوم بسيدي عبد الله 378 طالب، حسب مديرها البروفيسور عبد المالك بشير، بين قسمَيْ السنة الأولى والسنة الثانية، ويُرتقب أن تتخرّج أول دفعة للمهندسين المتخصّصين في نظرية الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات سنة 2026.
ويشهد هذا التخصّصُ إقبالا كبيرا من طرف حاملي شهادة بكالوريا شعبة رياضيّات، حسب إفادة البروفيسور بشير لـ”الشروق”، “فالجزائر بلدٌ شاب، ويتمتّع بطاقة بشرية هائلة، وهي إحدى نقاط القوة التي تستغلّها السلطات لتوجيه الطلبة إلى تخصّصات من شأنها ابتكار حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المعيشة”.
ويقول مدير المدرسة: “الطلبة يدرسون مجانا، ويتمتّعون بتكافؤ الفرص في الانتساب لهذا التخصّص المتاح للجميع من دون احتكاره على طبقة معيّنة من المجتمع”.
وبالموازاة مع ذلك، تضمّ الشبكة البحثية الوطنية، وفق وثيقة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تلقّت “الشروق” نسخة منها، 30 مركزا و43 وحدة و59 فرقة مختلطة و1733 مخبر و4 وكالات و13 أرضية تكنولوجية للبحث.
كما تحصي الوزارة 94 حاضنة أعمال للطلبة و84 دار مقاولاتية و87 مركزا للدعم التكنولوجي والابتكار، مع أكثر من 10 آلاف مشروعٍ مؤهَّلٍ ليكون “مشروع مُبتكِر”، و5 ديار للذكاء الاصطناعي عبر التراب الوطني.

“كومبيوترات” الجيل الجديد قادمة
وإضافة إلى الإمكانات المتوفّرة، قدّمت المدرسة الوطنية للذكاء الاصطناعي طلبيات لاقتناء كومبيوترات متطورة من الجيل الجديد، أو ما يُسمَّى “الحواسيب ذات القوّة الكبيرة” يقول البروفيسور عبد المالك بشير.
ولا يمكن تلقين أساسيات الذكاء الاصطناعي بأجهزة إعلام آليٍّ غير مطابِقة لتلك التي يستعملها الدارسون بأمريكا والصين مثلا.
كما يتم التركيزُ على تشييد مراكز حوْسَبة وإنتاج بيانات جزائريّة، واعتماد برامج وتخصّصات مقتبَسة من مدارس الذكاء الاصطناعي المتطوّرة بالخارج.
وفي هذا الإطار، يقول البروفيسور بشير إن المناهج والمواد المدرَّسة تتطرّق إلى أساسيات “التعلّم العميق” و”التعلّم العالي”، و”نماذج اللغات الكبيرة”، و”اللغة الطبيعية للمعالجة” والأمن السيبراني وعلوم البيانات.
وتسعى السلطات لدفع المتخرّجين لاحقا إلى تقديم ابتكارات تصبّ في خدمة الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى، خاصة وأن الرقمنة تتطوّر بوتيرة متسارعة مُؤخّرا داخل مؤسسات الدولة.
كما تمَّ برمجة الاستعانة بالنوابغ والأدمغة الجزائرية المهاجرة إلى الخارج، للاستفادة من خبرتها في مرافقة تلاميذ المدرسة الوطنية للذكاء الاصطناعي، بعضهم سيتواصل مع الدارسين عن بُعد، ومنهم من درس بالخارج وقرّر العودة، وتتعاقد المدرسة أيضا مع علماء جزائريّين خِرّيجي جامعات محلّية يتمتّعون بخبرة واسعة وكفاءات غير مسبوقة.

قانون للرقمنة
ورغم البرامج والتسهيلات الممنوحة عبر وزارات الرقمنة والإحصائيات والتعليم العالي والبحث العلمي والمؤسسات الصغيرة والناشئة واقتصاد المعرفة، فالباحثون يطالبون بقانون خاص للرقمنة.
ويقول سهيل قسوم، الذي يشغل أيضا منصب رئيس النقابة الوطنية لأرباب العمل المواطنين في الرقمنة، إن الوضع اليوم يفرض استحداث تشريع خاص لتأطير كافة عمليات الاستثمار في قطاع الرقمنة الذي يُعدّ الذكاءُ الاصطناعي أعلى طبقاته.
ويدعو قسوم لمرافقة المشروع بنصوص واضحة، منذ أن يكون مجرد فكرة إلى أن يخرج من المختبر ويتحول إلى واقع ملموس.
محدّثُ “الشروق” يؤكّد أيضا أهمية إحداث ثورة في نصوص تشريعية أخرى، لا تزال تعطّل مشاريع الذكاء الاصطناعي، كالصفقات العمومية.
ويوضّح الخبير الرقمي: “بما أن الذكاء الاصطناعي سيكون الحاضر الأكبر في كافة القطاعات والتخصصات مستقبلا، فالمطلوب تكييف كافة القوانين الاقتصادية معه”.

الأمن السيبراني.. الرهانُ الأكبر
ووسط كل الابتكارات المسجَّلة، يطرح الخبير يزيد أقدال مشكل الأمن السيبراني، الذي يُفترض أن يحظى بجانب كبير من اهتمام القائمين على تطوير نظرية الذكاء الاصطناعي في الجزائر.
فالميل إلى الرقمنة والتطبيقات الذكية وتجسيد “الخوارزميات” في الواقع يفرض أيضا ضمان أمن البيانات وحماية معطيات الجزائريّين التي تعدّ أولوية.
ويؤكّد أقدال: “إتاحة هذه البرامج لعموم الناس سيغيّر الكثير، فالآلة ستقوم بمَهمَّات كانت محصورة على الإنسان بمهارات معينة، ولذلك يُفترض التركيزُ على الجانب الأمني بشكل خاص، وتحديد كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي الذي سيُحدث ثورة تكنولوجية حقيقية في كل المجالات”.
وبالمقابل، يُجمع جلّ باحثي الذكاء الاصطناعي الذين التقتهم “الشروق” على أنه بالموازاة مع تعميق الأمن السيبراني، يُفترض أيضا منحُهم المزيد من التسهيلات في الحصول على العتاد، من دون المرور عبر الوسطاء، كي لا ترتفع تكاليفُ المشاريع، ورفع عراقيل التسيير.

لا خوف على الوظائف
وفي وقتٍ يتخوف البعض في الخارج من تفوّق الآلة على الذكاء البشري، إلى درجة فقدان عمّال لوظائفهم واستبدالهم بروبوتات، يعتقد الخبيرُ الاقتصادي المتخصص في الرقمنة عبد الرحمن هادف في تصريح لـ”الشروق” أن الوضع في الجزائر غير قابل للمقارنة مع تلك الدول، ولا يحمل أيَّ مجازفة.
هذه التطبيقات هنا لا تزال في نقطة البداية، وكل اكتشاف يتم تطويره سيساهم لا محالة في إنعاش الاقتصاد الوطني وتسهيل حياة المجتمع والعودة بالنفع على الجزائريين في مختلف المجالات.
أما سهيل قسوم، فيؤكد أن الآلة مستقبلا ستكون في خدمة البشر وتشتغل بهدف إراحتهم، وليس لتسلبهم أدوارَهم، مذكرا بأنّ الجزائر اليوم في منأى عن هذه التصورات، على الأقل طيلة العقود المقبلة.
فالذكاء الاصطناعي الذي انتشر قبل سنوات بتطبيقات بسيطة، أصبح أكثر تعقيدا اليوم، بحثا عن المزيد من التسهيلات لحياة الإنسان، وتلك هي الغايةُ الأسمى من وجود الآلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!