-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السياحة الساحلية في الجزائر.. متى تستقطب السياح؟

أ. كمال محجوب
  • 1625
  • 0
السياحة الساحلية في الجزائر.. متى تستقطب السياح؟

لعبارةِ السياحة الساحلية وقعٌ خاص في نفوس الناس كلما حل فصل الصيف بالخصوص.. فتنصرف أذهان البعض إلى تلك الأماكن الساحرة بخلجانها الصخرية وصفاء مياهها والجلسات العائلية لتناول ما لذ وطاب من الأسماك وتلك السهرات الليلية الترفيهية. وقد يكون ذلك على مستوى مدن سواحل بلادنا الطويلة والغنية بمناظرها الطبيعية الخلابة بالنسبة للبعض، أو على مستوى بعض الدول التي دأب البعض الآخر على زيارتها وقضاء عطلهم بمدنها مثل تونس والمغرب إلى غاية سنوات التسعينيات قبل غلق الحدود معها.
وكما هي الذكريات السارة التي تحفظها ذاكرة كل إنسان، توجد ذكرياتُ خيبة وأسف وامتعاض جعلت الكثير يرسم صورة قاتمة إلى وقت قريب عن كثير من المناطق الساحلية التي حباها الله بموقع وبيئة طبيعية خلابة قلما يوجد مثلها عالميا، ولكنها ظلت ومازالت تفتقر إلى كثير من الضروريات التي تسمح للمصطافين بقضاء عطلهم في أحسن الظروف، وحرمت بذلك الساكنة المحلية من مصدر ارتزاق هام.
السياحة في مفهومها العامّ هي السفر من مكان إلى آخر بهدف الترفيه والاكتشاف والترويح عن النفس من مشاغل الحياة، وقد تكون داخلية أو خارجية، والداخلية قد تكون نحو الجنوب خلال مواسم معينة شتاء أو خريفا، وقد تكون نحو الشمال ربيعا أو صيفا. وخارجيًّا قد تكون نحو أماكن بعيدة أو نحو بلدان حدودية قريبة جغرافيًّا مثل تونس والمغرب.
والسياحة الساحلية تحدُث صيفا لانجذاب الناس نحو البحر للتمتُّع بمياهه وشواطئه وخلجانه الصخرية، وقد تكون وفق الميول والرغبات نحو الشواطئ الشرقية أو الوسطى أو الغربية. والساحلُ الجزائري الذي يمتد حسب المعلومات المتوفرة على طول 1644 كلم من الحدود التونسية إلى الحدود المغربية، يعدُّ من السواحل الهامّة بمميزاته الطبيعية والبيئية باعتباره من ضفاف البحر المتوسط وهو وِجهةٌ سياحية عالمية تتنافس في الاستحواذ عليها كلُّ الدول المحيطة.
ومن خلال تجربتي الشخصية مع السياحة الساحلية بالشواطئ الوطنية شرقا وغربا ووسطا منذ سنوات السبعينيات حين كان أغلبها مازال يحتفظ بطابعه العذري عدا البعض منها في المدن الساحلية الكبرى، فقد كان الإقبال يقتصر على فئة قليلة من المصطافين نظرا للظروف الاجتماعية التي كانت سائدة، ثم تطوَّر الأمر شيئا فشيئا لتشهد إقبالا نسبيا كبحت العديدُ من النقائص تطوُّرَه وهذا في مجال المرافق والخدمات خاصة.
وفي سنوات الثمانينيات ومع بداية الانفتاح الاقتصادي وتحسُّن أحوال الناس ظهر ما يسمى بالسياحة الخارجية، واندفعت قوافل السياح من الشباب خاصة لاكتشاف العالم الخارجي، وبدا التهافت خاصة على البلدان المجاورة لحاجة الناس لتغيير الأجواء وتدني الأسعار نسبيا وإبداع الجيران في تقنيات الاستقطاب وفق الميول والرغبات، وتوفرها على سلسلة من المرافق السياحية التي توفر الراحة في ظل السكينة والهدوء للعائلات خصوصا ونشاطات مرافقة في التفسح والتسوق، فأصبحت الوجهة المفضلة لكثير من الجزائريين ونمطا اجتماعيا معينا للتباهي.
وقد شاءت القدرة في السنوات الأخيرة أن تعم جائحة كورونا مختلف بلدان العالم فأغلِقت الحدود وتوقف السفر إلى الخارج واضطر الناس إلى المكوث ببيوتهم، فتوقفت السياحة، ومع بداية زوال الوباء شيئا فشيئا ورفع إجراءات الحجر الصحي ازدادت حاجة الناس للترويح عن النفس، وبدأ اكتشافهم وإقبالهم على السياحة الداخلية والساحلية منها بالخصوص، وكان لذلك تأثيرٌ كبير على تحسن مستوى الخدمات واستثمار الدولة والخواص في هذا المجال، فأعيد تجديد الكثير من المرافق السياحية الساحلية، وشهدت السواحل الجزائرية انجاز الكثير من المرافق الجديدة الخاصة والعامة، ومعها بدأت الذهنيات والممارسات تتغير تلقائيا رغم بقاء الكثير من النقائص والسلبيات التي مازالت تعوق انطلاقة حقيقية لتكون في مستوى تطلعات المصطافين والسياح من داخل البلاد وخارجها، وتمكن الجزائر من التحول إلى وجهة سياحية ساحلية حقيقية وبامتياز.
ولعل من أهم الإيجابيات الملاحظة في ظل الظروف الجديدة التي يلاحظها العام والخاص هو انصراف الكثير من الناس عن السياحة الساحلية الخارجية بفعل عدة عوامل، أهمها جهل الكثير للمواقع والشواطئ الجذابة والرائعة التي تزخر بها بلادنا إلى جانب:البدء بشكل واقعي وعملي بعيدا عن الديماغوجية في إرساء خطة وطنية للتهيئة السياحية بآفاق وأهداف واضحة، ورصد للإمكانات المادية والطاقات البشرية، وكذلك تحسُّن شبكة النقل وربطها بمختلف مناطق الوطن، وتنامي ملحوظ للمرافق السياحية الخاصة والعامة، واكتشاف العالم للوجهة الجزائرية من خلال الحملة الترويجية، ودور مواقع التواصل الاجتماعي في ذلك، وبدء ترسّخ آليات السياحة في ذهنية الجزائريين وبوادر ترسّخ ذهنية استقطاب السياح وتشجيع السياحة الداخلية لدى المتعاملين في الميدان السياحي، بدءا بالمرافق السياحية العمومية وصولا إلى الخواص.
أما النقائص والسلبيات التي مازالت سائدة، فجزء كبير منها يعود إلى سياق زمني ماضي مازالت ترسباته ماثلة إلى حد الآن، ويعيق الانتقال إلى الانخراط في السياق العالمي السائد المرتكز على المنافسة والجودة وخلق الثروة والقيمة المضافة بدل الاعتماد على الخزينة العمومية بالنسبة للقطاع العامّ، والانتهازية والرغبة في الربح السهل وقلة الاهتمام بالخدمات نحو الزبائن بالنسبة للقطاع الخاص. وتتلخص خصوصا في :
نقص النظافة المنتظمة والدائمة، ونقص توفير المرافق الضرورية كالماء والتطهير والإنارة العمومية والأسواق والنقل.. ونقص الرقابة الصحية للمواد والمنتوجات، وقلة الاهتمام بتوفير مسارات مرافِقة للسياحة الساحلية تكون وفق الكنوز الطبيعية والبيئية التي تتوفر عليها، وقلة الاستفادة من الإقبال على السياحة الساحلية لدعم السياحة التاريخية والحموية والثقافية والبيئية والرياضية والدينية… وقلة الاستفادة من التجارب العالمية في ميدان السياحة الساحلية وفقا للفئات العمرية الشباب والعائلات والسياحة الفردية والجماعية والسياحة الموسمية والعابرة.
وفي الأخير، تبقى سواحل بلادنا منارات لا تضاهيها أي سواحل في العالم بطولها القياسي 1644 كلم، وخلجانها وجزرها ومغاراتها ورمالها الذهبية، والأودية العذبة التي تصب فيها، وتنوع غابات الجبال المحيطة بها شرقا في الطارف وشاطئ لامسيدا وبحيرات طونغا الصغرى والكبرى وعين عشير بعنابة، وشواطئ سكيكدة والقل وشواطئ الأفتيس وزغواط بجيجل وتيشي ومالبو واوقاس ببجاية الناصرية، وتيقزيرت وازفون بتيزي وزو وزموري ودلس ببومرداس، وسيدي فرج وزرالدة بالعاصمة، وبني حوة وتنس بالشلف وصابلات والمجدوب بمستغانم، وعيون الترك والمرسى الكبير بوهران، وبني صاف وتارقة في عين تيموشنت، ومرسى بن مهيدي والغزوات بتلمسان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!