-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الزاوي والزاوية

عابد شارف
  • 4830
  • 0
الزاوي والزاوية

تتردد في صالونات العاصمة وفي بعض ما يسمى بالأوساط الثقافية أخبار عن خلاف حاد حول مديرية المكتبة الوطنية. ورغم اعتباره كأحد المقربين من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني، فإن الكلام الذي يتردد يشير إلى وضع صعب قد يواجهه مدير الكتبة الوطنية، السيد أمين الزاوي، كما يؤكد من يعيشون في حواشي الوزارات والإدارة المركزية أن السيدة خليدة تومي تكون قد رفعت تقريرا، بل تقارير، ضد السيد زاوي، لتوجهها إلى رئيس الجمهورية.

  • وكانت زيارة الشاعر أدونيس آخر حلقة في هذا الخلاف القديم الذي يتجدد كل شهر. وقد أثار أدونيس بأفكاره ومواقفه من الدين عامة ومن الأصولية خاصة ردود فعل عنيفة من الأوساط والشخصيات التي كلفت نفسها بحماية الدين الإسلامي في الجزائر. ووجهت هذه الأوساط التي تسمى بالأصولية أو المحافظة، وجهت إلى أدونيس اتهامات لا تختلف كثيرا عن تلك التي تصدر عن المجموعات الإرهابية، بالقول إن الشاعر إباحي أو ملحد أو عدو الدين، وأن دعوته إلى الجزائر وفتح المكتبة الوطنية أمامه يشكل هجوما على الإسلام… وهذا الكلام بدائي، لا يعبّر عن فكر الرجل المتكامل…
  • وكان السيد زاوي قبل ذلك قد عرف كيف يحافظ على زاويته، خاصة وأن الكثير من المسؤولين في الإدارة عامة وفي »الإدارة الثقافية« خاصة قد نصبوا أنفسهم ممثلين لمختلف الزوايا الموجودة في البلاد لما رأوا أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ووزيره للشؤون الدينية بوعبد الله غلام الله يمجدون تلك الزوايا إلى أن جعلوا منها قطبا أساسيا في الحياة السياسية للبلاد. وقد لاحظ الكل أن أية زيارة للرئيس بوتفليقة للمدن الداخلية تشكل فرصة للقاء ممثلي الزوايا المحلية، وكان الحال كذلك خلال زيارته الأخيرة لتلمسان لما التقى ممثل زاوية الشيخ بلقايد. لكنه لم يعرف عن الرئيس بوتفليقة أنه زار مدينة والتقى أهل الفكر فيها…
  • ومن الواضح أن أدونيس لا يتعامل مع الزوايا، وأن زيارته للجزائر تشبه الخطأ، سواء كان الخطأ منه أو من مدير المكتبة الوطنية. ويمكن أن نحمّل ارتكاب الخطأ للشاعر إن كان أدونيس يعتقد أن الجزائر مجتمع متقدم يعطي للدين حقه وللفن والفكر والشعر والجمال حقهم. وإن كان أدونيس يفكر بهذه الطريقة، فإنه سجين صورة قديمة للجزائر، ولا لوم عليه إن بقي يحلم بجزائر الحريات، بل انه من واجب الشاعر أن يحلم ويجرّنا معه في أحلامه.
  • لكنه من الأرجح أن يكون الخطأ من طرف السيد أمين زاوي، الذي يشتغل عند إحدى الزوايا التي تحكم البلاد، وهو في نفس الوقت يريد أن يحاور مفكرين لا يعترفون بتلك الزوايا ويرفضون أن يمنحوها دورا سياسيا. وفي هذه الحال، فإن السيد زاوي مخطئ، لأنه يريد أن يجمع بين الماء والنار. إنه يعرف أن أغلبية الوزراء والمسؤولين خرجوا من قرنهم منذ مدة، بل ان البعض منهم لم يدخلوا هذا القرن إطلاقا، وسلكوا الشعوذة والحيلة والتلاعب للوصول إلى المنصب والبقاء فيه. والحق الحق: يجب الاعتراف أن هؤلاء على صواب، ويجب الاعتراف أنهم اختاروا الطريقة الصحيحة للوصول إلى السلطة، لأنه من المستحيل أن يصل الكثير منهم إلى منصب الوزير لو كان ذلك مبنيا على الفكر والعلم والعقل…
  • هذا الكلام ليس افتراء أو كلام صالونات أو مقاهي. لقد أكد شهود عيان أن الوزير الفلاني يستعمل البخور في مكتبه بطريقة منتظمة، وأن أهل الرقية أول من يدخل مكتب المسؤول الفلاني، قبل رئيس ديوانه ومستشاره. وإن كان السيد الزاوي رجلا عصريا، كما توحي لذلك الدعوة التي وجهها إلى أدونيس، فإن وجوده ضمن هؤلاء لمدة طويلة يبقى لغزا…
  • وإذا كثرت الألغاز في سر وصول الناس إلى السلطة في الجزائر، وفي طريقة تسيير العلاقات بين الوزير والمسؤول، فإن فطر أدونيس يبقى عظيما ببساطته… إنه يلخص ما يعرفه الكل وبطريقة بسيطة. إنه يقول إن الذين قاوموا الاستعمار بالأمس أصبحوا الجلادين لمرحلة ما بعد الاستقلال في الكثير من البلدان العربية… قال إن الدين والإيمان حق لكل إنسان، وأن الحكم باسم الدين أدى إلى إقامة أنظمة متسلطة… وفي ماض قريب، كانت السيدة خليدة تومي تنتمي إلى حزب لائكي يتبنى هذا الفكر المتقدم. فهل عادت هي كذلك إلى القرن الماضي، إلى بداية القرن الماضي، إلى مرحلة سبقت ظهور الفكري العصري في الجزائر؟
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!