-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تطبق عبر المؤسسات الصحية بنسبة 100 بالمائة نهاية جوان

الرقمنة.. وصفة العلاج السريع للنهوض بالصحة

كريمة خلاص
  • 4252
  • 0
الرقمنة.. وصفة العلاج السريع للنهوض بالصحة
أرشيف

لم تعد الرقمنة في تسيير القطاع الصّحي رفاهية بقدر ما باتت حتمية استعجالية، لما تساهم به من حلول آنية وفورية في عصرنة الإدارة الصحية واستخدام الأسلوب العلمي في حل المشكلات الإدارية واتخاذ القرارات الصائبة والحاسمة، من خلال ما يسمى بالإدارة الالكترونية، التي تعتبر بمثابة خط دفاعي متقدم للمنظومة الصحية، ناهيك عن الإسهام الكبير في تسيير ملفات المرضى وتسهيل وتحسين عمل الأطقم الطبية وشبه الطبية في التكفّل بالحالات التي تتدفق يوميا على المؤسسات الصحية، خاصة في مصالح الاستعجالات، وهذا ما يساهم في التكفل الأمثل بصحة الجزائريين.

وترفع وزارة الصّحة التحدي عاليا في مجال الرّقمنة، حيث حدّدت آجالا حاسمة وفاصلة لإرساء المعالم الأولى للمشروع، الذي يندرج ضمن أولويات برنامج رئيس الجمهورية في القطاع الصحي. ويعدّ التحوّل الرقمي الخطوة الأولى في رقمنة قطاع الصحة، ويكون ذلك من خلال التوعية بأهمية العملية للمواطنين والمهنيين في الصحة.
ونظرا للأهمية البالغة التي تكتسيها العملية، أنشأت الجزائر وكالة وطنية للرقمنة في الصحة، تتولى تسيير العملية في مختلف جوانبها وأبعادها السيادية والاقتصادية والاجتماعية.

وكالة وطنية للرقمنة في الصّحة.. أولى الخطوات
بادرت الجزائر إلى إنشاء الوكالة الوطنية للرقمنة في الصّحة، بموجب المرسوم التنفيذي رقم 22-251 المؤرخ في 30 جوان 2022، وتعمل الوكالة الموضوعة تحت وصاية وزير الصحة، وفق مقاربة استراتيجية تسمح بتقييم الفرص وتحديد الأهداف بدقة والقيام بدراسات عملية، حسب تصريحات لامية طالبي المديرة العامة للوكالة في لقاء مع “الشروق”.
وأكدت طالبي أنّ استراتيجية الرقمنة بنيت في الوكالة على عدة مبادئ، على غرار الشفافية والالتزام والتآزر وخدمة المريض في إطار رؤية لعصرنة قطاع الصحة الذي تتدخل فيه العديد من الأطراف ورقمنته على المدى البعيد.
وتتمثل الاتجاهات الإستراتيجية الكبرى للوكالة العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي في الرقمنة وتأهيل الموارد البشرية في هذا المجال، وإعطاء صورة علامة للوكالة والتعريف بها من خلال شعارها الذي ترفعه “بصمتنا في رقمنة الصحة”.
ويرتكز مخطّط عمل الوكالة على ثلاثة أعمدة ذكرتها طالبي، وهي رقمنة الهياكل الصّحية والإدارة والعملية التحسيسية والوقاية، بحيث يتم تحديد كامل مسار المريض ورقمنته في هذا الجانب منذ دخوله إلى خروجه من المؤسسة الصحية وإدخال المعلومات في البطاقة الصحية الوطنية.
ويتم كل ذلك، وفق معايير “إيزو” والمعايير الدولية التي تجعل التكفل موحّدا في جميع المؤسسات الصحية “في العاصمة كما في تمنراست وفي سطيف ووهران وغيرها”، على حد تعبير طالبي.

الوكالة.. مهام استراتيجية اقتصادية وصحية واجتماعية
يحدّد المرسوم التنفيذي مهام الوكالة الوطنية للرقمنة، ومن أهمها رقمنة الهياكل الصحية وإنشاء المنصات الرقمية التكوينية، وإعداد أنظمة آلية لرقمنة الصحة “الطب عن بعد الفحص بالأشعة عن بعد”.
وهنالك أيضا مهام أخرى استراتيجية اقتصادية وصحية واجتماعية، ضمن خصوصية الوكالة ذات الطابع التجاري والصناعي التي تتطلب أن تكون ذات مردودية للدولة ووسيلة داعمة للشركات الناشئة والفاعلة في مجال الرقمنة.
وتعمل الوكالة على إعداد قوانين الرقمنة وضبطها وتدوين دليل في الرقمنة في مختلف المجالات والتخصصات، وإعداد دفاتر شروط لمختلف التعاملات مع الشركاء والمتعاملين في القطاع العمومي والقطاع الخاص نظرا لخصوصية الملف، فكل شيء يجب أن يمر عبر الوكالة لحماية الملفات والبيانات السرية للمرضى والمعطيات التي تمثل مسألة سيادة وطنية.

التوعية والتحسيس أوّل خطوة في التحول الرقمي
وتعتبر العملية التحسيسية أوّل خطوة في مجال الرقمنة، حيث تتيح الوكالة وسائط متعددة على موقعها وعلى المنصة التكوينية (E-LEARNING ) لتقريب المفاهيم للمواطنين والمهنيين وتفادي أية مقاومة للرقمنة من قبل البعض، مع تبيان دورها في تسهيل العمل والعلاج والتسيير، فالعصرنة تساعد كثيرا على اتخاذ القرار وحسن التسيير، ومعارضتها عادة ما تكون عن جهل بفوائدها وإيجابياتها.

بحوث الأطباء والطلبة تحفظ في المكتبة الرقمية
وباشرت الوكالة الوطنية للرقمنة في الصّحة عملية التحويل الرقمي للمكتبة العلمية التي تضم أعمال باحثين وخبراء وأطباء وطلبة، وهي أعمال كفاءات جزائرية تعبت في بحوثها وتحتاج إلى تثمينها وتسير العملية بخطوات متقدمة، إذ كانت البداية برقمنة جميع المؤلفات على مستوى وزارة الصحة، وانتقلت بعدها إلى مكتبات المستشفيات الجامعية وتسير عقب ذلك تدريجيا نحو الهيآت الصحية.
وأوضحت طالبي لامية أنّ الطلبة والأطباء أكثر اهتماما الآن ووعيا برقمنة أعمالهم، ويتصلون بالوكالة من أجل إدراجها في المكتبة الرقمية، “وستعمل الوكالة في مرحلة لاحقة على أرشفة الوثائق للعديد من المؤسسات الصحية والصيدلانية وفق المعايير والتقنيات المعمول بها عالميا”.

بطاقة صحّية ورقم سري خاص بالمريض
ويستفيد المريض في إطار رقمنة القطاع الصحي من بطاقة صحية رقمية خاصة به، تحمل رقما سريا يمكّنه من الولوج إلى ملفه الطبي ضمن بوابة خاصة، وتشاركه مع الأطباء الذين يرغب في استشارتهم أو لدى تنقله للعلاج في ولاية أخرى.
وتبنى البطاقة الصحية -حسب طالبي- على نظام معلوماتي جديد يجمع بين رقمنة القطاع العام من خلال “شبكة داخلية” ورقمنة القطاع الخاص من خلال “شبكة خارجية”، والربط بينهما يكون بواسطة الرقم التعريفي الوطني. وأفادت طالبي أنّ البطاقة مضاعفة الحماية، ويتم الولوج إلى معلوماتها المريض بواسطة الرقم السري والرقم التعريفي الوطني.

مركز يقظة صحّي لتسيير الكوارث
ويتضمن مشروع الرّقمنة أيضا، إنشاء مركز لتسيير الأزمات والكوارث يتوفر على يقظة تكنولوجية ضمن ثلاثة مستويات هي مؤسسات الصحة ومديريات الصحة ووزير الصحة.
ويتم تقسيم مؤسسات الصحة بموجب عمل المركز إلى 6 نواح باعتماد التقسيم العسكري، وفي حال حدوث كوارث تعمل هذه الفرق الصحية مباشرة مع وزارة الدفاع وتشارك المعلومات مع وزير الصحة، حيث يؤشّر على المنطقة باللون الأحمر لتفسح المجال لتدخل القطب الأقرب الذي يضم فرق تدخل مكوّنة ومدرّبة على هذه التقنيات.

حماية كاملة للملفات الطبّية بالتعاون مع وزارة الدفاع
وطمأنت محدثتنا بأنّ الملفات الطبية الرقمية للمرضى في أيادي آمنة، وأنّها محمية من القرصنة، وتم اتخاذ جميع الاحتياطات بالتعاون مع الوكالة الوطنية للأمن المعلوماتي التابعة لوزارة الدفاع.
وقالت طالبي، أنّ “استراتيجية الوكالة تعمل على حماية المعلومات الطبية للمرضى بطريقة تمنع الهجمات السيبريانية الوطنية والخارجية، التي قد تستهدف الجزائر في منظومتها الصحية للحصول على معلومات سيادية، وأنّ هذه الحماية تتم في حدود ما يتيحه لها من صلاحيات المرسوم التنفيذي الذي تأسّست بموجبه”.

تطوير أزيد من 40 منصة رقمية في القطاع الصحي
بدوره، كشف مسعودي موهوب، مدير المنظومات الإعلامية والإعلام الآلي بوزارة الصحة، في لقاء مع “الشروق”، عن تطوير 40 منصة رقمية في جميع المجالات والهياكل، موجهة للإطارات الإدارية والطبية وشبه الطبية، بخبرات وكفاءات جزائرية 100 بالمائة.
وذكر موهوب أمثلة عن بعض تلك المنصات ومنها منصة “e-learning” للتكوين المتواصل للإطارات عن بعد، إذ تسمح لهم بالإطلاع على جميع المستجدات والمشاركة في مختلف الدورات التكوينية من مؤسستهم بدون عناء التنقل ومصاريف التكفل، فبات بالإمكان تطوير مهارات العمال والموظفين بدون عناء أو تكاليف ومن دون غياب عن عملهم.
وذكر موهوب أيضا أن منصّة تسيير الموارد البشرية تحصي جميع العاملين في القطاع الصحي من الأطباء والإداريين والممرضين وشبه الطبيين، مشيرا إلى منصة أخرى لمتابعة المشاريع ورصد نسبة تقدم كل مشروع وكذا منصة للصحة المدرسية وأخرى للمصابين باضطراب التوحد وأخرى لمرضى كوفيد 19.
أمّا المنصة المهمة الأخرى التي تحدّث عنها موهوب، فهي منصة سند الطلبيات الإلكترونية للدواء، وقد لاقت نجاحا كبيرا بعد تعميمها على جميع المؤسسات الصحية في الوطن منذ 3 أفريل الفارط، وحققت نتائج ايجابية عبر المؤسسات، التي تتفادى من خلالها انتهاء صلاحية المخزون وترشيد الاستهلاك وتنظيم توزيع المخزون.

“صحتي موب”.. المرضى يختارون مواعيدهم بأنفسهم
وبفضل الرقمنة بات بإمكان المرضى اختيار مواعيدهم الطبية بأنفسهم، من خلال تطبيق “صحتي موب” لأخذ المواعيد الطبية عبر المؤسسات الاستشفائية. وحسب ما أكّده مسعودي موهوب، فإنّ التطبيق معمول به في إطار تجربة نموذجية عبر 22 ولاية إلى غاية الآن، “على أن يعمم تدريجيا على جميع المواطنين والمرضى في كامل ولايات الوطن”.
ويختار المريض ضمن التطبيق، الولاية التي يرغب اجراء الفحص بها واسم المصلحة بين الخيارات المتاحة ليحال بعدها الى المرحلة الثانية لاختيار الموعد وفق اليوم والساعة الممكنة على أن يرفق الطلب برسالة توجيهية من قبل الطبيب. وعند إتمام العملية يقدم للشخص رمز الاستجابة السريعة لإظهاره لدى المصلحة في التاريخ المحدد.

الرقمنة في المرافق الصّحية تتقدم بنحو 75 بالمائة
وحسب تقييم لوزارة الصّحة إلى غاية بداية شهر ماي، فقد بلغت الرقمنة تقدمّا بحوالي 75 بالمائة، ومع حلول نهاية جوان الجاري ستكون قد عمّمت على جميع المؤسسات الاستشفائية وفق تعليمات وتوصيات وزير القطاع، الذي حدد 30 جوان تاريخا للانتهاء من رقمنة جميع المؤسسات.
ووصف موهوب النسبة بـ”المفرحة والمقبولة جدا حتى من لم يلتحق نهائيا في الأجل المحدد فسيكون قد حقق تقدما كبيرا جدا.”
ويجري تقييم تقدم الرقمنة من خلال المتابعة والرصد عبر منصة رقمية لمديريات الصحة توافي بها الوزارة أو عن طريق نظام يرصد جميع المؤسسات التي تعمل بالملف الطبي الالكتروني.
وأفاد مسعودي أنّ الرقمنة قطعت شوطا كبيرا في المؤسسات الاستشفائية العمومية والمتخصصة وهنالك من أتمت العملية بنسبة 100 بالمائة، خاصة بعض قاعات العلاج، غير أنّ الأمر يتواصل الآن في بعض المؤسسات الاستشفائية الجامعية وهذا أمر طبيعي، حسب المتحدث، راجع إلى كبر وضخامة هذه الهياكل والعدد الكبير للمصالح والتدفق الكبير عليها من قبل المواطنين الذي يعيق نوعا ما تقدم الأشغال.
وأردف محدثنا أنّ الرقمنة مشروع لا ينتهي فهي دائمة ومتجدّدة، مستدلا في حديثه بالملف الطبي الالكتروني الذي يعرف طبعته الـ12 وفقا لمقترحات الأطباء بما يتناسب وتسهيل عملهم وتأدية مهامهم بشكل مريح وسهل.

5 طرق لضمان التغطية والاتصال المستمر
وفّرت وزارة الصحة للمؤسسات الصحية خمس طرق للاتصال وتفادي انقطاع الانترنيت، منها الألياف البصرية والانترنيت العادي والجيل الرابع للانترنيت، وكذا الاتصال عن طريق الأقمار الصناعية “الساتيليت” أو عن طريق شبكة افتراضية خاصة “VPN” بما يجعل من الاستحالة بما كان أن تواجه المؤسسة الصحية مشاكل في التغطية بالانترنيت وتعد الألياف البصرية الخيار الأفضل نظرا للتدفق العالي والجودة المتاحة.
وقد تم توقيع عدّة اتفاقيات مع هيآت معنية من أجل ذلك منها اتفاقية مع متعامل الهاتف النقال العمومي “موبيليس” بخصوص الجيل الرابع واتفاقية مع الوكالة الوطنية لاتصالات الجزائر الفضائية وغيرها.

فحوصات وتحاليل تصل المخابر قبل المرضى
اختصرت الرّقمنة الوقت والجهد على المريض والأطقم الصحية، فالتحليل الطبي الذي كان يتطلب التنقل بين المصالح لطلبه أو الحصول على نتائجه بات متاحا الآن بكبسة زر، تجعل العامل في المخبر يطلع على نوع التحليل وتحضير مستلزماته حتى قبل أن يصل المريض إلى المخبر من خلال طلب داخلي في المنصة يقوم به الطبيب المعني بالفحص.

وفي حال أراد الطبيب طلب تحاليل طبية إضافية يدخل إلى الشق الخاص بها ويطلب ما يشاء من التحاليل الواردة في القائمة فقط من خلال وضع علامة “+” في المكان المراد بضغطة زر والحال نفسه بالنسبة لبعض العلاجات شبه الطبية مثل رفع خزعة أو القيام بحقنة أو ضمادة فمن خلال تنبيه صوتي يصل إلى الممرض يقوم باللازم في حينه.

وداعا لضياع الملفات الطبية
وأكّد ممثل وزارة الصّحة مسعودي موهوب، أنّ إدراج الرقمنة في كثير من المؤسسات الاستشفائية يدخل في إطار سياسة صفر ورق، التي كان يتحدث عنها الوزير ويقدم تعليماته لتطبيقها فالمريض في ظل الرقمنة يتنقل في المستشفى بـ0 ورقة.
وبالمقابل، يتم الاحتفاظ في قاعدة البيانات بنسخة عن كامل التحاليل والفحوصات التي يخضع لها التي تعد بمثابة أرشيف عن المريض يتنقل معه أينما حلّ وارتحل في المؤسسات الصحية عبر الوطن، وقال محدثنا: “وداعا للملفات الطبية الضائعة والأرشيف فقاعدة البيانات تضم نشاطات جميع المؤسسات”.

رقمنة الاستعجالات والملف الطبي الإلكتروني أولوية قصوى
وتعد رقمنة مصالح الاستعجالات والعمل بالملف الإلكتروني للمريض أهم الأولويات التي منحها وزير الصحة عناية خاصة لتعميمها قبل تاريخ 30 جوان الجاري ضمن مخطط محدد ومضبوط، حيث تزيد يوميا أعداد المؤسسات الصحية والمصالح الطبية والجراحية الوافدة إلى عالم الرقمنة.
وساهمت رقمنة مصالح الاستعجالات في التكفل السريع والمنظم بالمرضى وتنظيم الطوابير في قاعات الانتظار، حيث يأخذ الشخص بمجرد وصوله إلى المصلحة التذكرة التي تصنّفه في مكتب الفرز حسب درجة الخطورة وفق 3 أصناف، درجة خطورة عالية باللون الأحمر ودرجة خطورة متوسطة باللون البرتقالي ودرجة لا تستدعي الخطورة باللون الأخضر.
وتحمل التذكرة رقما محددا واسم ولقب المريض لتفادي منحها لشخص والمراوغات من قبل بعض المرضى، كما تتضمن الوجهة التي يذهب إليها المريض “الطب الجراحي أو الاستعجالي أو الفحص أو غيرها”.
ويتابع المرضى دورهم من خلال شاشة رقمية في قاعة الانتظار توجّه المريض نحو قاعة الفحص الخاصة به، إذ ينادي الطبيب على أسماء المرضى عن طريق تنبيه صوتي. وعند دخول المريض إلى قاعة الفحص تبدأ المرحلة الثانية من الرقمنة المتمثلة في الملف الطبي الإلكتروني ورقمنة مسار المريض باستعمال بطاقة التعريف البيومترية أو إدخال رقم التعريف الوطني وذلك بالتعاون مع وزارة الداخلية التي وضعت قاعدة بياناتها، حسب ما أكّده موهوب، في خدمة رقمنة صحة المريض وهو حسبه الآن مربوط مباشرة بقاعدة بيانات وزارة الداخلية “التي بذلت مجهودات جبارة وسهّلت المهمة لأقصى درجة …”.
ويوفر القارئ الإلكتروني جميع معلومات المريض “الاسم واللقب والعمر حتى الصورة” وبالتالي من غير الممكن أن ينتحل أي شخص هوية شخص آخر… أما إذا لم يكن الشخص حاملا للبطاقة فيمكن الوصول إليه من خلال الرقم التعريفي الوطني أو الاسم واللقب وتاريخ الميلاد.
ولم يغفل النظام الرقمي الحالات الاستعجالية التي قد لا تحمل بطاقتها معها إذ توضع في البداية ضمن خانة “المجهول” مع توفير خاصية تعديلها لاحقا عند حضور الأهل والتعرف على المريض…
وبفضل نظام الذكاء الاصطناعي الذي أدرج في النظام الطبي خاصية التعرف على المعلومات المتشابهة حيث ينذر النظام بوجود معلومات متشابهة ويمنح الإمكانية لإضافتها في حال الإيجاب.
وبعد الفحص الطبي يدرج الطبيب جميع المعطيات والملاحظات والتحليلات في الملف الإلكتروني في ثوان معدودة، فالملف مزود بقاعدة بيانات تتضمن جميع تشخيصات الأمراض التي قد يعاني منها المرضى حمى أو سعال أو قيء أو غيرها.

مستشفى باب الوادي يقطع شوطا كبيرا في الرقمنة
قطع المستشفى الجامعي محمد لمين دباغين بباب الوادي شوطا كبيرا في مجال الرقمنة سواء الاستعجالات الطبية والجراحية أو في مصلحة الصيدلة أو الأشعة الطبية، وهي تجارب فتية سبقت الإعلان الرسمي عن رقمنة المؤسسات الصحية عام 2022.
وفي هذا الصدد، يؤكد المدير العام للمستشفى نافع تاتي، في تصريح لـ”الشروق”، أنّ الانطلاقة كانت في مصلحة الأشعة الطبية التي تعتبر أكبر مصلحة وطنيا تتوفر على كل الأجهزة من “سكانير” و”إيرام” و”انجيوغراف” و”بات سكان” و”إيكوغراف” و”ماموغراف” وذلك عام 2016 حيث كانت البداية بتحديد موعد لفحوصات الأشعة إلى غاية تسليم نتائج الفحص.
وأكّد تاتي أن التجارب الأولى المتواضعة في رقمنة مصلحة صيدلية المستشفى ومصلحة الأشعة الطبية مهّدت الطريق لتطبيق تعليمات وزير الصحة منذ عام تقريبا ضمن مخطط عمل يقضي برقمنة المصالح.
ويعد مستشفى باب الوادي من أوائل من بادروا إلى رقمنة الاستعجالات الطبية والجراحية وكذا صيدلية المستشفى التي كانت التجربة المرجعية الأولى في تطبيق نظام سند الطلبيات الرقمية مع الصيدلية المركزية للمستشفيات منذ نوفمبر 2022، وهو منصة رقمية للعمل بين الجانبين تطّلع من خلالها الصيدلية على مخزون جميع المستشفيات وتتجنب بموجبه الندرة وتتحكم في التوازن والتبادل بين المستشفيات، كما أنّه يضمن تسيير رشيدا لمخزون الأدوية والمستلزمات الطبية ويسمح بتتبع مسار مخزون الأدوية وتجنب انتهاء الصلاحية قبل 3 أشهر بواسطة تنبيهات وهو ما يصب في إطار ترشيد استهلاك الأدوية وتجنب الندرة.
وقال تاتي: “الرقمنة ليست مجرد تذكرة، بل هي تسيير قاعات الانتظار وتسهيل إجراءات تحاليل الدم والفحوصات الإشعاعية والطبية وغيرها من الجوانب”.
وكشف المدير عن “تطبيق إلكتروني متصل بين المخبر والاستعجالات يقوم بناء عليه المريض بالخضوع للتحليل مباشرة عند وصوله إلى المخبر والطبيب يحصل على النتيجة فوريا دون انتظار أو إرسال من يحضرها وكذلك بالنسبة لفحص الأشعة النتيجة تظهر مباشرة عند الطبيب وبالتالي تقليل النفقات…”
وكشف تاتي عن اختيار مركز الأورام الطبيبة للأطفال للعمل بالملف الإلكتروني للمريض بعد تكوين للتقنيين والأطباء وشبه الطبيين لما يتوفر عليه من مسار كامل وجامع “الاستعجالات، الفحص، الاستشفاء، الأشعة والمخبر” فهو يضمّ جميع المصالح في مجمّع واحد.
ومن المبرمج قريبا، حسب تاتي، رقمنة مصلحة جراحة الأعصاب والطب النووي الذي يقصده المرضى من 58 ولاية وهنالك أيضا مصلحة الفحوصات المتخصصة “السكري، الأعصاب، الطب الداخلي، المسالك البولية، الجراحة العامة”، حيث يتم أخذ موعد بواسطة تطبيق في الهواتف النقالة الذكية سيوضع حيز الخدمة قريبا مع الإبقاء على الطريقة التقليدية لأخذ المواعيد مراعاة لعدم تحكم المسنين المرضى في التقنية…

هذه هي منافع الرقمنة في المستشفيات
وعدّد تاتي نافع الآثار الإيجابية للرقمنة على الأداء العام، فهي -كما قال- تساعد في اتخاذ القرارات السليمة في الوقت المحدد، كما تضفي شفافية على جميع النشاطات الطبية والإدارية، وتسمح أيضا بتوفير قاعدة بيانات دقيقة عن مختلف الموارد البشرية والمادية ومختلف الأمراض المنتشرة، فالرقمنة ماهي إلا وسيلة مساعدة في تسهيل وتحسين الخدمات الصحية.

الرقمنة قلّصت العنف والضغط في المصالح الاستعجالية
وأضاف تاتي: لاحظنا سلوكات عنف أقل بكثير وتراجع الضغط وشفافية في التعامل والفحص، كما أن المريض الذي يستقبله الطبيب عند الفرز يكون أكثر اطمئنانا وثقة وقد سجلنا نتائج إيجابية وفرت علينا كثيرا من الشجارات والعنف”.
وتابع قائلا: “استطعنا بفضل الرقمنة تتبع جميع الإحصائيات وأنواع المرضى وحالاتهم ومردودية الأطباء والممرضين بمعنى كوّنا قاعدة معطيات بمثابة لوحة قيادة تتخذ على ضوئها قرارات هامة، كما استطعنا بفضلها صيانة معدات الأشعة عن بعد من قبل المؤسسات الأم التي توفر العتاد في إطار عقود صيانة تربط الطرفين وفرت تكاليف باهظة.”
ومن الآثار الواضحة أيضا حسب محدثنا، القضاء على ديون المستشفى مع الصيدلية المركزية للمستشفيات، حيث صرّح “نحن الوحيدين تقريبا الذين ليس لدينا ديون مع الصيدلية المركزية منذ 5 سنوات وهذه لم تكن اعتباطية بل نتيجة عمل الرقمنة التي عملت بها المصلحة منذ 2016”. وعقب التجارب الأولى لتطبيق الرقمنة بدت نتائجها جليّة في المصالح التي طبقت فيها خاصة مصالح الاستعجالات التي كثيرا ما كانت “حلبة” صراع بين الأطقم الصحية ومرافقي المريض..
“الشروق” تنقلت إلى مصلحة الاستعجالات الطبية والجراحية للمستشفى الجامعي محمد لمين دباغين بباب الوادي التي تفحص نحو 400 مريض يوميا وتحدثت إلى الدكتورة دحدوس حسيبة طبيبة عامة استعجالية تشرف على الفرز، حيث قالت “نحن أول من يستقبل المريض، هنالك طبيبان أحدهما يقوم بالفرز والآخر بالتنظيم، حيث نستفسر المريض إذا كانت حالته تسمح أمّا إذا جاء مسعفا من قبل الحماية المدنية أو الأمن أو مصالح خاصة فنحاول معرفة نوع الحادث الذي تعرض له ونتعامل مع الحالة وفق ما تتطلبه الإسعافات الاستعجالية.

توجيه صحيح للمريض لضمان تكفل أحسن
وأضافت دحدوس، أن “الأسئلة التي نطرحها بسيطة، الهدف منها الفرز وليس التشخيص من أجل التوجيه وتحديد درجة خطورة المريض وفق سلم فرز “أ 1-2” حالة خطيرة تستدعي التوجيه نحو مصلحة الصدمات لتسريع التكفل وهنالك “أ3-4” تكفل طبي أقل خطورة.
وأكدت الطبيبة أن الوضع تغير كثيرا بعد إدراج هذا النظام الرقمي في المصلحة فالمواطنون بدؤوا يتأقلمون مع الوضع ويتفهمون الأمر ويطمئنون أكثر، لأن من تحدث معهم طبيب وواعي بنوعية الإصابة. ويحاول الأطباء إفراغ شحنة القلق والغضب التي يأتي بها المريض أو مرافقوه من خلال رسائل الطمأنة وتحديد درجة الخطورة.
وأكدت المتحدثة أن الأعداد الكبيرة للمرضى التي كانت تعم المصلحة لم تعد موجودة وأن آجال الانتظار تقلصت بشكل لافت، كما أن مختلف أشكال الصدام والملاسنات التي كانت تحدث مع المرضى أو مرافقيهم تكاد تكون منعدمة إلا في حالات استثنائية نحاول تفهمها قدر الإمكان وتهدئة أصحابها.
وأردفت الطبيبة “الاستعجالات عمل مكثف ومضن ومتعب جدا خاصة بالنسبة لمصلحة تتواجد في حي شعبي مثل باب الوادي يتدفق عليها مئات المرضى يوميا، فالاستعجالات تعد قلب المستشفى وواجهته وكلما كان عدد الأطباء العاملين فيها أكثر كلما تحسنت خدمة المريض.
وباختصار تقول دحدوس، “الرقمنة ساعدتنا كثيرا في الاستعجالات التي تتطلب سرعة التكفل ومعرفة مسار المريض والعلاج الذي استفاد منه كما قللت من حالات العنف التي كنا نتعرض لها”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!