-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السيّئات تأكل الحسنات

خير الدين هني
  • 308
  • 0
السيّئات تأكل الحسنات

من الأصول المقررة في الإسلام أن الأعمال الصالحة لا تُقبل مع الكفر، ولا يبطلها كلَّها غيرُ الكفر، لقوله تعال: ((قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ، وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى)) (التوبة: 53- 54)، ولقوله سبحانه: ((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)) (طه: 112)، فالآيتان الكريمتان تقرران أن الأعمال الصالحة التي هي الفرائض والعبادات وأعمال الخير والبر، لا يقبلها الله -تعالى- إلا مع الإيمان الصادق والإخلاص لله تعالى، فإن شابها كفر أو شك أو ارتياب أو فسوق أو رياء بطلت، لأنها لا يُقصد بها وجه الله وحده.

والخوارج والمعتزلة يذهبون في مذاهبهم إلى أن الكبائر تبطل العبادات والأعمال الصالحة، لأنهم اعتبروا اقتراف الكبائر لا يستقيم مع الإيمان الصادق، والمسلم عندهم وهو يقترف كبائر الذنوب التي لا تغتفر إلا بالندم الشديد والتوبة النصوح، ويُعد عندهم فاسقا وهو بين المنزلتين (الكفر والإيمان)، على أن المرجئة يرجئون أمر مرتكب الكبيرة إلى الله يوم القيامة، إن شاء غفر وإن شاء عذّب.

أما أهل السنة والجماعة، فهم على خلاف بين إحباط العمل بارتكاب السيئات، وبين عدم ذلك، وتبقى الحسنة حسنة والسيئة سيئة طالما الإيمان حاصل، ولا يتسع المقام لإيراد أقوال العلماء وتفصيل كلامهم في هذه المسألة، وإنما اكتفيت بما يشير إلى اختلاف المذاهب الإسلامية في تأويل من يرتكب السيئات الكبيرة، واختلافهم نابع من مناهجهم في الدراسة والبحث والتأويل والترجيح، فأصحاب مدرسة العقل من المعتزلة والخوارج وغيرهما، يعتبرون التناقض بين الإيمان الصادق واقتراف المعاصي والآثام، نقطة جوهرية في التفريق بين المؤمن والفاسق، وأن الفاسق وصفه الله -تعالى- بالنفاق في قوله: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)) (التوبة: 67- 68)، وفي قوله جلّ ثناؤه: ((وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا))، (النساء: 14).

وهذه النصوص وغيرها هي ما استشهد به أهل العقل من المعتزلة وغيرهم، على أن الجمهور من أهل النقل والشيعة لا يجعلون الفاسق مرتكب الكبيرة مُخلَّدا في النار ولهم حججهم، وسيطول بنا الكلام لو نستعرض أقوالهم، ونحن نقول: الله أعلم وأحكم وأدرى بما يفعل بعباده العصاة، ولكن المحقّق أن مرتكبي الكبائر يدخلون النار ويبقون فيها إلى أن تنقضي العقوبة في آجالها التي هي من علم الله تعالى، ولا يعرف مقدار زمنها مفسر أو عالم أو علامة، لأنها من صميم الغيب الذي لم يطلع عليه الله أحدا من خلقه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!