الرأي

السخرية من الإسلام‮ “‬حقّ‮” ‬للفرنسيين؟

حسين لقرع
  • 5606
  • 10

حينما تصرّح وزيرة العدل الفرنسية،‮ ‬كريستيان توبيرا،‮ ‬بأنه‮ ‬يمكن في‮ ‬فرنسا رسمُ‮ ‬كل شيء حتى الأنبياء‮! ‬وأن للفرنسيين‮ “‬الحقَّ‮” ‬في‮ ‬السخرية من كل الأديان‮! ‬فإن ذلك‮ ‬يُعدّ‮ ‬بمثابة ضوء أخضر تمنحه فرنسا رسمياً‮ ‬للصحيفة المارقة لتوجيه المزيد من الإهانات للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم‮.‬

الوزيرة الفرنسية تريد أن تقول ضمنياً‮ ‬للمسلمين قاطبة‮: ‬سنواصل رسم نبيّكم والإساءه إليه وسبّه،‮ ‬هذا‮ “‬حق‮” ‬للفرنسيين،‮ ‬ولن‮ ‬يتنازلوا عنه،‮ ‬ولن نكترث أبداً‮ ‬بردود أفعالكم‮.‬

هذا التصريح‮ ‬ينسف كل الآمال في‮ ‬إمكانية أن تثوب فرنسا،‮ ‬وغيرها من الدول الغربية أيضاً،‮ ‬إلى رُشدها،‮ ‬وتسنّ‮ ‬قوانين تجرّم الإساءة إلى الأديان والتهكم على رموزها باسم‮ ‬‭”‬حرية التعبير‮” ‬المزعومة،‮ ‬ليس خوفاً‮ ‬من تكرار هجمات‮ ‬7‮ ‬جانفي،‮ ‬ولكن حفاظاً‮ ‬على العلاقة بين الغرب و1‭.‬5‮ ‬مليار مسلم،‮ ‬ينتشرون في‮ ‬مختلف دول العالم،‮ ‬وليس في‮ ‬56‭ ‬بلداً‮ ‬إسلامياً‮ ‬فحسب،‮ ‬ومنهم‮ ‬10‮ ‬ملايين مسلم في‮ ‬أرجاء أوروبا،‮ ‬نصفهم في‮ ‬فرنسا،‮ ‬لكن‮ ‬يبدو أن كل ما‮ ‬يهم فرنسا،‮ ‬هو إرضاء أقليتها اليهودية،‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬يتجاوز عددها‮ ‬500‮ ‬ألف‮ ‬يهودي‮ ‬فرنسي،‮ ‬وليس مراعاة مشاعر‮ ‬5‮ ‬ملايين من مسلميها،‮ ‬أو الحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية بالدول الإسلامية،‮ ‬ما دام على رأسها أنظمة خانعة،‮ ‬تضمن لها ديمومة مصالحها،‮ ‬ويشارك بعضُها في‮ ‬مسيرة باريس،‮ ‬ولذلك سنّت قانوناً‮ ‬يمنع المساس بـ”قدسية‮” ‬المحرقة المزعومة،‮ ‬وقمعت صحفييها ومفكّريها من أجلها،‮ ‬وحرمتهم من‮ “‬حقهم‮” ‬في‮ ‬انتقادها والسخرية منها وإنكارها،‮ ‬ولكنها لن تفعل الأمر نفسه مع الإسلام؛ فهو مستباحُ‮ ‬الحِمى،‮ ‬وليس هناك أنظمة تضغط على فرنسا سياسياً‮ ‬واقتصادياً‮ ‬وبشتى السبل للدفاع عنه،‮ ‬لذا‮ ‬يمكن لصحفييها السخرية منه ومن نبيّه،‮ ‬وهو‮ “‬حق‮” ‬لهم،‮ ‬حسب وزيرة العدل الفرنسية‮.‬

كنا ننتظر إثارة مسألة ضرورة وضع قوانين تجرّم الإساءة إلى الأديان،‮ ‬ولكن‮ ‬يبدو أن ما ستشهده فرنسا،‮ ‬هو المزيد من القوانين التي‮ ‬ستضيّق الخناق على مسلميها،‮ ‬وتحوّل حياتهم إلى جحيم،‮ ‬وتجعلهم مدانين بالتطرّف والإرهاب إلى أن تثبت براءتُهم،‮ ‬وقد بدأت بلجيكا منذ أيام تناقش مشروع قانون‮ ‬يعتبر مسلميها‮ “‬خطراً‮ ‬محتملاً؟‮”‬،‮ ‬ويتعامل معهم على هذا الأساس،‮ ‬ما‮ ‬يسمح بإطلاق‮ ‬يد شرطتها لمطاردتهم واضطهادهم بدعوى‮ ‬‭”‬الاشتباه بهم؟‮”‬،‮ ‬وقد‮ ‬يُلهِم هذا المشروع القانوني‮ ‬فرنسا فتُصدر قانوناً‮ ‬مماثلاً‮ ‬للتضييق على جاليتها،‮ ‬باسم مكافحة التطرف والإرهاب،‮ ‬إرضاء ليهودها الذين بدأ بعضُهم‮ ‬يروّج لفكرة أن فرنسا هي‮ ‬الحلقة الأضعف في‮ ‬أوروبا،‮ ‬لأن قانونها الخاص بحماية الحريات الفردية‮ ‬يكبح الأمن الفرنسي‮ ‬عن مطاردة المتشددين،‮ ‬وأن هذا القانون‮ ‬يجب أن‮ ‬يسقط قريباً‮.‬

تصريح الوزيرة الفرنسية‮ ‬يغذّي‮ ‬أكثر مشاعر الكراهية والبغضاء والعنصرية ضد الإسلام ومسلمي‮ ‬أوروبا كلها،‮ ‬بدليل استقواء حركة مناهضة الإسلام بألمانيا بأحداث‮ ‬7‮ ‬جانفي‮ ‬بباريس،‮ ‬وتوسّعها إلى عدة دول،‮ ‬لكن المُحزن أكثر،‮ ‬هو أن تقوم بعض أجهزة المخابرات العربية بالمساهمة في‮ ‬ذلك،‮ ‬عوض حماية الجاليات المسلمة،‮ ‬وتتعاون مع الموساد في‮ ‬فرنسا،‮ ‬تحت‮ ‬غطاء‮ “‬مكافحة المتشددين الإسلاميين‮”‬،‮ ‬وكأن عارَ‮ ‬مسيرة باريس لم‮ ‬يكفِهم،‮ ‬ولا حول ولا قوة إلا بالله‮.‬

مقالات ذات صلة