-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الذكرى 60: ثلاث إشارات جيواستراتيجية بارزة

الذكرى 60: ثلاث إشارات جيواستراتيجية بارزة

يَستخلِصُ المُتَتبِّع لِتطورات الوضع العالمي والإقليمي منذ 1962، جملة من المقارنات تكاد تدلنا بشكل واضح على البعد الجيواستراتيجي للذكرى الستين لاستعادة السيادة الوطنية وآفاقها المستقبلية، وهذه ثلاث إشارات دالة على ذلك:

الأولى: على الصعيد العالمي

افتكت الجزائر انتصارها من العدو الفرنسي في ذروة الحرب الباردة الأولى بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي. اقتربت الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو من الاتحاد السوفياتي مع بداية سنة 1962 وثبَّتت صواريخها النووية في كل من إيطاليا وتركيا قبل صائفة العام ذاته. اضطر الاتحاد السوفياتي إلى نقل صواريخه النووية إلى كوبا لردع أمريكا والدفاع عن نفسه. ونَتجت عن ذلك أزمة الصواريخ الكوبية التي كادت تؤدي إلى حرب نووية…

في ظل هذه الأحداث خرجت الجزائر منتصرة من حربها التحريرية  ضد فرنسا والحلف الأطلسي، وعزَّزت بذلك موقف المعسكر الاشتراكي الذي اعتبرها منذ البداية ثورة اشتراكية ضد الإمبريالية العالمية… الوضع الاستراتيجي ذاته يكاد يتكرر اليوم ونحن نعيش الذكرى الـ60. يتقدم الناتو هذه المرة إلى حدود روسيا عبر بولندا وأوكرانيا ودول البلطيق مهدِّدا موسكو في أمنها، وتتدخَّل روسيا عسكريًّا في أوكرانيا وتعلن حالة التأهب النووي. ويتحالف الحلف الأطلسي ضدها، ورغم التحالف الغربي تبدو علامات انتصار روسيا اليوم أكثر وضوحا رغم صعوبة المواجهة. في ظل هذا الصراع بين الشرق والغرب، تحتفل الجزائر بالذكرى الستين وكأنها تُذكِّر الغرب ذاته بأن لها دورا في التغير الحاصل في العالم ينبغي أخذُه بعين الاعتبار إنْ في جوانب أمن الطاقة أو في الجوانب الأخرى.

الثاني: على الصعيد العربي

وحّدت الثورة الجزائرية الشعوب العربية والإسلامية قاطبة. لم يتخلف أي منها بالدعم المعنوي والمادي بأنظمتها الجمهورية والملكية.. وكان انتصارها بمثابة انتصار للأمة كافة. ولم تتردد الجزائر في رد الجميل خلال حربين متتاليتين وهي ما تزال تُضَمِّد جراحها. انتصرت لفلسطين في حرب 1967 ثم في حرب 1973، وحارب جيشُها لأول مرة خارج حدوده. وكان لذلك الأثر الكبير. وتدهور الوضع العربي بعد هذه الفترة. وازدادت الانقسامات. وتم زعزعة بعض الدول من الداخل باسم الربيع العربي، وإقحامها في حروب أهلية وتقسيمها، وجرت تهيئة كافة الظروف لدخول كافة الدول العربية في حالة تمزُّق غير مسبوق وتطبيع يكاد يُفرَض بالقوة، وبقيت الجزائر صامدة إلى أن دعت في ذكرى استقلالها الستين إلى قمة لَمِّ الشمل. وستُعقَد هذه القمة في الفاتح من نوفمبر القادم بإذن الله بما يحمله هذا التاريخ من رمزية انطلاق الشرارة الأولى للثورة التحريرية، الأمر الذي سيمكِّن من إعادة النظر في الكثير من المواقف بعد طول هذه المدة، ويكون بمثابة إيذان بتحول استراتيجي ثالث في المنطقة.

ثالثا: على الصعيد الإفريقي

كان للثورة الجزائرية دورٌ بارز في تغير الوضع الاستراتيجي في إفريقيا. تحررت معظم دولها وبلادنا تخوض حربها التحريرية ضد أعتى قوة استعمارية. وبعد محطات صعود ونزول كادت إفريقيا تقع مرة أخرى فريسة هيمنة غربية جديدة عنوانها تغلغل الكيان الصهيوني بداخلها.

وحين أوشك ذلك أن يتم تدخلت الجزائر بكل قوتها لوقف هذا الهجوم الخطير. وتمكنت من وضعه عند حده. وتزامن ذلك مع التبدل الحاصل في الجيواستراتيجية العالمية بعد الحرب في أوكرانيا، وعودة روسيا بقوة إلى القارة عبر مالي والنيجر وليبيا ودول أخرى. وعزّز ذلك الموقف الجزائري إلى جانب كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا خاصة.

ويُنتظر أن تلعب بلادنا في ذكرى الستين لاستقلالها دورا بارزا في تغير الوضع الجيواستراتيجي في إفريقيا بالتنسيق مع دولها الفاعلة خاصة. والبداية ستكون بتنفيذ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي سيغير موازين الطاقة في المتوسط برمّته.

إنها ثلاث إشارات حاملة للأمل يزيدها تأكيدا ذلك الاستعراض العسكري الكبير والناجح للجيش الوطني الشعبي في هذه الذكرى الستين، المليئة بالدلالات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!