-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشعر والبطاطا والبرلمان

أمين الزاوي
  • 5682
  • 16
الشعر والبطاطا والبرلمان

تُكتب القصيدة لتثير الخيال لدى القارئ، أي المواطن، وتلك واحدة من مهام الشعر الجميل، والشعب الذي لا قدرة له على التخيل، الذي لا خيال له، شعب ميت وعقيم وغير ديناميكي، بهذا المفهوم، إذا كان الشعر هو رأسمال للخيال والتخييل فإن البطاطا هي الأخرى كالشعر، تماما بتمام، تثير الخيال الجزائري، على المستوى السياسي والتجاري والأيديولوجي والاقتصادي والجمالي واللغوي والموسيقي. هوس!

و بما أن البطاطا تثير الخيال والقصيدة أيضا تثير الخيال، تماما بتمام، إذن وبمعادلة رياضية بسيطة نستطيع البرهنة على أن الشعر والبطاطا ينتميان إلى فصيل جِينِيٍّ واحد، هو فصيل الإبداع، دم الفن.

أيها السادة لا تستهينوا من شأن البطاطا، لا تستصغروا البطاطا، فلقد كانت سببا في إذكاء حرب ثقافية رمزية كبيرة ما بين دولتين أوروبيتين هما فرنسا وبلجيكا، الأولى بلد فولتير والثانية عاصمتها بروكسيل هي عاصمة الاتحاد الأوروبي، ولا تزال هذه الحرب الباردة مستمرة حتى اليوم، ويعود سبب اندلاع هذه الحرب إلى خلاف وقع بين البلدين حول من كان السباق إلى اكتشاف وإبداع “الفْريتْ” les frites“، الفرنسيس أم البلج؟

والعجيب، يقول المؤرخون بأن عاملين أساسيين هما من حافظا، حتى الآن، على الوحدة الترابية والشعبية لبلجيكا، إنهما: البطاطا والشعر، إذ يُجمع العارفون على أن دفاع البلجيك “بفرنكفونييهم” و”فلامانييهم” على أسبقية بلجيكا في اكتشاف “الفْريتْ” هو من أجَّلَ وحتى الآن تفتت بلجيكا وانقسامها وتقسيمها، كما يجمع الفُهّامُ أيضا بأن لشعر جاك بريل Jacques Brel (1929 1978) الدور الكبير في الإبقاء والدفاع عن هذه الوحدة الوطنية ومقاومة التقسيم.

و”الفْريتْ” les frites أيها السادة هو واحد من مشتقات الحبة العجيبة، حبة البطاطا البيضاوية الشكل، إذ تقص على شكل أعواد وترمى في زيت عباد الشمس أو الكاكاو المغلي حتى تتحمر.

كما للشعر الجميل سلطةٌ على الأطفال فللفْريتْ سلطة عليهم أيضا، لذا يقول العارفون بشأن علم أصول وتأصيل الأذواق: إن البطاطا والشعر توأمان، يلتقيان في الإبهار والإدهاش والخيال، كما تجربة الشعبين الجزائري والبلجيكي مع البطاطا والحلم تؤكد بما لا يدع في الأمر شكا بأن علاقة الشعر بالبطاطا علاقة عميقة وعضوية ومصيرية وحاسمة في تاريخ الشعوب في الشمال كما في الجنوب، ولذا يفكر بعض المتخصصين والخبراء في العودة إلى البطاطا لحل أزمة الهجرة غير الشرعية والبطالة وإحياء مشروع الاتحاد من أجل المتوسط.

حين كنت طفلا، أصدقكم القول، أنني كنت أكره تناول وجبتين هما: البطاطا والكسكسي، لا لشيء إلا لأن أمي الحاجة رابحة رحمها الله كانت تجعلنا وبشكل يومي، سبعة أيام على سبعة أيام، بين خيارين: إما أكل الكسكسي بالحليب أو أكل البطاطا في مرق الزيت، لم يكن لدينا خيار آخر. لذا كنت أحلم أن آكل وجبة أخرى غير البطاطا، اليوم قد لا يصدقني الكثيرون من الأطفال.

اليوم يحدث العجب العجاب لقد أصبح الأطفال يعشقون حد الهبل البطاطا بكل أشكالها، مُمرقة أو فْريتا أو شيبسا (شيبس مهبول)، كما أنها أضحت طريقا لدخول السياسيين المحنكين جدا إلى البرلمان، فتأثيرها عندنا لم يعد متوقفا على الأطفال بل تجاوز ذلك ليتقاسم ولهها الشعري السياسيون، فخطابات الحملة الانتخابية التي تندلع نارها في القرى والمداشر والمدن التي ليس لها شيء من المدن هي مديح في البطاطا التي بعودتها إلى الجزائر التي تحتفل بخمسينية استقلالها يعود الحلم للجزائري، والشعب الذي لا يحلم هو مجرد تجمع بشري لأفراد، مجرد “غاشي”.

ولكن إذا كانت البطاطا هي الشقيقة التوأم للشعر، وهذا ما يحيرني، فلماذا يا ترى اجتمع مجلس الوزراء ومجلس الحكومة والبرلمان بغرفتيه السفلى والعليا ولمرات عدة لمناقشة أمر “البطاطا والمواطنة” ولم يجتمع هؤلاء ولو لمرة واحدة لمناقشة الشعر مع أنهم جميعهم يعرفون أو سمعوا بشاعر اسمه مفدي زكريا، وأن غالبيتهم إن لم أقل جميعهم يحفظون إن جزئيا أو كليا النشيد الوطني “قسما”؟

لكل هذا، وباسم المثقفين عامة وباسم الشعراء خاصة، أحفاد مفدي زكريا وجمال عمراني وعبد الكريم العقون والربيع بوشامة، أتمنى أن يرتفع، ذات يوم، مقام الشعر إلى المقام العالي الذي وضعت فيه أخته البطاطا وهما التوأم الذي يحرك الخيال والحلم في شعب لا يريد أن يفقد الحلم لأنه لوح النجاة، فمتى يجتمع مجلس الوزراء أو غرفتا ممثلي الشعب لتداول وضع الشعر في بلد يريد فيه مواطنه الصالح ألا يفقد الحلم؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
16
  • محمد كرداد بوسعا دة

    سالني سائل من المتجمد الشمالي هل لد يكم شعر .قلت بافتخار . نعم
    فقال هات بيتا
    فقلت F1او F2او F3

  • SEDDIK

    و هدا الاسبوع ايضا فرحت لان اخى البطال تحصل على15000دج من احد مكاتب المترشحين يصرفها ايامات ومن بعد يرحمها ربى

  • محمد

    أعتقد أن الدكتور يسعى إلى كشف زهد السلطة التنفيذية و التشريعية في الالشقافة بصفة عامة وشكرا

  • hamza

    مقال كاي المقالات

  • hamza

    انا لا تعجبني افكارك غير ان هذا المقال اعجبني

  • fethi anabi

    لقد نسيت البصل يالمسيردي ان منطقتكم مشهورة بالبصل ام انك خجول من البصل و الفلفل

  • Baldassare

    .... un proverbe suffira pour commenter votre artcile ''Il n y 'a qu'une légère différence entre cesser de penser d'une manière créative et cesser de vivre''
    Mais, la question reste posée inlassablement, notre imagination demeure prisonnière de ce que nous nous disposons comme mangé

  • ناصر

    لو بقي أمين الزاوي حتى هذه اللحظة على رأس المكتبة الوطنية الحامة لما كتب لنا هذا المقال التهكمي عن البطاطا و السياسة، بل لكان عوضه مقالا يدعو فيه الجزائريين إلى المشاركة القوية في الإنتخابات القادمة. هذه هي النخبة المثقفة التي تملكها الجزائر.

  • الجزائر العميقة

    ربما تكون البطاطا نقطة إنطلاق بالنسبة لشعوب تعيش الطفولة التاريخية و السياسية و ليتها تكون قدما اولى.إن التجربة في اوروبا عرفت تطورا طبيعيا وعلميا حسب الإفرازات التي احدثتها التناقضات من الإقطاع و سلطة الكنيسة إلى الثورة الصناعية و الليبرالية تكاد تتشابه مع مراحل عمر الإنسان.فبالله عليك كيف تنمو شعوب؛وسائل التحول فيها هي الدسائس و المؤامرات و الصراع على السلطة حتى لو بإعدام من يفكر.

  • حوالف

    احسنت و ابدعت مقال ممتع وفي صميم الواقع

  • رشيد لكحل

    نشكر امين الزاوى على الربط بين البطاطا والشعر والسياسة.لان البطاطا غداء اساسى للشعب الجزائرى خاصة فى السنوات الاخيرة بفضل سياسة الدعم الفلاحى رغم تلوث التربة والمياه والاستعمال العشوائى للمواد الكيماوية. والشعر غداءفكرى ينمى العقل ويساهم فى رفع الروح المعنويةلدى الشعوب ويقوى الداكرة.وعندما اهملت المدرسة الجزائرية مادة التعبير الشفوى واصبح التلميد لاينتج المعلومات بل يجدها جاهزة غى الانترنت ساد الركود الفكرى خاصة ميدان الشعر.زيادة على دلك نجد ان السياسة اصبحت فى زمننا هدا هى السب والشتم وهدا مرفوض من طرف جميع الشرائع السماوية والقوانين ال

  • س د

    تحياتي يا دكتور, عقدت اليوم مقارنة بين الشعر والبطاطا وحاولت أن تقنعنا بالتشابه بين الاثنين ولكنك للأسف لم تنجح اليوم. والأمر الوحيد الذي أعجبني هو حديثك عمّا كنّا نأكله قبل سنوات خلت, وكيف كانت أمهاتنا تجبرنا على أكل البطاطا المطهوة منتصف النهار وعلى تناول الكسكسي بالحليب على العشاء ودون نقاش. رحم الله أمّي.

  • مجيد

    U I B أولا نشكرك يادكتور لأنك ذكرتنا بأيام طفولتنا ولقد سبق لي تكذير بناتي بنمط معيشتنا التقليدية ةالتي ترتكز أساس على طبق الكسكسي والبطاطا لكنهن لم يصدقن وعندما أطلعوا على مقالتك ضحكن وضحكت معهن وشكرا لان مقالاتك تستهويني كثيرا رغم صعوبة القراءة بسبب حالتي المرضيةلأن فيها البساطة ,الواقعية والابداع

  • ياسين

    برافو يا دكتور أمين الزاوي، هذه هي الكتابة التي نريدها، لغة و أسلوبا و معنى و سخرية لاذعة و مفيدة.
    أقسم لك بالله أننا قرأنا المقال جماعيا في مقهى سيببر و نشكرك كثيرا ، فأنت يا أمبن الزاوي ستظل رمز الثقافة الجزائرية الصادقة و الصالحة
    شكرا و ألف شكر على متعة المقال

  • بدون اسم

    البطاطا خجولة لانها تنبت في باطن الارض و لهدا فيجب علينا ان نحترمها

  • lynda

    مقال رائع والاروع هي البطاطا