الرأي

الشجاعة والعدل.. هل يجتمعان؟

محمد سليم قلالة
  • 2441
  • 8

الكل يعلم أننا نسير في الكثير من سياساتنا العامة السير الخطأ وبالأخص في ثلاثة مجالات: التعليم والسكن والشغل، المواطن والمسؤول في أي مستوى يعرفان ذلك، ويعرفان أن تصحيح الخطأ بإعادة النظر في سياسة التعليم كأن تتم مراجعة سياسة اختيار الأساتذة، أو أسلوب الانتقال إلى الأقسام العليا وبخاصة نحو الجامعة وفي الجامعة، وإعادة النظر في الكثير من الشعب المفتوحة حاليا بلا جدوى علمية أو عملية وإن اقتضى الأمر غلق بعضها، هو الطريق الأمثل للإصلاح في هذا المجال، إلا أنهم يدركون أيضا بأنهم قد يكونون الضحية الأولى لهذا الإصلاح وسيدفعون ثمن أخطاء لم يرتكبوها، إذا تم تغيير معايير اختيار الأساتذة تُطرح مسألة من قام بتكوينهم، وإذا طُرحت مسألة البكالوريا والانتقال في الجامعة تُطرح مسألة البرامج والآليات التي منعت التكوين من أن يكون في المستوى المطلوب، وإذا طُرحت مسألة تقليص عدد الطلبة في بعض الفروع وإعادة توجيههم تبعتها مسألة الفئة التي سيُضحى بها منهم ومن الأساتذة الذين تم توجيههم نحوها، وهكذا..

نفس الإشكاليات ستطرح في مجال السكن، إذا ما تمت مراجعة هذه السياسة الخاطئة أو تلك، سيتسبب ذلك في الشعور بالظلم لدى فئات عديدة من المواطنين، أولئك الذين يعرفون أن السياسة الحالية غير منصفة، ولكنهم لا يريدون أن يكونوا أول من يدفع الثمن لتصحيحها وسيشعرون بغبن كبير إن هي توقفت، وقد كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الهدف، مثل الذين سبقوهم ….

وفي مجال الشغل، يعرف الجميع أن سياسات تشغيل الشباب الحالية ضررها أكثر من نفعها، وقد تسببت في تدهور قيمة العمل المنتج، وشجعت السير على طريق البحث عن الربح السريع أو الأجر الزهيد مقابل اللاّعمل، ولكنهم أيضا لا يريدون المغامرة بحلول أخرى قد يكونوا أول من يُضَحى بهم عند تغييرها، ومن ثَم يفضلون بقاء الوضع القائم على المخاطرة بالتغيير.

ولعل هذا ما جعل الناس يخافون من المستقبل أكثر من الحاضر، وجعلني أقول إن مشكلتنا الحقيقية هي في عدم القدرة على تقديم تصور متكامل ومقنع وعادل بإمكانه إخراجنا من الحلقة المفرغة التي دخلناها منذ أكثر من عقد من الزمن ونحن ندرك حقيقتها، ولكننا لا نستطيع الإفلات من قبضتها للإنطلاق في مشروع جديد،

لذلك نحن اليوم بحق نحتاج إلى سياسات عامة تكون في ذات الوقت شجاعة لكسر هذه الحلقة المفرغة، ولكنها أيضا عادلة حتى لا نكافئ الذين سايروا الخطأ ونطلب من الذين ضحوا أن يستمروا في التضحية جيلا بعد جيل، فكيف نجمع بين الشجاعة والعدل؟ ينبغي أن نفعل ذلك، إنه البديل الأفضل بين كل البدائل المطروحة للخروج إلى المجال الآمن والفسيح مطلبنا جميعا.

مقالات ذات صلة