الشراكة والاقتصاد.. الوجه الآخر للقمة العربية في الجزائر

يجمع خبراء الاقتصاد على أن القمة العربية المنتظر عقدها في الجزائر مطلع نوفمبر المقبل، لن تقتصر على الشق السياسي فقط، وإنما يرتقب أن تتضمن الأجندة الهامشية، استحداث لجان فرعية لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي، وربما إعادة النظر في بعض بنود اتفاقية الشراكة العربية، وأيضا تفعيل التعاون البيني في مجالات الفلاحة والغذاء والصناعة والطاقة، خاصة في ظل السياق الجيوستراتيجي العالمي، المتسم بالحرب الروسية الأوكرانية.

ويقول الخبير في مجال الحوكمة الاقتصادية، عبد الرحمن هادف، في تصريح لـ”الشروق” إن القمة المرتقب عقدها بداية من أول نوفمبر المقبل تأتي في سياق جيوسياسي عالمي غير مستقر، تميّزه أزمة طاقة عالمية وندرة القمح والغذاء دوليا، وإذا كانت هذه القمة تكتسي أهمية كبيرة من الجانب السياسي، فإنها من الناحية الاقتصادية تتضمن العديد من الرهانات، أبرزها تنظيم تكتّلات اقتصادية عربية لمجابهة مخاطر الهزات الاقتصادية العالمية، وتعزيز التعاون الاستثماري والتجاري بين هذه الدول للمرحلة المقبلة.

الإعفاءات الجزائرية للدول العربية بلغت في سنة واحدة 2356 مليار

ويؤكد هادف أن الدول العربية أمام تحدي تحسين الشراكة الاقتصادية بين الدول، حيث أن منطقة التبادل الحر العربية محتاجة لإعادة تقييم وتفعيل على حسب السياق العالمي الحالي، ومواكبة تطلعات الدول العربية في مسعاها التنموي”، متوقّعا أن تناقش الجزائر مع الدول العربية الأخرى سبل تطوير الشراكات وتنميتها، على غرار الأمن الغذائي لتعزيز القدرات الإنتاجية في الفلاحة والصناعة الغذائية وأيضا الأمن الطاقوي، وذلك بهدف بلوغ نظرة موحدة في هذا المجال، وتعزيز الشراكة في الجانب الصناعي، الذي يعدّ محرك كل الاقتصادات، واستحداث سياسات صناعية جديدة تناسب التحولات التي يشهدها العالم.

وتسعى العديد من الدول العربية اليوم، إلى ولوج الثورة الصناعية الرابعة والدفع باقتصاد المعرفة، عبر استحداث أدوات إنتاجية جديدة واقتصادات متكاملة، إضافة إلى تحقيق التكامل في جانب القطاع الفلاحي والمواد الأولية، وتطوير الصناعات التحويلية، وهي الملفات التي ينتظر أن يتم فتحها خلال القمة العربية لدراسة إمكانية إبرام شراكات في هذا التوجه الجديد ورفع مستوى التبادلات التجارية والاقتصادية.

ويكتسي ملف الاستثمار أهمية كبرى، في لقاءات القمة، لاسيما وأن الجزائر اليوم أماطت اللثام عن قانون استثمار جديد من خلال تعزيز القدرات الإنتاجية وتحضير بعث استثمارات جديدة في المناجم والمعادن والطاقة والصناعة الغذائية والسياحة، ويشدّد هادف على أن أحسن مثال للشراكة العربية الناجحة، مصنع بلارة لإنتاج الحديد الصلب بين الجزائر وقطر.

ويعتبر الخبير الذي شغل من قبل منصب رئيس غرفة التجارة بولاية المدية أن زيارة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، منذ انتخابه شهر ديسمبر 2019 مصر والكويت وقطر وتونس والسعودية، يندرج في إطار احياء الدبلوماسية الاقتصادية، وإعطاء صورة جديدة للعالم العربي عن الاستثمار في الجزائر، ومباحثة كيفية استقطاب الاستثمارات العربية المباشرة، وبعث الشراكة مع الأشقاء العرب من أجل الذهاب نحو الأسواق الجهوية والعالمية.

وفي سياق متصل، يؤكد عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني والخبير الاقتصادي البروفيسور عبد القادر بريش، أن الشراكة الجزائرية العربية، سواء التجارة أو الاستثمار البيني، بلغا أدنى مستوياتهما خلال السنوات الأخيرة، وباتا لا يرقيان للطموحات، رغم اتفاقيات التجارة الحرة العربية التفاضلية، التي تفرض تدفق الاستثمارات بمليارات الدولارات نحو الجزائر والدول الأخرى.

وحسب بريش، تسعى الجزائر إلى تعبيد أواصر الشراكة الاقتصادية مع الدول العربية، منذ انتخاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وهو ما تترجمه زيارات الدولة التي أجراها إلى عدد من الدول العربية، ويندرج ذلك في إطار تهيئة الظروف المناسبة للقمة العربية المرتقبة في الجزائر أيضا.

وشدد الخبير على أن التعاون الاقتصادي وحتى توطيد الاتفاقية التفاضلية للمنطقة العربية يمكن أن تكون الوجه الثاني للقمة العربية المنتظرة في الجزائر هذه السنة، من خلال استحداث لجان فرعية لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي وربما إعادة النظر في بعض بنود اتفاقية الشراكة العربية.

 وتعد أحد أهم الجوانب التي يمكن معالجتها في القمة العربية هامشيا هو تعديل اتفاق الشراكة العربية، والتي منحت بموجبها الجزائر إعفاءات ضريبية للسلع العربية بقيمة 2356 مليار سنتيم في ظرف سنة واحدة فقط  (سنة 2019).