الرأي

الربيع‮ ‬لم‮ ‬يأت‮..!‬

محمد يعقوبي
  • 4790
  • 19

كلنا يذكر خطاب الرئيس بوتفليقة في سطيف عشية الانتخابات، أين استنهض همم الجزائرين وشبه ذلك الموعد الانتخابي الهزيل، بـ”نوفمبر المجيد”، ووعد الجزائريين بربيع مزهر ومشرق وتغيير الأوضاع عن طريق الصندوق!!

من‮ ‬يتذكر‮ ‬تلك‮ ‬الكلمات‮ ‬ويرى‮ ‬الواقع‮ ‬السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬المتكلس‮ ‬الذي‮ ‬نيعشه‮ ‬اليوم،‮ ‬من‮ ‬غياب‮ ‬كلي‮ ‬للدولة‮ ‬وهياكلها‮ ‬والحكومة‮ ‬ووزرائها،‮ ‬يصاب‮ ‬بالإحباط‮ ‬واليأس‮ ‬ويتجلى‮ ‬أمام‮ ‬ناظريه‮ ‬مستقبل‮ ‬مظلم‮ ‬لهذا‮ ‬الوطن‮..‬

صحيح.. نتائج الانتخابات التشريعية جاءت مخيبة للجميع، وأجزم أن الرئيس بوتفليقة هو أكثر المحبطين بتلك النتيجة الفلكية التي أعلت قيمة ”الشكارة” و”البڤارة” وسفهت أحلام الأجيال الجديدة التي تبحث عن نفسها وفرصتها وسط ركام من الرداءات والديناصورات الذين يقاتلون لاحتكار كل شيء في هذا الوطن.. ولكن أي شيء يمكن أن يبرر الموت الإكلينيكي للدولة؟ ومن أعطى الحق لهذه الحكومة الفاشلة أن تستقيل معنويا (إلا من الامتيازات) والجزائريون يواجهون بجيوب خاوية شهر رمضان المعظم، غير قادرين على فهم ما يجري لهم ولوطنهم.. فهم (أي الجزائريين) استجابوا لرئيس الجمهورية وخرجوا يوم الانتخابات فأعطوا أصواتهم ذات اليمين وذات الشمال، بمجرد أنهم رأوا الرجل الأول في البلاد يعدهم بغد مشرق وتغيير شامل، لا ”ناتو” فيه ولا تدخل أجنبي ولا رائحة فيه حتى لليهودي برنارد ليفي!.. تغيير يخرج من الصندوق ليؤمّن لنا ولأجيالنا انتقالا هادئا إلى المستقبل، بعيدا عن آلام وأوجاع التسعينات.. هكذا كان العزم وهذه كانت النية، ولكن الجزائريين وبعد مرور أكثر من شهرين ونصف عن الانتخابات، اكتشفوا أنهم لم يغزوا!.. ولم ينتخبوا!.. وربما لم يسمعوا شيئا عن ”ربيع الصندوق”، أو‮ ‬ربما‮ ‬سمعوا‮ ‬بالخطأ‮ ‬وعودا‮ ‬علقوا‮ ‬عليها‮ ‬آمالا‮ ‬كبيرة‮ ‬ولم‮ ‬يجنوا‮ ‬بعدها‮ ‬سوى‮ ‬المزيد‮ ‬من‮ ‬الضياع‮ ‬سياسيا‮ ‬واجتماعيا‮ ‬واقتصاديا‮..‬

جزائريون دفعوا ثمن أخطاء السلطة سنوات التسعينات من دماء أبنائهم، ويتجرعون إلى اليوم سنوات القحط والبؤس الاجتماعي وهم يقرأون ويسمعون عن احتياطي صرف يكفي لتأمين حياة كريمة لـ ٠٤ مليون جزائري تجعلهم جميعا يعيشون في بحبوحة تفوق بحبوبة المواطن الخليجي، لكن الواقع شيء آخر تماما، والأكثر من ذلك وجعا أن يحس المواطن الجزائري أنه لا قيمة له ولا لدولته عندما يرى غيابا كليا لهذه الدولة خاصة في شهر رمضان، بل لايكاد الجزائريون يعلمون حتى لماذا لم تعلن حكومة جديدة بعد الانتخابات؟ وإذا كانت حكومة أويحيى بهذه الأهمية فلماذا لا يعاد تثبيتها لتظل قدرا مشؤوما وكابوسا مفزعا يطارد البطالين والحراڤين والمقهورين اجتماعيا؟ فأجيال من الشباب فتحت عينيها على حكومة تعيسة يتداول على ركوبها أويحيى وبلخادم، وفي الوزراء منهم من تنطبق عليهم -مع الفارق طبعا- قصة ”أهل الكهف”، الذين تغيرت مجتمعاتهم وتعاقبت الأجيال بعدهم، وهم لم تتغير حتى ملامحهم.. حتى إن أحد الأساتذة أراد أن يختبر ذاكرة طلبته فلم يجد أعجز من أن يسألهم عن اسم وزير التربية الذي كان قبل بوبكر بن بوزيد واسم وزير الشؤون الدينية الذي سبق غلام الله، وهو اختبار بالفعل يستحق جائزة معتبرة لجيل فتح عينيه على هؤلاء، وتغير كل شيء إلا هؤلاء.. في وطن يزدحم بالإطارات والكفاءات والمبدعين والعلماء والطموحين الذين يبحثون فقط عن فرصة واحدة ليخلّصوا هذا الوطن من سنوات الفرص الضائعة وسنوات الوقت المهدور..

نقول‮ ‬هذاالكلام‮ ‬ليس‮ ‬نكاية‮ ‬في‮ ‬أحد‮ ‬ولا‮ ‬كرها‮ ‬في‮ ‬آخر،‮ ‬ولكن‮ ‬حبا‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الوطن‮ ‬وإشفاقا‮ ‬عليه‮ ‬من‮ ‬حالة‮ ‬التكلس‮ ‬والتيبّس‮ ‬والجمود‮..‬

وطن‮ ‬عاجز‮ ‬عن‮ ‬تجديد‮ ‬نفسه‮ ‬بأجيال‮ ‬جديدة‮ ‬امتلكت‮ ‬بناصية‮ ‬العلم‮ ‬والتجربة‮.. ‬أجيال‮ ‬نراها‮ ‬تهاجر‮ ‬في‮ ‬طوابير‮ ‬طويلة‮ ‬بحثا‮ ‬عن‮ ‬فرصة‮ ‬خارج‮ ‬الوطن‮ ‬الذي‮ ‬أصبح‮ ‬شيخا‮ ‬هرما‮ ‬وهو‮ ‬في‮ ‬عز‮ ‬شبابه‮ ‬وعنفوانه‮.‬

من حقنا أن نسأل عن هذا الوقت المهدور من حياة الوطن؟.. لماذا لم تتشكل الحكومة؟ أو لماذا لم تثبت نفس الحكومة التعيسة؟ ولماذا توقفت عجلة الإصلاحات الموعودة؟.. أم ترى لذلك علاقة بتعثر الربيع العربي وانحرافه في بعض دول الجوار؟.. ماالذي يجعلنا نقول ما لا نفعل ونفعل ما لا ينبغي ونغرس المزيد من الخناجر المسمومة في قلوب الأجيال الصاعدة؟ لماذا غابت حتى جلسات الاستماع في رمضان للوزراء، وهي جلسات لم نر فائدتها في الأعوام السابقة لكن وجودها كان على الأقل يوحي بالحيوية ويعطي الجزائريين الإحساس بالثقة في بعض أجزاء دولة قاومت‮ ‬لتبقى‮ ‬وتأبى‮ ‬المقاومة‮ ‬لتنهض‮!‬

ألا يستحق هذا الشعب أن يرى حكومة إطارات قادرة على تشخيص الداء وتقديم العلاج؟ ألا يستحق هذا الشعب أن يستفيد من الخير الذي أنعم الله به عليه من بترول ومعادن؟ ألم يحن الوقت لتصبح الجزائر ”دولة لا يُظلم فيها أحد”؟ ولا يجوع فيها أحد، دولة تفرض قانونها على الجميع‮ ‬وتأخذ‮ ‬حقها‮ ‬من‮ ‬الجميع‮ ‬وتعطي‮ ‬لكل‮ ‬مواطن‮ ‬ما‮ ‬يستحق؟‮..‬

أليس‮ ‬من‮ ‬الحرام‮ ‬أن‮ ‬يقابل‮ ‬حب‮ ‬الجزائريين‮ ‬لوطنهم‮ ‬بكل‮ ‬هذا‮ ‬النكران‮ ‬والتجهّم‮!!‬؟

مقالات ذات صلة