-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السياحة الداخلية.. طبيعة عذراء ونقاط كثيرة سوداء

د / رمزي بوبشيش
  • 381
  • 0
السياحة الداخلية.. طبيعة عذراء ونقاط كثيرة سوداء

واقع السياحة الساحلية في بلادنا الجزائر لا يرقي للمستوى السياحي العالمي المطلوب، بل وحتى الإفريقي والشمال الإفريقي، فهو واقعٌ سياحي ضعيف مقارنة بواقع السياحة الساحلية بالجارة تونس والمغرب، والذي يستقطب الأجانب، عكس السياحة الساحلية في بلادنا التي اغلب سياحها أبناء البلد ولا تحقق مداخيل اقتصادية إضافية، عكس تونس والمغرب التي يعتمد اقتصادهما خصوصا في فصل الصيف على السياحة.
تتميز الجزائر بشريط ساحلي طويل وشاسع ومتميز على غرار دول الجوار التي تتميز بقصر سواحلها. وفي الشريط الساحلي الجزائري لكل ولاية ومنطقة ساحلية خصائصها ومميزاتها، ومن أبرز الأماكن التي لفتت انتباهي والتي يمكن أن اتخذها نموذجا ممتازا للسياحة الساحلية وخصوصا العائلية ولاية جيجل التي تتفرد بعدة مميزات، فهي تمتلك شريطا ساحليا طويلا ومميزا من بني بلعيد إلى زيامة منصورية، وتوسطها لشريطين ساحليين وهما سكيكدة وبجاية، مما يسهل عملية الانتقال لكليهما، وجيجل لا تتميز بشريط ساحلي وشواطئ بحرية فقط، بل بوجود غابات ووديان جميلة قريبة من السواحل تسمح بالتمتع في آن واحد بالسياحة البحرية والجبلية، إضافة إلى وجود حظيرة وطنية، كحظيرة تازة التي تتواجد بها حديقة حيوانات متنوعة وقربها من البحر، والزائر لهذه الولاية يجد أمامه عدة وجهات سياحية ترفيهية من بحر للسباحة ووديان وجبال للمشي والرياضة وحدائق حيوانات وألعاب للتسلية والترفيه وخصوصا رفقة العائلة والأطفال.
إضافة إلى هذا تتميز جيجل أيضا بوجود مغارات كهوف عجيبة يمكن زيارتها رفقة العائلة للتمتع بمنظر الرواسب الكلسية من صواعد متشكلة عبر قرون، ومنها يمكن الانتقال إلى بجاية للتمتع بوديانها والاستمتاع بالسباحة فيها، فتجمع بين السباحة في المياه العذبة والمالحة إضافة إلى أنه يمكن القيام بجولات للتمتع لما يعرض من تذكارات سياحية متعلقة بتراث المنطقة القبائلي الأمازيغي.
السياحة الساحلية في الجزائر مختلفة بعض الشيء عن بعض بلدان الجوار، ومن إيجابياتها أنها تمزج بين التاريخ القديم بآثاره العريقة، في السواحل كما في العاصمة وتيبازة ووهران وغيرها بالحاضر ما يجعل الزائر يعيش في تجربة سياحية راقية بين طيات الماضي العريق والترفيه والتسلية في جغرافيتها المتميزة من شواطئ جميلة وجزر صغيرة ووديان وغابات ساحلية وحظيرة غابية متنوعة من أشجار ونباتات وحيوانات، ورغم نقص المرافق مقارنة بدول الجوار إلا أن هذا لم يمنع الجزائر من أن تتمتع ببعض المنتجعات الساحلية الراقية وبعض الفنادق الرائعة بخدماتها المميزة.
ورغم إيجابيات السياحة الساحلية في الشريط الساحلي الجزائري والتي شكّلتها الطبيعة بتنوعها وجمالها وغزارة مظاهرها الطبيعية الإيجابية، إلا أن العامل البشري لم يستثمر في هذه الايجابيات السياحية التي منحته الطبيعة ليشكل عاملا سلبيا في الإضرار بالنشاط السياحي الساحلي البحري، ولا يساهم في رفع المردود السياحي بها، من خلال عدة نقائص لعب العامل البشري دورا هاما فيها، وكذلك ضعف وعي سكان الساحل بأهمية السياح ومساهمة السكان بمشاريع صغيرة أو كبيرة وتوفير الأمن المجتمعي للسائح، فلا يُنظر إلى السائح نظرة الغريب بل ينظر إليه كزائر للمنطقة ويجب إعطاء صورةٍ حسنة ومشرِّفة عنها.
ومن النقائص ضعف المرافق والبنى التحتية وخصوصا بما يتعلق بالمراحيض العمومية والحمامات التي تفتقر لها مناطقنا الساحلية والتي تشكل معاناة حقيقية للسائح، وإن توفرت فإنها لا تتوفر على معايير النظافة المناسبة، وكذلك قلّتها، مما يسبب ازدحاما وعاملا مساهما في نشر بعض الأمراض المعدية، وهي ظاهرة سلبية وجب تفاديها مستقبلا لتشكيل واجهة راحة واستجمام سياحية ايجابية. كما أن ضعف شبكات النقل والمواصلات ذات الغرض السياحي وأحيانا صعوبة الوصول إلى الأماكن السياحية، وإذا توفر النقل فإنه يتميز بالغلاء مما يصعّب على السياح الإقامة مطولا.
وتبقى مرافق الاستقبال والمبيت النقطة السلبية في السياحة الساحلية، فعدم وجود مرافق ومنتجعات كافية لاستقبال السياح الذين يعتمد أغلبهم على المبيت في سكنات يقوم بكرائها لهم سكان المنطقة الساحلية بمبالغ باهظة، وإذا توفرت مرافق وفنادق فإنها لا ترقى إلى شروط المنتجعات الساحلية في دول الجوار ولا تتناسب كذلك مع سعرها الغالي مقارنة بالخدمات الهزيلة المقدَّمة، والمنتجعات الجيدة تكون في خدمة الأثرياء وأصحاب الدخل العالي.
وتتمركز المرافق السياحية في مناطق رئيسية للمدن الساحلية فقط دون باقي المناطق، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، خاصة الفنادق والمطاعم والمقاهي وكذلك المحلات التي تعرف بغلاء أسعار المنتوجات الغذائية التي يستغلُّ هؤلاء الفصل السياحي لرفع أسعارها بغرض الربح، مما يشكل إرهاقا لجيوب السياح لهذه المناطق.
وتبقى نظافة المحيط من أبرز الظواهر السِّلبية التي نلاحظها في كل زيارة لمنطقة أو مدينة ساحلية ليشكِّل مظهر الأوساخ والقاذورات واجهة للشواطئ، وهي ظاهرة تتكرر كل عام ولم يتخلص منها بعد، سواء من قبل السلطات أو المواطن أو السائح بحدِّ ذاته، مما يسبب نفورا وخللا في الذوق السياحي والترفيهي.
لترقية السياحة الساحلية وجعلها سهلة ميسرة وممتعة لخدمة المصطافين وجب التركيز على جوانب مهمة، منها المبيت، وذلك بتشجيع بناء منتجعات سياحية راقية تتوفر على كل الخدمات التي تساعد في راحة السائح، على غرار تلك المتوفرة في الجارة تونس من حيث الخدمات والأسعار والترفيه والتسلية، سواء ببناء منتجعات سياحية عمومية من قبل الدولة أو تشجيع الخواص على الاستثمار في بناء مجتمعات سياحية خاصة ودعمها ومرافقتها من قبل الدولة.
ووجب كذلك تجديد شبكة النقل والمواصلات وتحسينها وتوفير مختلف صيغ أنواع النقل والمواصلات لتكون في خدمة المصطاف، وتسهل له حركته في الشريط الساحلي، وتوفير كذلك النقل البحري مع أسعار مناسبة للمصطاف.
ووجب أيضا المساهمة في توعية المواطن في الحفاظ على البيئة والإكثار من حملات النظافة لصناعة واجهة شواطئ نظيفة حفاظا على البيئة وصحة المواطن والمصطاف، وكذلك توفير أماكن الاستحمام والمراحيض العمومية وفق شروط نظافة جيدة وبوفرة لتكون في خدمة السائح والمصطاف، مع تشديد الرقابة على المطاعم ومحلات الأكل السريع سواء من ناحية النظافة أو الأسعار. كل هذه نراها جوانب مهمة لترقية السياحة الساحلية في خدمة المصطاف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!